«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روائي سعودي يتبرأ من المجتمع
نشر في محيط يوم 21 - 07 - 2008

العتيبي: ساحة الأحداث العربية مسرحية من تأليف إسرائيل وإخراج أميركا وتمثيل إيران
خالد الزومان:
ربما يقود الثقافيون السعوديون الحقبة المقبلة إيديولوجيًا وفكريًا على غرار فترة جان بول سارتر وجان جاك روسو (عراب الثورة الفرنسية) و جورج ساند وفولتير، في ظل انبعاث الروح للرواية السعودية من جديد وبروز فئة شبابية نثرت أدبياتها مطرًا غزيرًا جاوز 35 رواية خلال عام واحد، حملت ثقافة المجتمع الأديب في هذا الوقت. ويرى المراقبون أن غالبية الطروحات الأدبية انصبت في واحد من التابوهات المحرمة وهو الجنس المحرم الحديث عنه اجتماعيًا في الوسط السعودي، باستثناء القليل الذي اقترب من ملامسة الواقع الديني والسياسي بشكل طفيف ليكمل المثلث الممنوع. في رواية (12-12) للروائي السعودي طارق بندر العتيبي طرح فكرة علاقة الفرس باليهود تاريخيًا، ويؤكد العتيبي ل"إيلاف" أن الصدفة قادته إلى حقيقة أن للتاريخ فمًا لا يخرس، و أن ما يحدث على ساحة الأحداث العربية الآن هو مسرحية تكتبها إسرائيل وتخرجها أميركا وتقوم إيران بدور البطولة فيها، متوقعًا أن يصدم أبناء جيله (تاريخيًا – سياسيًا – مذهبيًا) بعد قراءتهم لهذه الرواية.
قراءة نقدية للرواية
في طهران وتحديدًا بأحد الفنادق المطلة على طريق الثورة، تبدأ أحداث الرواية الثالثة للروائي السعودي طارق العتيبي والتي تفتتح الرواية بمقدمة جاءت كتمهيد يصافح به القارئ هذا الشاب المدعو حسين بجسده النحيل، ولحيته الكثة، ونظراته الحادة، وإخلاصه الشديد لمذهبه الشيعي.
مواقف متعددة. وإنفعالات مختلفة. تؤكد اللغز الكامن وراء هذه الشخصية. وهنا يلاحظ على الكاتب التعمد بمباشرة الإثارة منذ الصفحات الأولى لرواية تتجاوز المئتي صفحة وحسين يتلقى إتصالاً هاتفيًا غامضًا أخرجه من طقوس ليلة عاشوراء ليأمره بالإنطلاق مباركاً من قبل الله ورسوله وآل بيته.
الأمر لا يحتاج إلى إجتهاد. فكفة ميزان البطولة تميل لحسين. حتى ظهر (طلال) على سطح الأحداث.
طلال ذلك الشاب السعودي العامل في المجال الإعلامي كصحافي في أعرق الصحف المحلية لتظهر معه حكاية أخرى بعيدة تمام البعد عن تلك الدائرة في طهران. وقريبة في الوقت ذاته منها. وهنا يشتعل شغف القراءة والمواصلة في سبر أغوار رواية تأخذك معها إلى جبهات متعددة (تاريخية - دينية - سياسية).
يرفض العتيبي وصف الرواية بالجريئة معللاً ذلك بالفرق الشاسع مابين الجرأة والحقيقة. وهي كذلك - حتى وإن رفض الإعتراف - جريئة. هذا ماتكشفه الحقائق أو المحاولات الحثيثة التي نرى العتيبي يقوم بها محاولاً كشف الغطاء عن المذهب الشيعي بطريقة تثير أكثر من علامة استفهام. وهنا لن يحتاج العتيبي إلى نفي شبهة التطرف والتعصب لأهل مذهبه (السنة). فإن كان أمر خلاف الشيعة معه - بعد هذه الرواية - وارد جداً وطبيعي وهو يتغلغل في أعماقهم وجذورهم التاريخية بطريقة ستثير حنقهم عليه بلا شك. فإن خلاف أهل السنة معه سيكون منطقياً كذلك وهو يتحدث عن الشيطان بطريقة تصوره عبداً صالحاً لم ينصفه الخالق.
