«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل والقعيد يفتحان الدفتر الخاص بجمال عبدالناصر والمثقفين
نشر في محيط يوم 07 - 06 - 2014

القعيد : الإقطاعيون يرون الدولة وسيلة لمنع إزعاج الأغنياء!
عبدالناصر عرض على لطفي السيد رئاسة مصر!
هيكل : أعترف بأخطاء بحق " القانون" و" الجامعات" و"قيم الجمال"
هيكل : قلت لناصر وسط حشود ملونية بدمشق "تذكر أنك بشر"
عبدالناصر كان يريد ديمقراطية لا تأتي بالنظام القديم
هيكل : محمد نجيب "طيب" لا يصلح للقيادة
عبدالناصر لنزار قباني : أشاركك الألم .. ولسارتر : إسرائيل إلى زوال
هيكل لأمريكا : أيديكم ملوثة بالدماء .. وانتهاكات الناصرية لحقوق الإنسان محدودة!!
"سوف تكتب أنت وحدك قصتنا، فما أظن أن العمر سيصل بي لمرحلة الشيخوخة" .. عبارة قالها جمال عبدالناصر، لصديقه المقرب الذي صار فيما واحدا من ألمع الصحفيين العرب، محمد حسنين هيكل .
وهيكل عاد ليروي فصولا من صداقته مع الزعيم وعلاقة عبدالناصر بالمثقفين والثقافة في حوار مطول للروائي البارز يوسف القعيد، نشرت طبعة حديثة عنه عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 430 صفحة من القطع المتوسط .
يتذكر القعيد في مقدمة كتابه بشارات الثورة وهي تعم قريته بمحافظة البحيرة، وصورة الرجل الطيب "محمد نجيب" يستقل قطارا سريعا ويتكوم البشر لتحيته على المحطة. ولا يفوت القعيد أن يصور طبقة الإقطاعيين المتحولين الذين لم يخجلوا من تأييدهم للسلطة مهما كانت، فهم ملكيين مع الملك وثوريين مع الثورة ورأسماليين مع العهد الجديد .. لكن على الأقل استطاعت ثورة يوليو أن تجعل الفلاح يمر رافعا رأسه غير مطأطئ أمام دوار العمدة بعد أن تملك قطعة أرض يزرعها ويجني ثمارها وصار أولاده يتعلمون بالمجان ويتداوون ..
لقد استعار هيكل عبارة كتبها القعيد في "شكاوى الفلاح الفصيح" يقول فيها عن "طبقة المظليين"، أو رموز المستفيدين من الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات، أنهم "ينقضون من السماء ليدمروا كل ما يقعوا عليه ، وهم ينظرون للدولة باعتبارها "جهاز لتأمين نوم الأغنياء ضد أرق الفقراء" .
وعلى الجانب الآخر، كان القعيد يعتبر هيكل أبرز صحفي عربي خلال القرن العشرين ، وكانت له تحقيقات مذهلة ميدانية من انقلابات سوريا وحرب فلسطين وكوريا واليونان وثورة مصدق وأوبئة الصعيد .. لكنه أيضا يعتقد أنه لولا ميوله الصحفية لكان أيضا من أبرز الأدباء العرب، لثقافته الموسوعية وذاكرته التي تحتفظ بمتون لا آخر لها من الأدب العربي والعالمي، القديم والحديث، كما استطاع الحفاظ على استقلال الأهرام في الوقت الذي كان يعمل على مسافة قريبة جدا من السلطة .. سلطة عبدالناصر، وبنهاية السبعينات كان لابد من وداعه للمؤسسة التي أسسها طوبة طوبة، بعد أن اتهمه السادات بأنه يريد فرض رأيه بالقوة، قوة رأيه الذي يكتبه ، وكان هيكل يرد عليه : تلك هي قمة الديمقراطية .
أما المثقفون الذين يسرد هيكل وقائعهم مع عبدالناصر، فهم ينقسمون إلى طائفة كانت قد حققت ذروة إنتاجها في العصر الملكي ومنهم طه حسين والعقاد وأحمد أمين وعائشة عبدالرحمن وسهير القلماوي والشيخ شاكر ولطفي السيد والسنهوري والنحاس ، وبعضهم اختلط بالعمل السياسي، لكنه كف عنه بعد الثورة نسبيا – بإرادة منه أو من قيادات الثورة نفسها - ثم هناك طبقة أخرى كانت منعزلة عن السياسة نسبيا قبل الثورة وبدأ إنتاجها يتألق في الخمسينات كأعمال جمال حمدان ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس وأحمد بهاء الدين وإحسان عبدالقدوس ، ويضاف لهم من المطربين أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب..
