أعلن وزير الطاقة اللبناني ارتيور نظريان أن وزارته أنجزت دراسة انشاء خط الغاز الساحلي بطول 175 كلم، والذي يمتد من طرابلس في شمال لبنان حتى مدينة صور في جنوبه، وهي حاليا في المرحلة الاخيرة لتقويم عروض الشركات في مناقصة بناء محطة "تغييز (تحويله من سائل إلى غاز) وتخزين" الغاز السائل العائمة قرب مدينة طرابلس، وعلى الرغم من أهمية هذا المشروع الذي وصفه بأنه "يشكل العمود الفقري لمنظومة البنية التحتية للغاز والطاقة في لبنان"، فان الوزير لم يحدد مواعيد المراحل التنفيذية، لأنه ينتظر اقرار قانون تمويل انشائه النائم في ادراج مجلس النواب، منذ أكثر من عامين. في الثالث من أبريل/ نيسان 2012 أقر مجلس الوزراء اللبناني مشروع قانون برنامج إنشاء الغاز الساحلي على مدى ثلاث سنوات، وبكلفة 456 مليون دولار، وإحالته إلى مجلس النواب للتصديق عليه، تمهيدا للبدء في تنفيذه، وهو مشروع حيوي يتيح استعمال الغاز بدلا من النفط، خصوصا بعدما بات استهلاك المحروقات يشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد الوطني، اذ يقدر بنحو 15% من الناتج المحلي الاجمالي وبنحو ملياري دولار على الخزينة العامة سنوياً، وذلك بفعل ارتفاع كلفة انتاج الطاقة وتكاليف النقل والصناعة وكل القطاعات المنتجة، كنتيجة طبيعية لارتفاع اسعار النفط ومشتقاته، وقد اتخذت الحكومة هذا القرار بعد نجاح تجربة استيراد الغاز الطبيعي من مصر لمدة سنة، وان بكميات غير كافية، لكنها اظهرت وفراً على خزينة الدولة بمئات ملايين الدولارات. السجال السياسي ويتطلع لبنان لاختيار استعمال الغاز معتمداً تقنيات آمنة، واستعجلت الحكومة في قرار مجلس الوزراء المتخذ في أبريل/ نيسان 2012، مجلس النواب للتصديق على هذا القانون، ولذلك أضافت إليه رسمياً صفة "المعجل"، حرصاً منها على الوقت المقدر زمنياً بنحو 22 شهراً، ومادياً بنحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن فرص العمل التي يتيحها، بما يحرك دورة الاقتصاد وينعش الآمال بنمو ايجابي يبدأ مفعوله منذ السنة الاولى لبدء الانتاج. ولكن المجلس النيابي، ولا سيما رئيسه نبيه بري لم يستجب لرغبة الحكومة، ولم يدرجه على جدول الاعمال حتى الآن، بسبب انشغاله طوال السنتين الماضيتين بالسجال السياسي والخلافات المستحكمة بين الكتل النيابية، الامر الذي الحق المزيد من الخسائر المالية بخزينة الدولة، وهدراً للأموال العامة، وبما أن المجلس قد دخل بدءا من 15 مايو/ أيار 2014 كهيئة انتخابية، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل موعد نهاية ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان في 25 منه، وبذلك لا يحق له ان يقوم بأعمال تشريعية والتصديق على مشاريع القوانين، مما يشير الى تأجيل مفتوح وغير محدد، لمناقشة مشروع قانون خط الغاز الساحلي واقراره، وبالتالي اصبح موعد تنفيذه مجهولاً. وكان مقررا أن يكون هذا الخط على الساحل اللبناني، مربوطاً بالخط العربي، إلا أنه بسبب الاضطرابات الاقليمية، وخصوصا الازمة السورية وتداعياتها، بات يشكل رافدا مستقرا، بما جعل وزارة الطاقة تتجه إلى خيار استيراد الغاز الطبيعي المسال و"تغييزه"، وبغية تنويع مصادر الغاز لضمان استمرار التغذية من مصادر عدة، تعاقدت الوزارة مع استشاري متخصص، الذي اكد امكان انشاء