وإن كانت تلك جرأة (دينية). فهنالك جرأة (إجتماعية) يخوض الكاتب غمارها وهو يصف المجتمع السعودي بالمجتمع القائم على الرذيلة. كان ذلك على لسان (أحمد) المحامي المصري العالق في دمشق منتظراً محاكمة تنصفه بها الأقدار لتأتيه على طبق من ذهب عندما ارتكب (خالد) ذلك الشاب السعودي جريمته بقتل أحد الضباط
السوريين في دمشق بعدما تم التدبير لخطفه والتخطيط لابتزاز ذويه بتلفيق تهمة له تم الإتفاق عليها بين كل من الحكومة السورية وحزب الله ليهرب بعد ذلك إلى المجهول لولا حماية الخارجية السعودية له.
لتتجه بوصلة الجرأة بعدها إلى الوسط الثقافي فيسلط الكاتب سياط النقد بوصف على لسان الروائي (يزيد) الذي شبه أحد إعلاميوا هذا الوسط بمن حضر إلى ماخور فلا ينظر ولا يبحث إلا عن الكاتبات فقط.
وتتواصل الأحداث عبر قالب سردي يستند إستنادًا جيدًا إلى التاريخ لنرى أحداثاً تدور بفترة ماقبل الميلاد وتعبر بصدر الإسلام لتصل حتى عامنا هذا فيكون الختام كسؤال يطرحه الكاتب.
سؤال ما أن أنهيت قراءتي لهذه الرواية حتى عدت لأقرأها من جديد لأبحث عن إجابة.
مختارات من الرواية
الفصل الثاني عشر
" لدي حلم "
مارتن لوثر كنج
يدخل السفير إلى مكتبه بعدما تجاوز كل هذا الحشد الإعلامي المتجمهر أمام بوابة السفارة. يستأذن الملحق الإعلامي بالدخول عليه.
"تفضل".
يخرج الملحق الإعلامي من مكتب السفير بعد دقائق متوجهاً إلى مكتبه. يستدعي أحد الموظفين ليطلب منه ترتيب إجراءات دخول الإعلاميين إلى القاعة لسماع البيان السعودي.
"نتوجه وإياكم مباشرة إلى دمشق. حيث تعقد السفارة السعودية مؤتمراً صحافياً".
يعم السكون القاعة المكتظة برجال الإعلام من شتى الوكالات والفضائيات والصحف الدولية. يدخل السفير السعودي على عجل ليتلو البيان.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن حرص المملكة العربية السعودية على توطيد علاقاتها والمحافظة على ديمومة الأخوة والصداقة مع إخوانها العرب لهي غاية الغايات وأولى الأولويات وأكثرها قداسة لدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، ووالده وإخوته من قبله رحمهم الله. إن المملكة العربية السعودية لم تتوانى في يوم من الأيام عن خدمة إخوانها في شتى البقاع العربية منها والإسلامية. كما لم تجهل في الوقت ذاته دورها المهم والبارز في قضايا هاتين الأمتين على الرغم من سعي البعض عبثاً للتقليل من هذا الدور التي تجاوزته المملكة بفضل من الله ثم بحكمة قادتها وسعة رؤيتهم إلى العالمية.
أيها الأخوة والأخوات..
لقد أثير هذا اليوم خبر استقبالنا لأحد المواطنين. وحوصرنا من قبل السلطات السورية كما ترون. ولا زلنا محاصرون حتى هذه اللحظة التي نلقي بها بياننا هذا. توجهنا إلى السيد وزير الخارجية السوري بناءاً على طلبه. وقد كان بيننا لقاء مختصر حول هذا الموضوع. والسعودية إذ تؤكد من هذا المقام وللملأ أجمعين أنها لم ولن تسمح لكائن من كان أن يمس شعرة لمواطن بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف. فما بالنا وهو يلجأ إلينا من بعد الله طالباً الأمن والحماية الشرعية له. فتلك هي آماله ومطالبه التي وجدنا هنا من أجلها. ولن نخذله بعون الله.
أيها السيدات والسادة..
كما تعلمون. فإن الأخوة في سورية الشقيقة - ونقولها بكل أسف - قاموا بتصعيد الموقف عبر وسائل الإعلام سواء كانت المقروءة منها أم المرئية أم المسموعة ليجعلوا منها قضية سياسية. نحن نحترم قتيلهم ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته. ولكن للمتهم حق الدفاع عن نفسه ونحن من هذا المنطلق ولإثبات حسن نوايانا وحرصنا كما أسلفنا على تثبيت أواصر المحبة بيننا ونبذ كل ما من شأنه أن يعكر صفو علاقتنا مع أشقائنا السوريين نقول لهم أننا مستعدون لتسليم المواطن لمحاكمته سعياً منا لإحقاق الحق وإقامة العدل. ولكن ليس لهم بل لإخوة لنا ولهم في العروبة والإسلام لتجري محاكمته علناً وأمام الجميع. ولهذا فنحن نرى بالأردن خير مثال، والله من وراء القصد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
الفصل الثالث عشر
"إن الشيطان لابد أن يلبس جسد المرء لكي ينجح في أي فن"
فولتير
الثلاثاء 23 سبتمبر 2007
دمشق
11:20 صباحاً
"اختلفت المقاييس. وسادت الرعاع".
