أفريقيا من السيء للأسوأ ... حطمت إفريقيا الأرقام القياسية في الانقلابات بين قارات العالم لتتفوق على منافستها الكبرى في هذا المجال، أميركا اللاتينية، حيث زاد عددها عن 80 انقلابا في 60 عاما كان آخرها الذي أطاح برئيس إفريقيا الوسطى يوم 24 مارس 2013. فقد أعلن مسلحو ائتلاف سيليكا في إفريقيا الوسطى سيطرتهم على العاصمة بانغي، ما أرغم الرئيس فرانسوا بوزيزيه على الفرار إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة. وإذا كانت الأغلبية العظمى من هذه الانقلابات قد تمت في عمق القارة السمراء، بينها 7 في دولة بنين وحدها، إلا أن أول اثنين منهما تما في بلاد عربية من إفريقيا. كان أول هذه التحولات المباغتة في الحكم في مصر عندما قام ما عرف بثورة يوليو 1952 الذي أطاح فيه تنظيم الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب بالملك فاروق الذي كان يحكم البلاد منذ عام 1936. ثم تلا ذلك الانقلاب الذي قام به إبراهيم عبود عام 1958 في السودان ضد عبد الله خليل، أول رئيس وزراء للبلاد بعد الاستقلال. لعبت الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية لأفريقيا الدور الرئيسي في لجوء القارة إلى الانقلاب كوسيلة للوصول إلى الحكم. بعد موجة الاستقلال التي عرفتها إفريقيا في الستينيات من القرن العشرين والتي كان للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر الدور الأكبر في تنميتها ومساندها، أدت النزاعات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن خلق هذه الدول الجديدة إلى تدخل العسكر في اللعبة السياسية بحجة أن الجيش هو الضامن الوحيد للوحدة والاستقرار في مراحل الأزمات. فبعد نهاية الاستعمار، لم تسمح السيادة الممنوحة لهذه الدول بوضع الأسس اللازمة لبناء دول حديثة وقوية وديموقراطية حيث لم يرافق السيادة القانونية استقلال سياسي واقتصادي بشكل كامل. وظل الاستقلال في حالات كثيرة استقلال اسمي فقط وظلت القوى الاستعمارية القديمة تؤثر على الحياة السياسية وتقود الاختيارات الاقتصادية لهذه الدول الجديدة التي كانت تابعة لها. عزز ذلك تواطؤ عدد كبير من النخبة السياسية الجديدة مما أعطى للغربيين هامشا كبيرا للمناورة وسمح لهم بالتصرف وفقا لمصالحهم فقط. أدت هذه السياسات والهوة السحيقة بين الفقراء والأغنياء إلى خلق شعور بالسخط لدى شعوب الدول الإفريقية والتي كانت تضع أمالا كبرى على ما سيجلبه الاستقلال من رخاء ومساواة وتقدم، لكنها رأت أنه لم يستفد منه سوى فئة قليلة من أصحاب النفوذ. كما كان للعولمة وتحرير التبادل التجاري بين الدول دور في هذه الاضطرابات. وأدى الصراع على التحكم في الموارد الطبيعية والمواد الخام التي تذخر بها إفريقيا إلى اتباع الشركات الدولية سياسات شرسة تصل إلى حد تسليح جماعات من المتمردين لضمان السيطرة على هذه المصادر وحمايتها. أوجد ذلك جماعات تمارس العنف بطريقة شبه شرعية وخارجة عن سلطة الدولة والقانون وتملك مقومات الانقلاب على المؤسسات الشرعية إذا ما رأت فيها ما يتعرض مع مصالحها. وتعد الطبيعة القبلية لإفريقيا من العوامل التي تغذي النزعات الانقلابية في عدد كبير من دول القارة التي لا زال الانتماء فيها إلى العشيرة أهم عامل لانتقاء الزعماء. يضاف إلى ذلك، عاملا