في يوم القيامة تدنو الشمس من الخلق، حتى تكون منهم قدر ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيْه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا،في ذلك الموقف العظيم يظل الله في ظله هؤلاء السبعة، فلنتأمل أعمالهم التي أوجبت لهم هذا الجزاء العظيم. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)رواه البخاري. فالأول: الإمام العادل، الذي يحكم بين الناس بالحق ولا يتبع الهوى، كما قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} ص: 26. ممتثلاً أمر ربه له – سبحانه - إذ يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}النساء: 58. والثاني: شاب نشأ في عبادة الله، وقد وفقه الله منذ نشأ للأعمال الصالحة، وحببها إليه، وكره إليه الأعمال السيئة وأعانه على تركها، إما بسبب تربية صالحة، أو رفقة طيبة، أو غير ذلك وقد أثنى الله على هذا النشء المبارك بقوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} الكهف: 13. والثالث: رجل قلبه معلق بالمساجد، فلا يكاد إذا خرج من المسجد أن يرتاح لشيء حتى يعود إليه، وهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}التوبة: 18. والرابع: رجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} المائدة: 54. وفي الحديث عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ). والخامس: رجل دعته امرأة إلى نفسها، وليست كأي امرأة، بل هي امرأة لها مكانة ومنزلة رفيعة، وقد أعطاها الله من الجمال ما يجعل الفتنة بها أَشَدَّ، والتعلق بها أعظم فيا الله كيف ينجو مَن وقع في مثل ذلك الموقف إلا بإيمان عميق وبصيرة نافذة؟! والسادس: رجل تَصَدَّقَ بصدقة مخلصا نيته لله حتى كاد أن يخفيها عن نفسه لو استطاع، وقد مدح الله المتصدقين، فقال: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ثم خص المُسِرِّين فقال: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}البقرة: 271. أما السابع: فرجل امتلأ قلبه بمحبة الله وخشيته وتعظيمه، فذكر الله بمكان خالٍ لا يراه إلا هو، فدمعت عيناه شوقًا إليه، وفي هذا وأمثاله يقول الله - تبارك وتعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}الأنفال: وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} المائدة: 83.