يغلق حسين التلفاز غاضباً. ولماذا لا يغضب؟! وهذا المحامي يقاتل دفاعاً من أجل قاتل. ذلك القاتل الذي حضر إلى تلك القاعة متباهياً بذنوبه. ولماذا لا يتباهى؟! والجميع لديه سواسية. فهم ليسوا إلا عبيداً له. وهو الإله النافخ أرواحهم بالمال. إنها نظرة وإن تعددت أشكال وهجها القبيح.فإن جوهرها ثابت. فالجميع في نهاية المطاف لا قيمة لهم أمام هؤلاء النواصب. فهم الأغنياء بالمال الحرام. الأسياد بالدين المغتصب. الجالسون على عرش قام على جماجم آل البيت.
"سيكسبون القضية".
نتيجة يتوقعها السفير. ولكنها لم تفاجيء حسين على أية حال.
"كسبوها منذ زمن. من قبل أن تبدأ. بل حتى من قبل أن يولد ذلك المقتول".
إنه اليأس ينطق على لسان حسين بهذه القناعة. لاحظ علي ذلك وهو يتناول قهوته متأملاً حسين ليعود فيضع فنجانه على الطاولة متناولاً سيجارة.
"بمناسبة ذكرك للميلاد يا حسين. ماذا عن طفولتك؟!".
تحطم ذلك الدرع فجأة. ذلك الدرع الذي أعطى حسين الحماية من كل ما هو مربك. سقطت ورقة التوت تلك التي كانت تغطي هذا الضعف الطفولي المفجع الذي بدا عليه وهو يتلقى سؤالاً كهذا.
"ولماذا تسأل عن طفولتي؟!".
كادت هذه الرعشة أن تكبل حباله الصوتية لولا حضور النفس المنقذ. لم ولن يتخلى علي عن خبثه إذ نبتت على تقاسيم وجهه الكريه تلك الابتسامة البغيضة.
"لا تحزن يا حسين. فأنا أعلم عنك كل شيء. ولم أسألك سؤالاً كهذا إلا لغاية في نفس يعقوب".
ينهض حسين فزعاً متجهاً صوب الشباك ليقف للحظات يطلق بعدها تنهيدة تعبة تواسي تلك الوجوه التي راح يتأملها على الرصيف وقد أرهقتها رحلة التعب الدنيوية.
"وما هي الغاية؟!".
ينهض علي وقد أطفأ سيجارته على عجل متجهاً إليه ليقف إلى جانبه متأملاً هو الآخر ذات الرصيف ليرى تلك الشقراء المثيرة التي راحت تخطو متحدثة بهاتفها خطوات مثيرة أثقلتها تلك الأرداف الممتلئة.
"الغاية يا حسين هي أن تعلم أن الإنسان حتى وإن جاء إلى هذه الدنيا بطريقة غير شرعية. فإن هذا لا يمنع من أن يكون في خلقه سبباً لتحقيق غايات شرعية".
يلتفت إليه حسين مستاء من حديثه.
"أفصح".
يعود علي ليتأمل أرداف تلك الشقراء.
"هنالك أشياء قد تغيب عن أعيننا عندما ننظر إليها النظرة الأولى. ولكن حقيقتها قد تتجلى لنا إن أمعنا النظر بها".
لم ترق لحسين تلك الطريقة التي راح يتحدث علي بها.
"حسناً. وما هي الحقيقة التي لم أمعن النظر بها؟!".
يعود علي لينظر إليه مبتسماً بطريقة مقيتة.
"أنت".
"أنا؟!".
بدا حسين مندهشاً!
"نعم أنت يا حسين. دعني أطرح عليك سؤالاً. ما موقفك من والدك؟!".
صمت حسين للحظة. كان متردداً بالإجابة. ولكنه قطع بها.
"إنه شيطان لعين".
يقبض علي كل كتفه.
"وهنا تكمن المصيبة يا حسين. تلك هي النظرة الأولى التي ألقيتها على والدك. ولو عدت وأمعنت النظر إليه لتأكدت أنها نظرة خاطئة".