المحطة والاستيراد من الاسواق العالمية، وجدواه الاقتصادية. قلق الشركات من الطبيعي أن تنعكس كل هذه التطورات قلقاً لدى الشركات العالمية التي سبق أن تأهلت من قبل وزارة الطاقة اللبنانية للدخول في مناقصة تنفيذ المشروع، ويزيد عددها عن 13 شركة، وكان مقررا أن تقدم عروضها في تاريخ اقصاه 20 يناير/ كانون الثاني 2014، على أن يجرى بعد ذلك اختيار أفضل خمسة عروض، تتفاوض معها الوزارة من أجل خفض السعر واختيار الشركة الافضل التي يعهد اليها انشاء محطة "تغييز وتخزين" الغاز السائل، المقدر كلفتها بنحو 200 مليون دولار، وذلك على نفقتها، مقابل اعطائها الحق باستردادها من عائد محدد للاستثمار وبشكل تدريجي خلال سنوات العقد. وإضافة إلى إنشاء المحطة، هناك جزء من المشروع يتعلق باستيراد الغاز من الأسواق الخارجية وتقوم به الدولة عن طريق استدراج العروض مع الشركات العالمية للحصول على اسعار مخفضة، ومن أجل تنويع مصادر الغاز الطبيعي، تعاقدت وزارة الطاقة ومجلس الانماء والاعمار، وبتمويل من البنك الدولي مع شركة "Paten and Partners" المتخصصة في دراسة جدوى استيراد الغاز الطبيعي "وتغييزه"، وأنهت مهمتها الأولية في ستة أشهر، وأعدت دفتر شروط لإطلاق المناقصة الخاصة باستئجار البواخر. ووفق دراسة الجدوى الاقتصادية، كان يتوقع أن يؤمن المشروع نظريا الغاز، في بداية العام 2016 على أساس أن توقيع العقد مع الشركة الفائزة، ينتظر أن يجرى في الفصل الثالث او الرابع من العام 2014، وانجاز بناء منشآت المحطة في العام 2015، ولكن تأخير مجلس النواب في اقرار قانون التمويل، ضرب كل هذه المواعيد. واذا كانت وزارة الطاقة اللبنانية، سبق ان ابدت ارتياحها الى اهتمام الشركات العالمية بتنفيذ المشروع واستعدادها لاستثماره، على الرغم من حالة عدم الاستقرار السياسي والامني، وقد وصفت ذلك بانه يعكس مدى ثقة المستثمرين بفوائد الاستثمار في لبنان، فهي لا تخفي تخوفها من ان ينعكس قلق تلك الشركات سلباً لجهة امكان تغيير استعداداتها السابقة، خصوصاً وانها تسعى للحصول على استثمارات مماثلة في بلدان أخرى، مثل آسيا وافريقيا والخليج العربي. عجز الكهرباء تؤكد دراسة الجدوى حاجة لبنان الضرورية لهذا المشروع، ولو تأخر تنفيذه، ويبرز ذلك من خلال اهميته المالية والاقتصادية، إذ أنه يوفر اكثر من مليار دولار سنويا في كلفة انتاج الكهرباء فقط، وقد أشارت الدراسة إلى أن الكلفة الحالية على المازوت تبلغ 2.25 مليار دولار سنوياً، بينما لا تتجاوز على الغاز الطبيعي اكثر من 1.22 مليار دولار. وتكمن خطورة العجز المالي الذي تواجهه مؤسسة كهرباء لبنان، أنه ينمو سنوياً بنحو 2.2 مليار دولار، وأصبح يشكل نحو 52% من حجم عجز الموازنة العامة في البلاد، وتشير التقديرات الاولية إلى أنه في حال استمرار الوضع القائم فان عجز الكهرباء المتراكم والمتزايد سيشكل في العام 2017 و 2018 نحو 50% من الدين العام للدولة والبالغ حالياً نحو 65 مليار دولار، مع العلم أن الدين التراكمي لمؤسسة كهرباء لبنان بين العام 1993 و 2013 قد تجاوز العشرين مليار دولار، من دون احتساب عجز ما قبل التسعينات، وهذا الواقع السيئ مستمر ولن يتوقف، على الرغم من الخطط والاوراق المنفذ منها والمعطل، بحكم المصالح السياسية الصغيرة والفساد الاداري المدعوم بالفساد السياسي.