بسيطا ناجم عن الطبيعة البشرية وهو إغراء السلطة بكل ما تجلبه من قوة ومال ومهابة ومزايا. وكرد فعل دولى وافريقي لهذا الانقلاب قام الاتحاد الإفريقي بتجميد عضوية جمهورية إفريقيا الوسطى في الاتحاد، كأول رد فعل على الانقلاب الذي أطاح بالرئيس فرانسوا بوزيزه. من جهتها، كلفت فرنسا قواتها المرابطة هناك، بمهمة حماية المرافق الحيوية ومطار العاصمة. ودان الأمين العام للأمم المتحدة بان غي مون "الاستيلاء غير الدستوري على السلطة" في جمهورية إفريقيا الوسطى، مطالبا بإعادة النظام الدستوري في البلاد. وقد أعلن زعيم ائتلاف سيليكا في جمهورية إفريقيا الوسطى ، ميشال دجوتوديا، الذي نصب نفسه رئيسا للبلاد بعدما أطاحت قواته بالرئيس فرنسوا بوزيزيه، في تصريح إذاعي الأحد أنه سيحترم اتفاقات السلام الموقعة بيناير في ليبرفيل. وقال دجوتوديا لإذاعة فرنسا الدولية "سنبقى دوما في روحية ليبرفيل"، مؤكدا أنه لن يقيل رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية نيكولا تيانغايي، الذي كان أحد أبرز معارضي بوزيزيه، وسينظم "انتخابات حرة وشفافة في غضون ثلاثة أعوام"، حسب ما ذكرت تقارير إعلامية. يشار إلى أن الرئيس بوزيزيه والمعارضة وقعا في 11 يناير في ليبرفيل اتفاقا يقضي بوقف إطلاق النار على الفور وقيام فترة انتقالية من سنة مع حكومة وحدة وطنية. وتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ضمت وزراء من فريقي بوزيزيه والمعارضة. لكن المسلحين استأنفوا عملياتهم الجمعة بذريعة عدم احترام فريق بوزيزيه الاتفاقات وأعلنوا أنهم يريدون تشكيل حكومة انتقالية في حال سيطرتهم على بانغي. وبالفعل أقسم ميشال دجوتوديا، الذي تسلم السلطة في 24 مارس اليمين يوم 18 اغسطس 2013 أمام المحكمة الدستورية ليصبح الرئيس السادس لإفريقيا الوسطى. وستقع على عاتقه مهمة بسط الأمن في بلد ينزلق نحو العنف، وتنظيم انتخابات في غضون 18 شهرا. وقد أقسم دجوتوديا اليمين على الميثاق الانتقالي، وهو وثيقة تقوم حاليا مقام الدستور منذ الإطاحة بفرنسوا بوزيزيه. وللوقوف على احدث المستجدات فى افريقيا الوسطى من اشتباكات وسقوط قتلى تقدمت فرنسا بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يهدف إلى تعزيز الأمن في إفريقيا الوسطى من خلال مجموعة إجراءات، من بينها تحويل "البعثة الدولية للدعم في إفريقيا الوسطى" إلى بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة. ووافق مجلس الأمن الدولي، على إرسال 250 عسكريا لحماية طواقم الأممالمتحدة ومنشآتها في جمهورية إفريقيا الوسطى، بحسب ما أعلن دبلوماسيون. هذا وقد كشف تقرير لمنظمة اليونسيف، المعنية بحماية الأطفال عن أرقام وصفتها بالمرعبة نتيجة النزاعات المسلحة الدائرة في إفريقيا الوسطى. وأكد التقرير أن أكثر من 6 آلاف طفل تم تجنيدهم من الأطراف المسلحة في البلاد. واستقال رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى المؤقت ميشيل جوتوديا، فى يناير 2014 بعد قمة إقليمية استغرقت يومين في تشاد، حسبما ذكر بيان صدر الجمعة. وكان جوتوديا قد واجه ضغوطا من زعماء المنطقة ليتنحى بعد أن فشل في وقف عنف طائفي تفجر منذ أشهر وأرغم مليون مواطن على الفرار من ديارهم. وجاء في بيان المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (سي.