"خاطئة! إنه رجل زان! وتقول خاطئة؟!".
يتجه علي نحو الكنبة ليتأمله حسين متعجبا!
"الشيطان، الشيطان، الشيطان، الشيطان.... ما رأيك به يا حسين؟!".
راح علي يردد اسم الشيطان بطريقة غريبة ملوحاً بيده في كل اتجاه مطلقاً رصاصته تلك على حسين.
"أجننت أنت؟! أيسأل مثلي عن رأيه بالشيطان؟!".
"فقط أجبني".
ينظر إليه حسين باحتقار.
"إنه الشر بعينه".
يلتقط علي سيجارة ليشعلها.
"دائماً ما تزعجني هذه الحقيقة يا حسين. سنيناً طوال وأنا أطاردها دون جدوى. حتى تمكنت من الإمساك بها في النهاية".
يصمت علي ليترك لنشوى الانتصار مساحة للتعبير على وجهه ويستطرد.
"الشيطان. إنه الشر الذي لا بد منه. هو الأسود في الألوان. وهو المرارة في الشراب. والحموضة في الطعام. إنه الليل حيث النهار. والنار حيث الماء. إنه الدم. الذنب. الخطيئة".
يتأمله علي بحماس مفرط.
"سؤال لك يا حسين. ماذا لو فكر هذا الشيطان بالتوبة. هل تقبل توبته؟! هل فكرت في يوم من الأيام ماذا إن قبلت توبته؟! ما الذي سيحدث لهذا الكون؟! وما هي الفائدة في الأساس من هذا الكون إن تاب الشيطان؟! كيف سنقرأ القرآن؟! ممن سنتعوذ؟!".
يتأمل حسين هذا الرجل تأمل المفجوع. أدرك علي ذلك بنظرة خبيثة.
"لا لا يا حسين. لا تنظر لي هذه النظرة. فأنا بعيد تماماً عما تفكر به. ولكنها مجرد أسئلة تطاردني. أتعلم يا حسين أن إبليس كان في يوم ما عبداً صالحاً يدعى الحارث؟!".
"نعم أعلم".
يجيبه حسين بتلقائية كأنه من خلالها يطلبه مواصلة حديثه.
"هذا العبد الصالح يا حسين رفع للسماء تكريماً له من قبل الله الذي خلق خلقاً جديداً من الطين. وما الطين عند النار؟! لا شيء".
يطفئ علي سيجارته ويكاد يتراقص فرحاً.
"سأسألك سؤالاً. لماذا رفض إبليس السجود؟!".
يفيق حسين من دهشته.
"لماذا؟!".
ينهض علي متجولاً في الغرفة مواصلاً حديثه.
"الجميع يعلم أنه رفض السجود لأنه يرى أنه الأحق بهذا التكريم. ولكن السؤال يا حسين. ألم يكن هو فعلاً الأحق بهذا السجود من آدم؟!".
يصمت حسين.
"تلك هي الإجابة المحرمة. نعم هو الأحق. على الأقل هو الأحق من آدم إن تحدثنا عن الأفضلية. فالنار ليست كالطين. والعبد الصالح ليس كغيره من الذين لم يتم اختبار صلاحهم من عدمه. إنها حقيقة محرمة إن تحدثنا عن عبد أخلص العبادة ولم يجد عدلاً ينصفه. بل وجد مخلوقاً طينياً يؤمر بالسجود له!".
"ولكنه عصى أمر خالقه!".
يدخل حسين أجواء المحادثة.
"وهل يكافأ العاصي بالخلود بالدنيا؟! وبامتلاك قدرات خارقة؟! لماذا لم يعاقب في حينه إن كان عاصياً؟! دعك من كل هذا وذاك. يقول الله في القرآن:( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) جاءت أداة الاستثناء (إلا) لتستثني إبليس مِن ماذا؟!".
"تستثنيه بالطبع من الذين سجدوا".
تلقائياً أجاب حسين.
"ولماذا لم تقل أنها تستثنيه من الملائكة؟! لن أطالبك بإجابة. ولكني سأقول لك إن لم يكن منهم فلماذا لم يستثنى فعلاً وجنساً عندما ذكرت الأجناس والأفعال في الآية؟!".
يقف علي وقد انطلقت شرارة الدهاء في عينيه وراء حسين المتسمر على كرسيه.
"عبد صالح. ومنافس أقل منه إذ خلق من طين. وأمر لم يجد به عدلاً. وعصيان للأمر. ومكافأة على العصيان".
