دأبت الحكومات المتعاقبة على مصر خلال الخمسة عشرة سنة الماضية على طرح شعار الترشيد في استخدام الموارد والطاقة والخامات والسلع بشكله النظري الممشوق، ولكن على الأرض لم نر سعياً جاداً على المستوى التنفيذي لتحويل هذا الشعار إلى حقيقة، بل لقد زاد الهدر والإهدار وتوحش الإهمال وتوسع الإنفاق الترفي المُستفز.. فلماذا؟!. في مشكلة كالكهرباء على سبيل المثال، أطلقت دعوات الترشيد من تحت المكيفات الفارهة، لتبقى كلمات منظومة تُقال أمام الكاميرات فقط، فما هي الإجراءات التي اتخذت من قبل وزارة الكهرباء لترشيد الطاقة سوى قطعها عن المنازل في هذا التوقيت الصيفي العسير، ثم رفع ثمن فاتورة الكهرباء بلا رادع من قانون أو ضمير؟.. أين الحلول التي رأها المواطن من الحكومة لحل المشكلة لتكون أمامه قدوة يُقلدها ثم يشاطرها الحل بنفس راضية وقانعة؟!. لقد مكثت مظاهر الإسراف والهدر الكهربائي في كل شوراع مصر تقريباً تدلدل لسانها للمواطن أينما حل وارتحل، فتلك أعمدة إنارة على غزارتها لم تطفأ أنوارها حتى الظهيرة، وهذه أكشاك ومقاهي تسرق الكهرباء عياناً بياناً والمحليات تلتزم الطناش بفعل "المَهْمَزة"، وهناك عشوائيات أدخلت الكهرباء إليها بفعل الواسطة والرشوة، وهناك مظاهر إسراف غير عادي في الفنادق والَملاهي.. الخ، فماذا فعلت السلطة التنفيذية لتوقف هذا النزيف؟، الذي لا يصح الرد عليه بثمن الفاتورة الباهظ، لأن هذه موارد دولة ولا يجوز إخضاعها للبيع والشراء. من ناحية ثانية كيف يتساوى الفقراء أو ذوو الدخول المحدودة في قطع الكهرباء مع الطبقة المترفة التي تملك البديل متمثلاً في المولدات الكهربائية، والتي تستهلك عشرات أضعاف ما يستهلكه الفقراء من طاقة.. الفقير الذي يضيء مصباحاً للإضاءة ويدير مروحة متواضعة للتهوية ويشغل ثلاجة بغية كوب بارد من الماء، كيف يتساوى مع أصحاب الفلل والقصور الذين يجعلون ليلهم كنهارهم من شدة الإضاءة، والذين يجعلون حرهم كالنسيم العليل من قوة التكيف، وإذا غابت الكهرباء قطعاً أو عطلاً فعند ذواتهم البديل؟!. أريد القول بأن وزارة الكهرباء حين تقف عاجزة عن التعامل مع الأغنياء ومع مظاهر الإسراف والهدر الكهربائي في الشوارع وفي ظل الإمكانيات الراهنة، فلن تكون دعوات الترشيد سوى كلمات تلوكها الألسنة، وسوف تزداد المشكلة تعقيداً.. اللهم إلا إذا كان ترحيل المشكلات هو الحل!.