عاصم الدسوقي : مبارك أول حاكم عربي يحاسبه شعبه محيط – شيماء عيسى يُنتظر قريبا أن يصدر أستاذ التاريخ المعاصر د. عاصم الدسوقي كتاباً حول رأس المال كسبب لإندلاع الثورات ، وعن الكتاب الجديد دار حوار "محيط" مع المؤرخ الكبير الذي أكد أن مبارك سمح لرجال الأعمال بالإنفراد بثروة مصر وحرم منها الشعب. وقال الدسوقي أن ضمانات العمال هي سبيل نجاح النظام الرأسمالي في الغرب ، مؤكدا أن مصر لم تعرف الليبرالية والديمقراطية في تاريخها الطويل قبل الثورة .. فإلى نص الحوار محيط : هل حاكم المصريون أي رئيس قبل مبارك ؟ - لم يحدث ذلك لا في مصر ولا المنطقة العربية ، فدائما كان الحاكم يهرب أو يعدم أو ينفى من البلاد . ومصر منذ عصر محمد علي شهدت 14 حاكما ، منهم من مات وهو في السلطة، أو قتل مثل عباس حلمي الثاني الذي قتل غيلة بالقصر ضمن مؤامرات للوصول للسلطة ، ثم السادات الذي قتل بحادث المنصة الشهير. مبارك وهناك 5 حكام مصريين عزلوا ، فقد عُزل الخديوي إسماعيل بتأثير إنجليزي على السلطان العثماني، حينما تحدى وجودهم بالبلاد، والحاكم الثاني كان الخديوي عباس لما دخلت تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا والنمسا حلفاءها وأعلنوا بعدها الحماية على مصر، ثم الملك فاروق الذي عزلته ثورة يوليو . بعد ذلك عزل عبدالناصر الرئيس محمد نجيب بعد أزمة مارس والصراع على السلطة ، وأخيرا جاء مبارك ، ولم يتعرض أي من هؤلاء الأربعة للمحاكمة لأن المصريين شعب عاطفي ينظر للحاكم كأب، وتغير المسألة حاليا تؤكد مدى الظلم الذي اشتد بالمصريين في عهد مبارك وجعلهم يريدون العدل والقصاص من الجاني، فقد أعطى مبارك في آخر شهور حكمه شرعية لبرلمان يعرف أنه مزور وسمح بحكومة رجال أعمال أحدثت اختراقات نراها اليوم في المال العام ، وطلق يد ابنه في الحزب الوطني وساعده في مشروع التوريث . محيط : لكن لماذا تدعم أمريكا حكامنا ثم تنقلب عليهم ؟ - الحقيقة أن أمريكا تعين الديكتاتوريين الفاسدين ولكن بشكل لا تريده مفضوحا حتى لا يخسر الحاكم الأمريكي شعبه، وبالتالي حينما ينفضح أمر حاكم عربي تقف ضده أمريكا كما فعلت مع شاه إيران حليفها الذي قالوا له حين خلعه " لم تستمتع لنصيحتنا بالديمقراطية" . في دول مثل ليبيا واليمن نرى الطرف الأمريكي يخاف الحكم الإسلامي والذي حدث في السودان، حينما اكتشفوا مؤخرا أن البشير تلميذ الترابي صاحب الجماعة الإسلامية ، والحقيقة أن الغرب يدعم التيارات الإسلامية فقط لمعاكسة الحكومة العميلة لهم، أي كورقة ضغط، لكن على ألا يصل الإسلاميون للحكم . محررة محيط وعاصم الدسوقي محيط : ما سر فساد الحزب الوطني ؟ - لا أفهم معنى أن ينشيء رئيس الدولة حزبا وهو في السلطة، وقد أسس السادات لهذا الحزب الوطني، والأصل أن يكون الرئيس حكما بين السلطات والأحزاب لا يميل لأحدها على الآخر . لو عدنا للتاريخ سنرى أنه منذ دستور 23 أصبح الملك جزء من السلطة التنفيذية ، وهو ما فعله مبارك حتى وقت قريب لهذا كنت أتمنى من لجنة تعديل الدستور أن تصحح تلك المواد المتعلقة بإطلاق يد الرئيس في السلطة لفك المركزية ، إضافة لمنع عضوية الوزراء في البرلمان . مشكلة الحزب الوطني أن كل من يريد التودد من الرئاسة كان يشترك فيه، وبالتالي أصبح فاسدا، والعكس صحيح أيضا فكل من يهاجمه يهاجم الحكومة والرئاسة ويتعرض للملاحقات، والأصل أن كل مرشح رئاسي يتخلى فورا عن عضويته الحزبية . محيط : لماذا تفضل النظام البرلماني لحكم مصر ؟ - النظام البرلماني يجعل الحكومة مسئولة أمام البرلمان، ولهذا فهو نظام جيد، وأفضل أن يكون الرئيس مدته واحدة فقط . من جانب آخر لا يجب أن نشغل الفزاعات ونخيف الناس فحتى لو أفرز صندوق الإنتخاب اتجاهات إسلامية متشددة فإننا سنرى الأداء ولو كان سيئا يمكننا عدم انتخابهم مجددا وهذه هي الديمقراطية ، ولابد أن نطمئن لأن المصريين يعادون التطرف بطبيعتهم . إضافة لما سبق لابد أن تكون مصر دولة قانون، معصوبة العينين كما نقول، ترى الحق ولا ترى طبيعة المدانين هل هم غفراء أم وزراء ، ولا يفلت الجناة من العقاب لرشاوى او نفوذ . مصالح العمال مظاهرات عمالية - ارشيف محيط : لماذا لا نشاهد ثورات في دول أمريكا وأوروبا؟ - في أي مجتمع ليبرالي وحر مثل هذه الدول لا توجد ثورات اجتماعية أو سياسية، لأن المواطنين يضمنون حقوقهم عبر نقابات وجمعيات لا تمكن السلطة أو رجال الأعمال من تسخير القوة العاملة أو نهب خيراتها . الرأسمالية الأوروبية تاريخها طويل يبدأ من القرن السادس عشر وقد شهدت أوروبا الثورة الصناعية وحينها التفتت لأهمية وضع قواعد بين صاحب رأس المال والعمال، لأن الأول يستهدف الربح بدون اعتبار لحقوق العامل في تأمينات وساعات عمل محددة وأجر عادل، وبالفعل كان العمال مسحوقين قبلها وأثمانهم بخسة نتيجة وفرة اليد العاملة وآلية السوق في العرض والطلب. منذ ذلك الحين ونحن نرى صيغة تحكم الدول الرأسمالية، أن أصحاب رأس المال يحكمون فهم في السلطة وفي أغلبية مقاعد البرلمان ، ولكن العمال لهم نقابات وجمعيات أهلية تدافع عن مصالحهم حتى لا تتحول إحتجاجاتهم لإضراب شامل يهدد الدولة الرأسمالية نفسها . ثم ظهرت جمعيات أهلية لأغراض محددة ما إن تتحقق تنتهي الجمعية، ولا تزال موجودة حتى وقتنا، منها مثلا جماعة لأصحاب الأوزان الكبيرة يجبرون المصانع على تخصيص نسبة من إنتاجهم بمقاسات معينة، أو لأصحاب الإعاقة تجبر البلدية على عمل منزلق بالرصيف يهبطون عليه بعجلاتهم المتحركة. لو انتقلنا لمصر لن نجد شيئا من ذلك قبل الثورة، ولو أننا مجتمع ليبرالي حقيقي لما قامت احتجاجات 1935، أو 1946 أو ثورة 1952 ولا أي مظاهرة تلتها أو ثورة باستثناء فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي شهدت مصر في عصره سلسلة إصلاحات اقتصادية هامة منها الإصلاح الزراعي ووقف الفصل التعسفي للعمال والتأميم وبناء القطاع العام ومجانية التعليم وتوظيف الخريجية، وبالتالي كانت الطبقة الوسطى تشعر أن السلطة في صفها. عصر رجال الأعمال عاصم الدسوقي مؤرخ مصري محيط : ماذا عن علاقة نظام مبارك برجال الأعمال ؟ - هي علاقة مؤسفة وغريبة، فلأول مرة نشاهد في مصر حكومة كاملة من رجال الأعمال والذين مهمتهم الحفاظ على رؤوس أموالهم وتنميتها، فنرى وزير السياحة صاحب شركات سياحة، ووزير الصحة مساهم أساسي بمستشفى شهير، وكلهم تربوا في مناخ رأسمالي. في عصر مبارك انقسمنا لأصحاب رأس مال وفقراء، ورفعت الدولة خدماتها الإجتماعية بشكل غير مباشر، فلا يوجد تأمين صحي وتعليم حقيقي مثلا وارتفعت الأسعار بشكل رهيب، ولكن الحكومة المصرية تعلمت ألا تعلن عن ذلك منذ انتفاضة السبعينات أيام السادات التي هب فيها الناس بعد اعلان ارتفاع أسعار السلع الأساسية . ولأن المهنيين في مصر ليست لديهم نقابات قوية تدافع عن حقوقهم ، فقد تركوا لآلية العرض والطلب في السوق في ظل دخول متدنية، ولهذا كان طبيعيا أن تحدث الثورة . في الدول المتقدمة لا تتدخل الدولة لحماية العمال كما يظن البعض ولكنها تتدخل لإنقاذ نظامها الرأسمالي وقد اقترح روزفلت هذه السياسة منذ أن كان مرشحا للرئاسة في الثلاثينات في أعقاب سقوط أسواق المال وقال علينا ان نتخلى عن الرأسمالية الحرة ونتيح للدولة التدخل، وحتى يومنا تتدخل الدولة حينما يتعرض النظام الرأسمالي لخطر فنراها في أزمتها المالية الشهيرة عام 2008 تقترض من دول الخليج. العصر الملكي محيط : ذكرت أن مصر لم تعرف الليبرالية ، هل ينطبق ذلك على العصر الملكي ؟ - العصر الملكي لم يكن ليبراليا بالمرة ، وسنضرب أمثلة على ذلك، حينما ننظر لقوانين الإنتخاب سنرى أن المرشحين لعضوية مجلسي الشيوخ والنواب كان عليهم أن يدفعوا 150 جنيها كتأمين أو كضريبة، وذلك يعني في هذا التوقيت أنهم يملكون ما يساوي 300 فدان أي من كبار الإقطاعيين، فأين الطبقة الوسطى من البرلمان إذا . كان أعضاء البرلمان يحمون مصالحهم وليس الشعب، فنرى مثلا محمد عزيز أباظة يعترض سنة 33 على قانون لمحو أمية أبناء الفلاحين، باعتبار أنه يغير من طبيعتهم الخشنة ! ورفضت الحكومة مشروع قانون تقدم به أحمد حسين الخبير المصري الدولي في التعاونيات لإصلاح اوضاع الريف والتأمين الصحي على الفلاحين وإدخال الكهرباء واتهموه بأنه "باشا أحمر" أي شيوعي ! ونرى حكومة الوفد الشعبية بالأربعينات تقول بقانون يتيح حرية تكوين العمال لنقابات، ولكنها تقول نقابة لكل مصنع وترفض اتحاد عام للعمال!. وعن تداول السلطة نرى أنه منذ عام 24 حتى عام 52 كانت لا تستمر حكومة فعلا إلا سنتين بحد أقصى، فالملك يقيل الحكومة ولكنه يأتي بجديدة بلا انتخابات، ويأتي بالمقربين من القصر أو الأحزاب الكبرى منها الوفد متجاهلا الأحزاب الكبرى أيضا ومنهم الهيئة السعدية التي خرجت عن الوفد وقبلها الأحرار الدستوريين والكتلة الوفدية لمكرم عبيد والإخوان والشيوعيين وحزب مصر الفتاة، كل هؤلاء لم يقتربوا من البرلمان وبالتالي من الحكومة. جمال عبدالناصر اليسار محيط : هل تحقق أحزاب اليسار الجديدة شعبية ؟ - المصريون لا يميلون لإتجاهات يسار أو يمين في عمومهم فهم يفضلون الوسطية . وقد بدأت الحركة الشيوعية مع مطلع القرن العشرين، وكانت أفكار اليسار عموما تدور حول العدالة الإجتماعية وإزالة فروق الطبقات، ولكنهم بالطبع يفعلون ذلك عبر الوصول للسلطة والبرلمان، وكانوا لذلك مضطهدين. ورغم تحقيق ثورة يوليو لاهداف العدالة الإجتماعية إلا أن حركات اليسار ناصبتها العداء خاصة بعد حل احزابهم ، لكن مع الوقت بدأوا بتأييد جمال عبدالناصر حتى من كان بالمعتقلات منهم، ومنهم محمود أمين العالم الذي أرسل برقية تهنئة لعبدالناصر سنة 61 ، وطالبهم عبدالناصر بالدخول في الإتحاد الإشتراكي وتصفية أحزابهم . أما السادات فاستخدم طريقة ضرب الشيوعيين وتشجيع التيارات الدينية وهي المسألة التي طالته في النهاية.