يقترب إلى أذنه ليهمس.
"من هو الشيطان؟!".
الفصل الخامس عشر
"وما يضير الشاة سلخها بعد مماتها"
أسماء بنت أبي بكر
"اسمعيني يا امرأة. هذا هو الواقع ويجب أن تتعاملي معه. وأنصحك يا ابتسام أن تحملي هذا الجرح في جوفك وأن لا تنزفيه أمام أعين الناس. وإلا دفنتي حية في مكانك".
عادت الرعشة إلى صوتها موشكة على الانهيار.
"أيعني هذا أنك تتخلى عني في محنتي".
لم يكن طلال في مزاج يسمح له بالإجابة. لعل هذا اليوم يحتل قائمة أيامه السوداء. فقضية خالد من جهة. وجغرافيا وسيكولوجية هذا البلد من جهة أخرى. والآن ابتسام الحبيبة القديمة تظهر على سطح أحداثه بقضية ذلك الشيعي الذي انتهك عذريتها. وهرب.
"وكيف أساعدك. أبحث عنه. حسناً لنفرض أني وجدته. أقوده إلى مخفر الشرطة وأقول أنه افقد فتاة عذريتها وهرب بوعوده الكاذبة. فعاقبوه؟!".
يتسلل الملل إلى بدنه.
"ابتسام. أنتي لم تغتصبي. حتى وإن اغتصبت. فأنتي في مجتمع لا يميز بين الاغتصاب. والزنى".
حقيقة مرة. وتوقيت مناسب للإدلاء بها. هذا ما كان يجب قوله. فطلال يعلم جيداً أن ابتسام قد غرر بها بوسيلة أو بأخرى. إذ ما من فتاة في هذه البلاد تمارس الجنس أو حتى تتحدث به دون أن يغرر بها. بل طلال مقتنع أيضاً أن المومس كذلك لا تمارس مهنتها هنا دون أن يغرر بها. فمجرد الاتفاق معها على مقابل. ومن ثم الممارسة فالرفض والتهديد بالإبلاغ عنها هو تغرير بها.
وهو يقود سيارته باتجاه الجريدة. أثار هذا الموقف ذاكرته ليعود طلال إلى لقاء كان قد جمعه بشاب ليبي في الأردن ذات يوم. كان هذا الليبي مصدوماً من تلك الطريقة التي ينتهجها الشبان الخليجيون – خاصة السعوديون – في معاملة المرأة. وعلى وجه الخصوص – بنات الهوى – فقد كانت طريقة همجية تثير الاشمئزاز. اشتعل وجه هذا الليبي ذهولاً وطلال يؤكد له أن النظرة الدونية التي تم ترسيخها بأذهانهم منذ الصغر عن الجنس كسلوك. سواء من قبل أولياء الأمور أو رجال الدين المتشددين في المسجد. كان من الطبيعي أن تلقي بظلالها على المرأة بصفتها الطرف الآخر الملبي لهذا السلوك. تلك النظرة لا تتعلق ببائعات الهوى وحسب. فحتى بعد أن يكبروا ويتزوجوا تأخذ تلك النظرة شكلاً آخراً بذات المضمون. فتبقى حاجة الزوجة للجنس فقط.
النظرة العامة للمرأة بالنسبة لطلال أنها امرأة محتقرة في مجتمع ذكوري. حتى وإن ظهر خلاف ذلك في عدة مجالات. فإن ذلك راجع للنفاق الاجتماعي البارز خاصة في المجتمع السعودي القائم على الخصوصية.
في صغره كاد أن يصدق طلال نظرية الخطيئة الأصلية – التفاحة - لولا نعمة العلم.
مقطع من الفصل السادس عشر
لم يعلم أحمد أن طلال كذلك ينتمي إلى ذات المدرسة التي تبنى يزيد أفكارها. فطلال كأحمد تماماً يؤمن بأن لمعاناة يزيد شقين. هو من جهة والمجتمع من جهة أخرى. فصفة الصدق أوقعت يزيد في كثير من الصدامات في بداياته. وصفة النفاق في المجتمع أوقعت ذلك المجتمع بصدام أزلي مع يزيد.
"إنه مجتمع قائم على الرذيلة".