اندلاع شرارة الثورة
تعرف هيكل إلى عبدالناصر في فلسطين - أغسطس 1948- كان الأول يقوم بعمله الصحفي فيما يمارس الثاني دوره كمقاتل ضمن الجيش العربي المقاوم للصهاينة، وقد طلب ناصر منه آنذاك نسخة من كتابه "إيران فوق البركان" ، ومن هنا بدأت روابط الصداقة تتوثق بينهما.
انقسم الضباط الأحرار ؛ هل نعدم الملك أم نحاكمه أم نعفو عنه؟ وفيما كان محمد نجيب يميل للحل في إطار شرعية الملك، وبمزيد من التطهير داخل نظامه، كان عبدالناصر يميل لحل جذري لكنه أيضا غير عنيف حيث يستشهد بقصة مدينتين لتشارلز ديكنز حيث الدماء تقود دائما لمزيد من الدماء..
يرى هيكل أن عبدالناصر مثقف، ليس بمعنى إنتاج الثقافة، ولكن بمعنى استيعاب أفكارها وتطويرها لمشروعات حضارية كبرى .
ربطت ناصر صداقات بزعماء إخوانيين وشيوعيين، غير أنه تأكد لاحقا أنها تنظيمات تهدد أمن البلاد التي تقلها، بسبب أدبيات العنف بداخلها.
ويلفت الكتاب لمسألة هامة : لم يكن الضباط الأحرار ينوون الانقلاب أو الاستيلاء على السلطة، كانت حركة تهدف لإزاحة الملك وإجراء انتخابات حرة تأتي بحزب الأغلبية، لكنهم اكتشفوا أن أي انتخابات ستأتي برجال النظام القديم الإقطاعيين، وكأن ثورة لم تقم، يكفي أن رئيس وزراء مصر ووزير الداخلية الذي كان أحد سبعة أسسوا حزب الوفد مع سعد زغلول ، وجاء للحكم على 1945 كان طاغية لا يرى أن الديمقراطية تصلح مع الرعاع! وربما تلك هي المعضلة المستمرة مع ثورات مصر حتى الآن.
من المفارقات التي يرصدها الكتاب أن عبدالناصر أرسل هيكل لأحمد لطفي السيد يطلب منه أن يصير رئيسا للبلاد لكن الأخير كان واقعيا ورفض.
جاءت الثورة بعد أن أعلن نظام مصر الحاكم تعريه وإفلاسه الكامل، كان العالم قد خرج لتوه من الحرب العالمية الثانية والصدامات في مصر محتدمة بين الوفد والسراي والإنجليز، والمخربون يصنعون الفتنة بحريق القاهرة الهائل مع مطلع الخمسينات، ثم عزلة مصر عن العالم، وفساد الحرب .
بدأ ضباط الثورة يشعرون بتلاعب رئيس الوزراء علي ماهر، وقد عرض عبدالناصر المنصب على سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة فرفض، في حين لم يرتض ناصر أن يتولى الحكومة السنهوري باشا لأنه اتهم سابقا بتوقيع بيان أنصار السلام المعادي لأمريكا، وهم يهتمون بأمريكا في مواجهتهم للإنجليز.
وقد دخل ضباط الثورة بمواجهات أخرى مع سليمان حافظ بعد أن أصروا على محاكمات الغدر والثورة، وذلك في ظل استمرار الدستور المؤقت.
ويستعرض حوار هيكل والقعيد نقطة مفصلية في حياة ثورة يوليو، وهي أزمة مارس الشهيرة عام 1954، ويؤكد بجلاء أن الخلاف لم يكن على الديمقراطية، ويتساءل: ماذا كان يمكن لقيادات الثورة أن يفعلوا وهم يفاوضون الإنجليز وعلى أعتاب أزمة خطيرة بالسويس، هل يتركوا البلاد هكذا للطامعين في السلطة ووراثة العرش ، وفد أو إخوان أو ماركسيين ؟!
في يوم 18 يونيو 1956 ، تم تنصيب عبدالناصر رئيسا للبلاد، وبعد شهر تم سحب عرض تمويل السد العالي وتأميم القناة ومعركة السويس والخروج من ذلك للوحدة مع سوريا، وقد حولت تلك الأحداث ناصر لأسطورة عربية، على مدى البصر كنت ترى الحشود التي جاءت لاستقبال ناصر في دمشق، زاحفين من حماة وحمص، ومن لبنان، خرج ناصر من الشرفة مرة كل ربع ساعة لتحية الجماهير المحتشدة التي تصل الليل بالنهار، وكان يقف إلى جواره شكري القوتلي من سوريا.. هنا يقول هيكل لناصر: لو لم أكن أعرفك من قبل لكنت تصرفت معك كما يفعلون مع قياصرة الرومان الكبار، عندما كانوا يجعلون وراءهم في موكب النصر من يهمس لهم : تذكر أنك بشر.