إي.إي.ايه.سي) أن محادثات ستجرى لاحقا في بانغي عاصمة إفريقيا الوسطى لاتخاذ قرار بشأن الزعامة الجديدة. ولدى سماع النبأ في بانغي بدأ المواطنون الذين كانوا يطالبون بتنحي جوتوديا في الاحتفال ودوت أصوات إطلاق أعيرة متفرقة ولكنها دون جدوى حيث استمر العنف وتصاعد. وفى اول عملية عسكرية كبيرة للاتحاد الاوروبي منذ 6 سنوات وافق وزراء خارجية الاتحاد على ارسال ما يصل إلى 1000 جندي للمساعدة في إرساء الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى ولكن دون جدوى ايضا حيث انزلقت المستعمرة الفرنسية السابقة إلى الفوضى في مارس بعد أن دخل متمردو حركة "سيليكا" العاصمة مما أدى إلى تفجر موجة من عمليات القتل والنهب والقتل الطائفي. وفى مواصلة للحياة السياسية المعقدة تم تنصيب كاثرين سامبا-بانزا، رئيسة مؤقتة لجمهورية أفريقيا الوسطى يوم 23 يناير 2014 وسط تصاعد الخوف والعنف في البلاد ويهدف انتخاب سامبا-بانزا، الأسبوع الماضي إلى استئناف العملية السياسية في البلاد التي يمزقها الصراع ، عقب تنحى القيادة السياسية السابقة. كما استهدف اختيار سامبا -بانزا تحقيق السلام ،حيث يتردد أن الرئيسة المؤقتة الجديدة، مسيحية الديانة، تحظى باحترام طرفي الصراع . من جانبها فتحت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحقيقا أوليا في جرائم حرب تردد أنها ارتكبت في الصراع الدائر بجمهورية إفريقيا الوسطى. وذكرت بنسودا أن أوضاع المدنيين تدهورت في الأشهر الماضية وأن المحكمة الجنائية الدولية تلقت عدة تقارير عن ارتكاب جرائم وحشية، من بينها مذابح وأعمال تعذيب واغتصاب ارتكبتها جماعات مختلفة في الصراع. ويسعى الاتحاد الأوروبي لدعم الجهود الفرنسية والإفريقية لوقف أعمال العنف وإراقة الدماء بين المسيحيين والمسلمين. ولم يتم تأكيد الهجوم على قوات حفظ السلام رسميا، غير أن شهود عيان قالوا إنه وقع في أحد شوارع العاصمة بانغي. وردت قوات حفظ السلام بإطلاق النار في اتجاهات مختلفة. وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن الميليشيا المسيحية صعدت من استهدافها للمدنيين وسط مستويات عنف "غير مسبوقة". وأضافت "في كثير من البلدات تفرض قوات الميليشيا عزلة على المسلمين وتهددهم، بينما فر عشرات الآلاف من المسلمين بالفعل إلى تشاد والكاميرون". وأشارت المنظمة إلى أن الآلاف بين الأغلبية المسيحية من السكان يعيشون في خوف أيضا. وأوضحت أن مئات الآلاف يلجأون لدور العبادة في البلدات أو لمطار بانغي، حيث يتواصل القتال بلا هوادة. يذكر أن الآلاف قتلوا في الصراع الطائفي بالبلاد، كما نزح نحو مليون شخص في الأشهر الثلاثة عشر الأخيرة. ونتيجة للعنف المتواصل يستمر تدفق اللاجئيين إلى مخيم مطار بانغي بإفريقيا الوسطى، وتخشى المنظمات الإنسانية من انتشار الأوبئة خاصة في ظل غياب البنيات التحتية والتزايد المتواصل في عدد اللاجئيين الذي وصل عتبة ال100 ألف لاجئ. وقال مسئول كبير في منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية إن العنف الطائفي في جمهورية أفريقيا الوسطى قد يضطر جميع المسلمين في البلاد إلى مغادرتها. ومن سيء لأسوأ تعيش أفريقيا الوسطى وسط تفاقم أمال المستقبل بالوصول لحل سياسي يرضى الشعب والسلطة ...