متابعة أحمد للحراك الثقافي السعودي عن بعد كشفت له ذلك الخلل الذي أدى إلى جر هذه الثقافة إلى الوراء. إن المشكلة ليست في نوعية الثقافة ونتاجها بقدر ما هي مشكلة عجز أولئك المنتمون إلى هذا الوسط المؤثر في عملية بناء مجتمع حضاري عن فهم ماهية الثقافة. ما أثار حفيظة أحمد – تحديداً في العام 2006 – هو الجرأة التي رآها بمقارنة أحدهم للنتاج الروائي السعودي ذاك العام بنظيره الفرنسي
"يالها من وقاحة!".
وهنا تكمن المشكلة. فالمثقف الفرنسي إذا ما تتبعت نتاجه من القرن الثامن عشر حتى اليوم لوجدت تأثيره المباشر في المجتمع. كانت تجربة الثورة الفرنسية دليلاً قاطعاً يؤكد دور المثقف ومساهمته في عملية التطور الاجتماعي. ذلك ما أكده جان جاك روسو (عراب الثورة). وأيده فولتير. وصرخت به جورج ساند. إن تلك المقارنة ترفض لعدة أسباب بنظر يزيد. فأبرز المثقفون السعوديون بعيدون تمام البعد عن نظرائهم في فرنسا. فحداثة التجربة السعودية – على كافة الأصعدة – تضعهم تلقائيا بمقارنة مع أولئك العظماء في فرنسا الذين مثلوا في ذلك الوقت حداثة التجربة الثقافية الفرنسية. فجان جاك روسو لم يأتي الإيمان به خوفاً من سطوته الوزارية. وفولتير لم ينل تلك الحظوة لأنه رئيساً لقسم ثقافي في صحيفة ما. حتى جورج ساند لم تحترم لأنها كانت تعبر عن رأيها بكل وقاحة. إن المشكلة في الوسط الثقافي السعودي تكمن بنقل أغلب مثقفيه لنتانتهم الاجتماعية وتمريرها عبر قالب يدعى بالثقافة.
الفصل السابع عشر
"إن البروتوكولات تظهر بشكل واضح بان تاريخ اليهود مستند إلى حد كبير على الأكاذيب والتزوير وأن هناك مخاوف حقيقية من نشاطات اليهود و أهدافهم"
أدولف هتلر
"لازلت مخلصاً للسيجارة".
يقبل أحمد على يزيد مبتسماً وقد فرد ذراعيه محتضناً إياه.
"ولازلت تهتم بأناقتك".
يحتضنه يزيد بحرارة.
لم تكد تمضي نصف ساعة على تواجد الثلاثة طلال وأحمد ويزيد في المقهى حتى انتشر خبر وجودهم. هذا ما أكدته رسالة وصلت إلى هاتف طلال النقال ليمرره إلى أحمد ويقرأ مضمون الرسالة.
"يا إلهي. ألا يخفا شيء هنا؟!".
في هذه الأثناء أدرك يزيد أن الوقت قد حان للذهاب إلى شقته.
1:00 صباحاً
شقة يزيد
".. كنت بحاجة إلى هذا الملف".
بعدما أنهى أحمد روايته لتفاصيل القضية ما هي إلا لحظات قليلة حتى فاحت رائحة التساؤل. يزيد كان مصدر هذه الرائحة بنظراته العميقة التي راح يرقب بها وجه صديقه أحمد.
"ما الأمر يزيد؟!".
سأله أحمد.
"يقلقني النفوذ الإيراني في المنطقة".
أجابه يزيد وقد نهض متوجهاً إلى مكتبته في ركن الصالون ليقف أمام أحد الرفوف.
"بالنظر إلى مذهب حزب الله. ورأس الحكم في سورية. لا أرى أي مبرر لهذا القلق. فالنفوذ طبيعي. ومنطقي".
يتناول يزيد أحد الكتب من على الرف ليخرج من بطنه ورقة تجلت أهميتها من طريقة نقله لها وقد حملها بين كفيه كماء ذهب يخشى عليه من فجيعة الانهمار. يجلس على الكنبة المقابلة لطلال وأحمد فيضع هذه الورقة على الطاولة الزجاجية الواقعة بينهم.
"ما هذه؟!".
تساؤل من قبل طلال أيده أحمد باقترابه للتمعن.
"إنها وثيقة الخلاص".
قالها أحمد بثقة العالم بالشيء.
"الخلاص؟!".
لم تكن حالة الحماس العارمة التي أصابت طلال هي ذاتها التي يمر بها أحمد. فقد تذكر الآن هذه الوثيقة إذ قرأ عنها في مكتبة الإسكندرية وتحديداً في كتاب جاء بعنوان (اليهود الفرس والفرس اليهود.تاريخ العلاقة السرية).