وبعد النكسة ، نشرت مجلة النيوزويك صورة السودانيين الذين رفعوا سيارة جمال عبدالناصر على الأكتاف، وكتبت على غلافها "تحية للمهزوم"
رجال الثورة
يرى هيكل أن ضباط يوليو لم يستوعبوا روح القانون باعتباره مجموعة من الضمانات والإجراءات، وقال " لا يمكن أن نتحول لدولة يعلق فيها القاتل على شجرة، بدلا من محاكمته وإعدامه" ، كان يعلق على محاكم الثورة
وبخصوص أهل الثقة وأهل الخبرة ، يرى هيكل أن ناصر انتدب شخصيات عسكرية ومدنية مميزة في مجالاتها ولم تكن المسألة الثقة فحسب، فلدينا مرعي في الزراعة والقيسوني في الاقتصاد وصدقي في الصناعة، ورياض بالدبلوماسية، وكلهم أكفاء، لكن المشكلة نجمت عن تصور بعض رجال الثورة بأنهم طبقة جديدة تستحق امتيازات خاصة، متناسين أنهم جاءوا للتغيير الثوري.
أما عن التأميم، فهيكل يؤكد أن العالم بعد الحرب الثانية كان يبحث عن العدالة الاجتماعية، وقد أممت فرنسا وإيطاليا ، الرأسماليتان، مؤسساتهما الهامة ، وهذا ما فعله عبدالناصر حين اكتشف أن المصريين لا يملكون شيئا من بلدهم، فكل شيء تديره الشركات الأجنبية .
قوة الفن
اهتم ناصر بتجارب فنية عالمية ومحلية، فبدء من ملوك التلاوة عبدالباسط ورفعت والنقشبندي، وانتهاء بملوك الطرب، وجد لكل ذلك وقتا بيومه الحافل بالأعباء .
ويتذكر هيكل إعجاب ناصر بتجربة المخرج فرانك كابرا الذي تعرض لمحاكمات مكارثية بأمريكا وأوقف عن العمل 1951 وكان يجسد في فيلمه "إنها حياة عجيبة" قصة رجل غير قريته الخاضعة للملاك الفاسدين، وكان ناصر من أشد معجبي كوكب الشرق أم كلثوم وأبكته بقصيدة غنتها في يوم الجلاء، كما غفر لها عبارة قالتها مديحا للملك فاروق، وتأكد حدسه بعد مواقفها الوطنية التي أكدت صدقها بعد الثورة . أما عبدالحليم حافظ فرغم لقاءاته القليلة بعبدالناصر، فقد كان الأخير يعتبره صوت الثورة .
وبرغم احترام هيكل لموسيقار الأجيال عبدالوهاب، لكن هيكل كان يرى أنه كان ذكيا ويجتذب إليه الرجال الأقوياء في كل عصر لحمايته.
وعن العمارة، رأى هيكل أن المباني في العصر الملكي كانت مستقاة من رؤية أوروبية في العمارة، وكان قد اقترح على أحد قيادات الثورة استدعاء طراز عثمان محرم الفرعوني الإسلامي ، فرد عليه "لا وقت لأشياء سفسطائية كهذه" !! وهنا تذكر هيكل مقولة لينين حين شيد محطات مترو تشبه القصور : "إنني أنظر لشكل الاتحاد السوفيتي وأجياله المقبلين". وهو يؤكد أيضا أن بيع جزء من التحف التي كانت بالقصور الملكية كان خطأ فادحا، من ضباط الثورة، ولا يبرره شد العجز الاقتصادي.
ملف الحريات الشائك
يتذكر هيكل توليه لمدة قصيرة وزارة الإرشاد القومي، الإعلام حاليا، ومحاولته لوضع أول ميثاق لاتحاد الإذاعة والتليفزيون يضمن استقلاله وحياديته أمام السلطة على غرار هيئة الإذاعة البريطانية، وهي التجربة التي لم يكتب لها النجاح.
وعن عالم الصحافة، يؤكد هيكل أن ناصر أصدر قانونا لتنظيم الصحافة وليس تأميمها، فقد كان معجبا بتجارب عالمية حولت الصحف لملكية تعاونية لا تعود على رجال المال ولكن على العاملين في الصحيفة، كجريدة اللوموند. وكان هيكل يؤكد أن ناصر لم يكن يتدخل فيما يصدر بالصحف، بشكل مباشر، وأنه استطاع برغم صداقته لناصر أن يفجر غضبا مشروعا من تجاوز السلطة في ظواهر زوار الفجر ومراكز القوى، والديمقراطية بالمشاركة وليس بالموافقة إلى آخره .
