فاجعة انهيار عقار.. ماذا بعد؟! د. ناصر درويش أبي عام2007 أن يفارقنا إلا بعد انهيار عمارة لوران بالإسكندرية بصورة كارثية, لتلحق بمثيلاتهاوهذا الانهيار لن يكون الأخير, ويؤكد حتمية مراجعة حالة المنشآت وتقويمها إنشائيا للتأكد من سلامتها للحيلولة دون الانهيارات المفاجئة. فالمشكلة قومية وخطيرة وتحتاج إلي تمويل لتغطية نفقات الكشف علي المنشآت القائمة والتدخل لعلاجها, فضلا عن أن فلسفة الصيانة الدورية والوقائية غائبة عن ذهن الكثيرين, ناهيك عن إدخال بعض تعديلات في المنشآت بصورة غير مدروسة, ونحتاج إلي تقويم سلامة المنشآت خاصة مع تقادم العديد منها وضرورة التدخل في حالة المعيب وغير الآمن منها, وتوفير تمويل كاف للإصلاح والتدعيم حتي لا تتزايد احتمالات الانهيارات. وللحد من أثر حدوث انهيارات يلزم اتخاذ إجراءات سريعة وأخري قصيرة المدي للمباني الحالية, وثالثة طويل المدي للمباني المستجدة, وهناك إجراءات عاجلة في إدارة الأزمات من ضرورة وجود خطط مسبقة وبديلة, وفرق إنقاذ مدربة ومجهزة بالمعدات والأوناش اللازمة والحديثة والكلاب المدربة لإنقاذ الضحايا ورفع الأنقاض ومعالجة الناجين وتعويض المتضررين ورعايتهم. ومشروع قانون البناء الموحد الجاري مناقشته حاليا محاولة لحل العديد من مشكلات المباني واستحداث اقتراحات عملية لتسهيل استصدار التراخيص والحفاظ علي الثروة العقارية مهم ومطلوب, لكنه يمثل حلا مستقبليا للمباني المستجدة, ومتوسط المدي لصيانة العقارات الحالية فحسب, إلا أنه لا يتناول مشكلة المباني القائمة المخالفة كليا أو جزئيا, وهي مبان قائمة ومشغولة حاليا وتمثل جزءا كبيرا من المشكلة الحالية, وقدرا مهما من قرارات الإزالة والمخالفات الموجودة وقنبلة موقوتة. وبعضها, وإن كان مخالفا للاشتراطات فإنه قد يكون سليما من الناحية الإنشائية, حتي وإن كان معظمها قد صدرت لها قرارات إزالة, لكن لنواح عملية ودواعي الأمن الاجتماعي ظهرت صعوبة تنفيذها, وكإجراء إيجابي في مرحلة سابقة صدرت قرارات بتشكيل لجان فنية هندسية علي مستوي عال لبحث مشكلة تلك المباني, لكنها للأسف لم تبدأ عملها فعليا في بعض محافظات مصر ومنها الإسكندرية, لصعوبة توفير التمويل اللازم برغم سهولة تحميل المستفيدين بذلك. علما بأنه ورد بقانون البناء الموحد تكوين اتحادات شاغلين للمباني القائمة فعلا التي ستنشأ ما مفاده أنه يشمل المرخصة وغير المرخصة, وبذلك سيكون هناك تعامل رسمي مع المباني غير المرخصة, بل والسابق صدور قرارات إزالة لبعضها, وهو من الأمور التي ستنشئ أوضاعا غريبة, إذ كيف ستقنن أوضاع مبان وطوابق لها قرارات إزالة, مما يعيدنا إلي ضرورة تقويم حالتها إنشائيا. وعليه فإن قانون البناء الموحد مهم ومطلوب, إلا أنه يمثل عموما سياسة طويلة المدي, وأخري وقائية. إلا أنه حاليا وفورا يلزم إعطاء الأولوية لبحث حالة تلك المباني التي تشكل خطورة داهمة بالفعل بناء علي تقارير لجان فنية متخصصة ومن جهات محترمة. كما يجب ألا نصاب بالهلع أو ننخدع من عدد قرارات الإزالة والمخالفات الهائلة التي يذكر أنها بمئات الألوف, مما يجعلنا وصاحب القرار في وضع شبه مستحيل لاتخاذ أي إجراءات تجاه هذا الكم الهائل, ونعتقد أن الأمر يستعصي علي الحل, وعليه قد نتغاضي عن الحل, وهذا غير صحيح, إذ إنه بتحليل قرارات المخالفات والإزالة بدقة سيتضح أن نسبة بسيطة منها فقط تمثل خطورة داهمة والباقي مخالفات بسيطة, مما يبعث الأمل في تناول المشكلة ولو جزئيا. علما بأن مخالفة ترخيص البناء, وإن كانت بالطبع مخالفة في حد ذاتها, فإنه أمر منفصل تماما عن السلامة الإنشائية التي تتوقف, سواء كان البناء بترخيص, أو بدون علي اتباع الأساليب الفنية في التصميم والتنفيذ, ونسب مواد الإنشاء طبقا للمواصفات, وهذه ليست دعوة للبناء بدون اتباع القوانين, وإنما هي محاولة لتحليل أعداد المخالفات الضخمة الحالية والخادعة, وأن هناك إمكانا لحل المشكلة تدريجيا وفنيا بعيدا عن التهويل أو التهوين, وكلاهما غير مطلوب. عن صحيفة الاهرام المصرية 15/1/2008