"نعم الخلاص. هذه الوثيقة لمعاهدة عقدت في عام 604 قبل الميلاد بين ملك الفرس قورش وكبير حاخامات أورشليم فلافيوس بعد سبي اليهود من قبل نبوخذنصر ملك بابل (السبي البابلي)".
أصيب طلال بارتباك محاولاً استعادة توازنه التاريخي ليقترب أكثر إلى هذه الوثيقة فيتأمل بنودها.
"أثير جدل تاريخي أزلي بخصوص هذه الوثيقة".
كف أحمد عن تأملها فاسحاً المجال لطلال كي يحظى بفرصة شم عبق التاريخ عن كثب.
"لاشك أن مصدرها عميل مخلص في خيانته".
سخرية من قبل أحمد لم ترق ليزيد المتحمس.
"دع عنك مصدرها وألق نظرة هنا. على هذا البند تحديداً".
بدت الجدية على يزيد لتنتقل عدواها إلى حواس أحمد الذي اقترب على الفور متأملاً البند الذي وقعت عليه سبابة يزيد. كان هنالك خلل ما يبدو واضحاً بالنسبة لأحمد. فإصبع يزيد يشير إلى رقم لم يكن يعلم به من قبل. فكل البحوث والمراجع تؤكد أن هذه المعاهدة احتوت على أحد عشر بنداً. هنا كانت المفاجأة ويزيد يشير إلى البند رقم (12).
" 12؟!".
بديهياً تساءل أحمد. ولكن المفاجأة لم تقتصر على هذا فقط. بل امتدت إلى أكثر من ذلك حيث جاء البند الثاني عشر من دون نص. فقد جاء الرقم التسلسلي لما يلي البند الحادي عشر محتوياً على رقم مقابل له. وهو أيضاً الرقم اثنا عشر (12 – 12).
"الإثني عشرية. والأسباط!".
ظهرت السعادة على وجه يزيد. فقد تأكد بعد سماعه هذه النتيجة من صديقه أحمد.
"لازلت المحلل الذي أعهده".
إنه توأمه.
"وهذا ما يشغلني من النفوذ الإيراني في المنطقة".
قالها يزيد بخليط من الشعور بالنصر والقلق.
"إنه الرقم المقدس!".
يسند أحمد ظهره على الكنبة فاغراً فاه بهذه النتيجة. يلتفت طلال إليه مشدوهاً هو الآخر.
"الرقم المقدس لمن؟!".
مع تساؤل طلال هذا حمل يزيد الوثيقة ليعيدها إلى بطن ذلك الكتاب.
"ما يعنيه أحمد هو ما أعنيه أنا. فالبند الثاني عشر يربط بين أمرين مقدسين لدى كل من اليهود والشيعة ولا يمكن أن يأتي مصادفة".
"يعني الأسباط والأئمة. اثني عشر سبطاً واثني عشر إماماً ؟!".
توضيح مباشر من أحمد.
"بالضبط".
يتقدم طلال إلى مقدمة الكنبة وقد خيم عليه الذهول.
"كنت أعتقد وأنا أقرأ وأشاهد وأحلل أني توصلت إلى نتيجة (الخطر الإيراني على العرب). ولكني الآن أيقنت أني بحاجة إلى قراءة المزيد. وتحليل أعمق لإدراك تلك العلاقة مابين الفرس واليهود".
يرفع طلال رأسه متأملاً يزيد وبريق في عينيه.
"لقد صدقت ظنوني. واقتربنا من الكارثة".
يلتفت إليه أحمد وحماس يبدو جلياً على وجه يزيد. لم يكن شعور بالحماسة فقط. بل كانت تبدو عليه أيضاً معالم السعادة. لقد أثار حديث طلال فضوله. منطقياً وبحكم إطلاعه فيزيد تقريباً على علم مسبق بما يدور في جوف طلال. لم تكن سعادته بسبب توصل طلال لهذه الحقيقة التي أدركها هو مسبقاً. بل لأنه يستمع اليوم إلى طلال آخر.
"وما هي الكارثة؟!".
نظر يزيد إلى أحمد وكأنه يبلغه بقرب انضمام طلال إلى حقيقتهما التي توصلا إليها.
"نكبة أخرى للعرب ".
هز أحمد رأسه موافقاً على هذه النتيجة من جهة. ولكنه أيضاً أبدى خيبة أمل من جهة أخرى. كان ذلك واضحاً بنظرته هو الآخر التي ردها إلى يزيد باعثاً إليه رسالة تفيد بأن طلال لم يخيب ظنه. ولكنه رأى الرسمة في اللوحة ولم يرى ألوانها. لقد توصل إلى نصف الحقيقة.