وبصراحة ، يعتبر الكاتب أن الجامعات كانت أسوأ ما أقدمت عليه ثورة يوليو، لأن صراع التيارات المختلفة تخطى أسوارها، واقتحمها، وقد وقع الظلم على كثيرين بسبب تقارير أمنية وبينهم لويس عوض. وعن المجتمع المدني يرى هيكل أن المنظمات التقليدية كالنقابات هي الأصدق تعبيرا، لا تلك التي تتأسس فجأة وتطالب بشرعية.
ويزعم هيكل أن سجل حقوق الإنسان في مصر في وقت جمال عبدالناصر أفضل من سجلات كثيرة غيره، مع العلم أن زمن جمال كان زمن معارك متواصلة ضد قوى تريد السيطرة على المنطقة. واستطرد : يكفي أن السعودية لم تلغ العبودية منها رسميا إلا في 1958 وبعد معركة السويس، ذلك يقول لك الكثير برأيه.
ذكريات الأدباء
ربطت هيكل وتوفيق الحكيم صداقة كبيرة وزمالة أيضا بجريدتي "أخبار اليوم" و"الأهرام" ، وكان ناصر قد أنقذه من الخروج بقوائم التطهير من دار الكتب، وذلك على الرغم من أن الحكيم "كسول إداريا" لأقصى مدى ، بل وسمح ناصر بصدور أعمال الحكيم التي تنتقد النظام ومنها "عودة الوعي" و"بنك القلق" .
ويروي هيكل طرائف الحكيم ومنها غضبه الجم من نجله اسماعيل بعد تأسيسه فرقة موسيقية بآلاف الجنيهات من جيب والده، والأغرب أنه أراد أن يستأذن من وكيل المعارف كيف يقبل الذهاب لمقابلة جمال عبدالناصر!
كما رفض ناصر أن تصادر "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، ونشرت في عصره أعمالا وصفها هيكل ب"النفس الأخير" أي قمة الإبداع لمحفوظ والحكيم وإدريس، ووجدت طريقها للنشر متسلسلة في جريدة "الأهرام"
وحين زار جمال عبدالناصر مجلة الطليعة اليسارية قال لطاقمها: من حقكم أن تبشروا بالاشتراكية بكامل الحرية، ولكن لن أسمح بأن تؤسسوا حقكم في التبشير على نجاحكم في انتخابات تكسبكم شرعية في مواجهتي.
بعد النكسة، كان هيكل يرى أن العودة للدين طبيعية لكنها لم تتم دوما بشكل عقلاني بل ذهبت لدعم الفتنة الطائفية أو التشدد الديني.
ويرصد الكتاب لقاءات ناصر بمثقفين عرب ومنهم المفكر السوري سامي الدروبي واللبناني كمال جنبلاط ، وكان على أية حال يعتبر أن القاهرة وبيروت مركزا إشعاع الثقافة العربية.
نزار قباني انتقل من بكين لإسبانيا بقرار من عبدالناصر، وكان سفيرا للجمهورية الاتحادية هناك، وفي أعقاب النكسة لم يغضب ناصر من قصائده "الممثلون" و"الاستجواب" وأعرب ردا على خطاب نزار عن مشاركته لألمه من قيادات عسكرية تسببت في النكسة الأليمة، وأكد له أن لن يسمح بمنع دخوله ويجب أن يدخل مصر وسوريا مكرما متى شاء، وكان الأمن يتخذ موقفا سلبيا منه على خلفية قصيدته "هوامش على دفتر النكسة".
التقى ناصر بمعظم المثقفين العالميين، وهو حين التقى وزير ثقافة شارل ديجول الفرنسي شاركه الرأي في انعدام نفوذ الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، كما شرح لسيمون بوليفار وسارتر في زيارتهما التاريخية لمصر ، كيف يدعو الإسلام للاجتهاد واحترام المرأة ، وأكد أن إسرائيل عبارة عن كيان غاصب لأرض العرب ورغبتها في التوسع بالقوة، المدعومة من أمريكا تدفع المنطقة لحافة الحرب دوما
..
يقول هيكل في نهاية الحوار : ثبت أن أمريكا أيديها ملوثة بالدماء وبالتالي فلا تملك حق مقاضاتنا باسم الديمقراطية، وقد قال الرئيس الجزائري هواري بومدين : "ماذا تفعلون بناصر .. اختلفنا واتفقنا معه .. لكنه ظل أهم زعيم عربي خلال قرن كامل.. ويكفيه أنه قاد التحرر حتى أمريكا اللاتينية .. وأيدته الشعوب بلا تحفظ " .. ثم يردف هيكل بختام حواره مع يوسف القعيد : التجربة الناصرية كانت بما لها وما عليها مصرية بحق .. ولندع للأيام الحكم عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.