د . طارق الشيخ تعرضت في المقالين السابقين لرؤية عامة لخلفيات مباراة مصر والسودان وماصاحبها من اصطفاف رياضي غير مسبوق . كان ظاهرا حجم التوتر والقلق الجماهيري علي جانبي وادي النيل . وأنا أفهم ذلك من خلال التنافس التاريخي الذي أطلق البطولة الأفريقية نفسها . ولولا هذا التنافس ولولا ماقدمه رجالات البلدين من الرعيل الأول المؤسس للكرة الأفريقية لما كانت كأس الأمم الأفريقية علي ماهي عليه الان. لكن يقلقني حجم ما هو محسوس من محاولات لإخراج قطار الرياضة عن مساره التنافسي لتلبية أغراض أبعد ما تكون عن الرياضة . وخاصة الصحافة الرياضية في البلدين التي نقلت المناسبة الرياضية الي حيز يوشك ان يطيح بكل النوايا الحسنة التي جعلت من الكرة مدخلا مهما لتقريب شعبي وادي النيل في مصر والسودان كما أراد لها مؤسسو البطولة. الأمر يستحيل الي ماهو أبعد من مجرد رياضة وبكلمات أكثر وضوحا يتحول الأمر في بعض الأحيان الي مادة للتفريغ السياسي المتبادل . والشاهد أن الكرة في السودان قد اغتيلت علنا عام 1976 حينما أطاح بها الرئيس السوداني جعفر نميري . لكن ماحدث بعد ذلك تجاوز الكرة الي التعليم فذهبت ريح التعليم والكرة وكثير مما هو جميل في السودان . وماجري في السودان ومنذ ذلك الحين هي محاولات أهلية يلعب الدكتور كمال شداد رئيس الاتحاد الحالي دورا أهم كثيرا مما تفعله الدولة نفسها لإعلاء شأن الرياضة والكرة تحديدا . وقد بلغت مصر شيئا من ذلك خلال السنوات الماضية . بمعني آخر " التقي التعيس..." . لن تكون هناك رياضة بالمعني الحقيقي في كلا البلدين مالم تحل قضايا التعليم الأساسية التي يفضحها جدول الدروس الخصوصية التي هي جريمة الجرائم التي تتصدرها مصر والسودان عربيا . أولادنا ليس أمامهم ترف الوقت الزائد لكي يتعلموا الكرة او أية رياضة أخري بدرجة تخرج مواهب حقيقية كما كان في السابق . هرجلة التعليم قاتلة وفوضي الاقتصاد مهلكة . فهل تتعمد دولتا وادي النيل إلهاء الشعبين بالابتعاد عن رؤية الحزب الوطني والمؤتمر الوطني عاريين أمام الفشل في منتهاه ؟ قلت من قبل أن الشعبين يعانيان من الوطنيين ويوم المباراة سألني أحد الأشقاء المصريين عن توقعاتي للمباراة فقلت لاتهمني المباراة الرياضية بقدر ماتهمني المباريات المحلية السياسية والاقتصادية والبؤس الذي نعيشه هناك علي ضفاف النيل نعمة الله علينا. عن صحيفة الراية القطرية 31/1/2008