"هذا صحيح. ولكن الموضوع لا يتعلق بالعرب فقط".
تناول أحمد علبة السجائر من على الطاولة ليشعل سيجارة ويواصل حديثه لطلال بمتابعة من يزيد.
"أعجبني تعليقك قبل قليل عندما ذكرت بأنه من غير الطبيعي على الشخص غير المتتبع للعلاقة التاريخية مابين الفرس واليهود أن يتوقع خطراً من قبل الفرس على المسلمين – فهم مسلمون مثلنا – وأصبت عندما حددت الخطر على العرب".
"نظراً للصراع الأزلي مابين العرب والفرس؟!".
كانت تلك إجابة من قبل طلال بصيغة السؤال. يهز أحمد رأسه مؤكداً ذلك. فالصراع العربي الفارسي كان وسيبقى قائماً مع اختلاف الطرق. وتغير الأسلحة. وتغيير الخطط. ففي ذي قار لم تكن المعركة معركة لبني شيبان فحسب. ولم تكن بكر معنية بها وحدها. حتى وإن كان الظاهر أن هذه المعركة جاءت تلبية لنداء هند بنت النعمان وهي تبكي والدها المقتول في بلاط كسرى. لقد كانت معركة العرب الأولى ضد الفرس. ومن ثم النواة الحقيقية لنصر الإسلام في معركة القادسية. إن هذا الصراع لم ينطلق في ذي قار ليتوقف. بل استمر إلى ماهو أبعد من ذلك. لقد كان – ولا زال – صراعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. حتى دينياً. إذ وجدوا بالدين باباً يمكنهم من التوغل في العمق العربي لضربه ضربة تسقطه فلا تقوم له قائمة من بعد. صحيح أن نبوخذنصر كان أداة ضرب ألقاها الرب على بني اسرائيل. إلا أن ذلك مهد وأسس لعلاقة كانت ولازالت غامضة مابين الفرس (قورش) واليهود (فلافيوس) ومعاهدة تثبت قطعاً بأن
الفرس وإن لم يظهروا عداوة في هذه المعاهدة للعرب. إلا أنهم أصدقاء التزموا بالإخلاص لبني إسرائيل.
".. وبالنظر إلى العلاقة الفارسية اليهودية (السرية الحميمية) أرى أنه من الحمق أن لا نربط مابين الخطر على العرب (الفرس) والمسلمين (اليهود). رغم أني مؤمن تماماً بأن الخطر الفارسي – خاصة الحديث - لا يقتصر على العروبة فقط. بل والإسلام كذلك ".
بعد سماعه لهذا التحليل من قبل أحمد. تردد طلال قليلاً في طرح تعليقه. ولكن يزيد لاحظ عليه ذلك ليطلب منه الإدلاء بدلوه.
"ألديك تعليق طلال؟!".
كانت ملامح وجهه تؤكد استحضاره لكل ماقرأه في الفترة السابقة من كتب تتحدث عن الفرس.
"أتذكر الآن حديث كان قد دار بيني وبين أحد الزملاء. يعمل رئيساً للقسم السياسي لدينا في الجريدة. في ذلك اللقاء كنت أعتقد أني أدرك كل شيء. أعني بكل شيء هنا (الاشتباه بمخططات إيران ونواياها في المنطقة). ولكني غفلت عن علاقتها باليهود. والتي تعني قطعاً علاقتها بإسرائيل. لا أعلم لماذا؟!".
كان واضحاً على طلال عدم اقتناعه بحديث أحمد ويزيد حول هذه النقطة تحديداً. أي العلاقة الفارسية اليهودية. أحمد لاحظ ذلك. وكذلك يزيد.
"ألديك شك بهذه العلاقة؟!".
كان سؤالاً مباشراً من يزيد.
"لا أعلم. ولكن هذه الوثيقة ليست إلا ورقة – مع احترامي لك يا يزيد – فنحن في عصر تمكنوا به من استنساخ النعجة دوللي. فلا تأتني بحبر على ورق لكي تثبت من خلاله جرم كهذا. إنها مصيبة يجب أن تثبت بالعقل أولاً. والعقل لا يقبل بها قطعاً".
لم يكن طلال منكراً وحسب. بل بدت عليه علامات عدم الاستعداد لتقبل حقيقة كهذه.
** منشور بموقع "إيلاف" بتاريخ 20 يوليو 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.