رغم أن البيان المشترك التي أعلنت خلاله كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، اليوم الأربعاء، بسحب سفرائها من قطر، لم يشر من قريب أو بعيد إلى مصر إلا أن المتابع لمسار الأحداث يدرك أن دول الخليج أرادت أن تظهر من تلك الخطوة وكأنها تعاقب الدوحة على موقفها من السلطات الحالية في مصر، والتي تدعمها دول الخليج الثلاث. وليس سراً أن هناك خلاف وانقسام بين دول الخليج حول الملف المصري، ولا سيما بين "السعودية" المؤيدة للسلطات الحالية في مصر، و"قطر" الداعمة للرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، والتي تكرر أنها تدعم "الشعب المصري"، هذا الخلاف كاد أن يعصف بالقمة الخليجية الأخيرة التي عقد في الكويت في ديسمبر الماضي. إلا أن وساطة أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، في عقد قمة ثلاثية بالرياض في 23 نوفمبر الماضي "جمعت العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر، إضافة إلى أمير الكويت"، ساهمت في تخفيف الاحتقان بين البلدين، من خلال الاتفاق الذي لم يعلن عنه سوى اليوم من خلال البيان المشترك للدول الثلاث، والذي فتح الطريق لعقد القمة الخليجية. ورغم أن هذا الاتفاق، لم يعلن عنه من قبل ولا أحد يعرف نصه ومحتوياته والالتزامات التي تعهدت قطر بها خلاله، إلا أن دول الخليج أرادت منه على أقل تقدير أن تحيد قطر موقفها من مصر، وألا تستخدم قناة الجزيرة في هجومها على السلطات الحالية في مصر ولا سيما أن القاهرة تتهم الجزيرة دائما أنها تروج أكاذيب عن مصر، وألا تفتح أبوابها أمام جماعة الإخوان المسلمين. بحسب البيان المشترك للدول الخليجية، فإن الاتفاق التي لم تلتزم بها قطر، كان يفرض عليها ب"الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر". وينص الاتفاق كذلك على عدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواءً عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي. وهو ما دعا مجلس الوزراء القطري، أن يصدر بيانا يرد فيه على تلك الدول ويؤكد أنه لا علاقة للخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدةوالبحرين بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، بل باختلاف في المواقف حول قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون، في إشارة ضمنية إلى موقف قطر من مصر. ولا يعرف على وجه الدقة ما إذا كان اتفاق الرياض، الذي وقع عليه أمير قطر في 23 نوفمبر الماضي ينص صراحة على أن تغير أو تحيد الدوحة موقفها مما يجرى في مصر وهنا ستكون الدوحة خالفت الاتفاق بحسب بيان الدول الثلاث، أو أنه احتوى على صياغة مطاطة، بالتزامها "التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر"، وهنا ستكون الدوحة لم تخالف أي اتفاق بحسب مجلس الوزراء القطري الذي أكد "على التزام دولة قطر الدائم والمستمر بكافة المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي وكذلك تنفيذ كافة التزاماتها وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين دول المجلس بشأن الحفاظ وحماية أمن كافة دول المجلس واستقرارها". وسواء ما كان الاتفاق نص على هذا صراحة أو ضمناً، فإن دول الخليج، لم يعد يرق لها استمرار قطر، بنفس سياستها تجاه مصر، وخصوصا تأكيد قطر مرارا أنها من حقها أن يكون لها وجهات نظر خاصة في بعض القضايا ومنها مصر، وقد صرح وزير خارجيتها خالد العطية بذلك صراحة في مقابلة مع قناة الجزيرة تم بثها في 3 فبراير الماضي. وفي رده على سؤال بشأن وجود خلاف بين قطروالإمارات على خلفية دعم الإمارات للسلطة الحالية في مصر ودعم قطر للإخوان المسلمين، قال العطية: "مجلس التعاون الخليجي لم يصادر حق الدول في الاختلاف في وجهات النظر وانه ليس المطلوب الموافقة في الرأي على طول الخط وأننا قد نختلف في وجهات النظر ولكن هناك مسلمات وخطوط متفق عليها بأنها خط احمر بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي". وتابع : "نحن دعمنا الحكومات التي تعاقبت في مصر ولم ندعم لا حزباً ولا تيارات وموقفنا واضحا". ونفى وزير الخارجية توقف الدعم القطري لمصر بعد 3 يوليو الماضي، وقال "شحنات الغاز القطرية تمت في عهد ما بعد 3 يوليو/تموز.. كل الشحنات الخمس". وفي رده على سؤال بشأن إذا كانت قطر مع ما حدث من الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، أو ضده قال وزير الخارجية: "نسأل الله أن يحفظ مصر، مصر تعتبر العمود الفقري للوطن العربي ونحن في قطر أبدا لا نرغب أن يحصل مكروه لمصر، نحن ندعم ونتعامل مع حكومات وقد تكون الناس تريد أن تخلق من قطر عدوا افتراضيا فهذا غير صحيح". وتابع :" أننا ندعم الشعوب وما زلنا ندعم الشعب المصري ولا نتمنى أي ضرر لمصر". وشهدت الفترة الماضية احتقاناً بين الإماراتوقطر، حيث أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية في 2 فبراير الماضي استدعاءها، سفير قطر في أبو ظبي فارس النعيمي، وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية على خلفية ما وصفته ب"تطاول" يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في خطبة بالدوحة، وجه خلالها انتقادات للإمارات في يناير الماضي، في خطوة كانت غير مسبوقة في العلاقات الخليجية. موقف قطر من مصر لم يرق لدول الخليج، ولا سيما بعد أن بدأت أطراف من داخل قطر أن تهاجم تلك الدول على موقفها من مصر، إما من خلال استضافة شخصيات بقناة الجزيرة تنتقد تلك الدول، أو من خلال إتاحتها منابرها وقناتها الرسمية،على حد وصف الإمارات للشيخ يوسف القرضاوي بتوجيه انتقادات للإمارات على خلفية موقفها الداعم لمصر،وهو ما اتخذته تلك الدول ذريعة وربما تكون قد اعتبرته تدخل في شئونها. بالطبع القضية لم تغلق عند هذا الحد، وربما تحاول الكويت مجددا رأب الصدع بين دول الخليج باتفاق جديد، قبل القمة العربية المرتقبة في الكويت في 25 مارس الماضي، هذا ما قد تكشف عنه الأيام القادمة. ويأتي انعقاد القمة المرتقبة في وقت يخيم فيه الفتور وأحيانا التوتر على العلاقات بين الدوحةوالقاهرة منذ أن أطاح قادة الجيش المصري، بمشاركة قوى سياسية ودينية، بالرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليوالذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع قطر. وأعلنت الخارجية المصرية، يوم 4 فبراير الماضي، استدعاء القائم بأعمال السفير القطري، إلى مقر الوزارة، لإبلاغه رفض القاهرة تدخل بلاده في الشأن المصري. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبد العاطي، إن الخارجية استدعت القائم بالأعمال القطري "دون ذكر اسمه"إلى مقر الوزارة وسط القاهرة "حيث تم نقل رسالة احتجاج أخرى للجانب القطري والتأكيد على ضرورة الالتزام وتنفيذ ما طلبته مصر بتسليم بعض المطلوبين للعدالة وطلبات النيابة العامة". وكانت مصادر قضائية مصرية قالت في ديسمبر الماضي، إن السلطات المصرية اتخذت إجراءات مخاطبة جهاز الشرطة الدولية "الإنتربول" للقبض على عاصم عبد الماجد القيادي بالجماعة الإسلامية الموجود بقطر حاليا، وذلك علي خلفية اتهامه في عدد من القضايا بالتحريض على العنف والاعتداء على السلطات العامة ومؤسسات الدولة. وكانت تلك هي المرة الثانية التي تستدعي فيها مصر السفير، أو القائم بالأعمال القطري، حيث سبق للسلطات المصرية في يناير الماضي استدعاء السفير القطريبالقاهرة سيف بن مقدم البوعينين إلى مقر الوزارة، ردا على بيان أصدرته الخارجية القطرية تضمن انتقادا للحكومة المصرية، عقب سقوط نحو 17 قتيلا في اشتباكات مع قوات الأمن خلال مسيرات لأنصار مرسي. وأعلنت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، اليوم الأربعاء، سحب سفرائها من قطر. جاء هذا في بيان مشترك صدر عن الدول الثلاث ونشرته وكالات الأنباء الرسمية للدول الثلاث. وتعد هذه خطوة غير مسبوقة في تاريخ علاقات دول الخليج منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981.