صلاح عيسي تجتمع لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب غدا الأحد، لمناقشة الاقتراح بمشروع قانون، الذي قدمه النائب الإخواني والصحفي 'محسن راضي' بالغاء ما تبقي من عقوبات الحبس في جرائم النشر، ويحضر الاجتماع وزير العدل المستشار 'ممدوح مرعي'.. وطبقا لما نشرته الصحف، فإن مشروع القانون ينص علي إلغاء عقوبة الحبس في 30 مادة من قوانين العقوبات والمطبوعات وتنظيم الصحافة، اكتفاء بالغرامة، علي أن يضاعف الحٌد الأدني والأقصي للغرامة المنصوص عليهما في هذه المواد بحيث لا تزيد علي عشرة آلاف جنيه.. مع نقل سلطة التحقيق في جرائم النشر لهيئة تتشكل في محكمة النقض من ثلاثة من مستشاريها تختارهم جمعيتها العمومية، تكون لها سلطة قاضي التحقيق، وتختص دون غيرها بالتحقيق في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف. والملامح العامة للمشروع، الذي لم تنشر الصحف نصه الكامل، تؤكد أنه يستند إلي النصوص نفسها التي صاغتها لجنة ضمت صحفيين ورجال قانون، ورأسها المرحوم 'عوض المٌر' الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية. شكلتها نقابة الصحفيين منذ حوالي خمس سنوات، واعتمدها مجلس النقابة في عهد النقيب إبراهيم نافع، وهي النصوص نفسها التي تفاوضت استنادا إليها، لجنة برئاسة النقيب جلال عارف، مع المسئولين في الحكومة، لتنتهي بالتعديل الذي أدخل في العام الماضي، علي قانون العقوبات، ونص علي الغاء عقوبة الحبس في خمس جرائم فقط مما يتضمنه هذا القانون. ما يدهشني أن النائب محسن راضي، قد قٌدم الاقتراح بمشروع القانون، بطريقة مباغتة وفور الانتهاء من الانتخابات النقابية، من دون أن يترك للنقيب مكرم محمد أحمد ولمجلس النقابة الجديد، فرصة لالتقاط أنفاسهم، وجدولة اولوياتهم، بل ومن دون تشاور مسبق معهم، حول نصوصه، للاطمئنان إلي أنها تتطابق مع مطالب الصحفيين، وحول توقيت تقديمه، بما يتيح لهم الفرصة لجس النبض، وحشد الانصار وتهيئة المناخ الذي يضمن تحويل الاقتراح لمشروع قانون، إلي مشروع، ثم قانون.. مما دفع البعض للظن بأن هدفه من تقديمه، هو مجرد سرقة الكاميرا، وتسجيل هدف اخواني في مرمي الحزب الوطني الديمقراطي، الذي يعلم أن نوابه وربما حكومته، ليسوا في حالة مزاجية تسمح لهم في هذه الأيام بالذات بالموافقة علي الغاء عقوبة الحبس في جرائم الصحافة، بل لعل العكس هو الصحيح، بعد أن تراكمت الأزمات بين الصحافة وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. وربما القضائية. ومشكلة الغاء ما تبقي من عقوبات الحبس في جرائم النشر، تكمن في ان هناك تباينا شديدا بين وجهة نظر الصحفيين والمعنيين بحرية الصحافة، وبغيرها من الحريات من جانب، ووجهة نظر القانونيين الذين يمثلون الحكومة فالصحفيون والديمقراطيون ينطلقون من وجهة نظر صحيحة وديمقراطية تقول بأن توقيع عقوبة بمدينة هي الحبس علي جريمة ترتكب بواسطة القلم وتعبيرا عن الرأي وبهدف خدمة مصالح عامة، يخل بقاعدة مناسبة العقاب مع الجرم، فضلا عن ان معظم دول العالم الديمقراطية قد الغت هذا النوع من العقوبات. علي هذا النوع من الجرائم اكتفاء بالغرامة والتعويض المدني والعقوبات التأديبية في حالة الخروج عن مواثيق الشرف المهنية، وهو ما يسلم به قانونيو الحكومة شكليا، لكنهم يعتذرون عادة بأن القانون المصري لا يعرف شيئا مستقلا اسمه جرائم الصحافة، اذ هي جزء مما يعرف بالجرائم التي ترتكب بواسطة وسائل العلانية، التي تشمل كذلك الخطابة وكتابة اللافتات، واطلاق الهتافات والجأر بالصياح وتوزيع المنشورات... الخ. وأن اعفاء الصحفي من العقوبة، معناه اعفاء كل من يرتكب هذه الجرائم بوسائل أخري قد تكون أقل تأثيرا من الصحفي، أو تمييز الصحفيين عن غيرهم، مما يفتح الباب للطعن بعدم دستورية هذا الاعفاء! وكان هذا المنطق، هو الذي دفع هؤلاء لحصر الجرائم التي ترتكب بواسطة الصحف في جرائم القذف والسب واهانة سفراء الدول الاجنبية، وهي الجرائم التي الغيت عقوبة الحبس عنها في العام الماضي، لتحل محلها الغرامة، ليستفيد من ذلك الجميع، سواء كان الذي يرتكب جريمة القذف صحفيا، أو كان مواطنا يتشاجر مع جاره، أو يسب زميله في العمل.. والوصول إلي توافق يقرب بين وجهتي النظر، ليس مستحيلا، خاصة وان القوانين الحالية، لاتزال تعاقب بالحبس علي جرائم ذات صفة صحفية محض، مثل نشر الاخبار الكاذبة أو نشر المداولات السرية لجلسات مجلسي الشعب والشوري أو إهانة الهيئات النظامية، وغيرها، لا ينطبق عليها المنطق الذي يقول به قانونيو الحكومة. لكن هذا التقريب يتطلب جهدا يمهد السبيل أولا لفتح باب المفاوضة حول الموضوع من جديد، اذ من البديهي أن استصدار قانون بالغاء ما تبقي من عقوبات الحبس في جرائم الصحافة، يتطلب الاطمئنان أولا، إلي اقتناع نواب الاغلبية واقتناع الحكومة نفسها، ليس فقط لضمان الغاء هذه العقوبات، ولكن كذلك للاطمئنان بأن أي مشروع قانون يقدم لمجلس الشعب بالغائها، لن يتحول إلي قانون لاعادة، ما الغي من العقوبات.. وتغليظ مالم يلغ منها! وربنا يستر عن صحيفة أخبار اليوم المصرية 12/1/2008