باراك حسين اوباما وجرأة الامل: حلم المرشح الديمقراطي الاسود متجذر في ثقافة البيض وسينتهي لارضاء ثقافة والتضحية بالأخري ابراهيم درويش كتب الكثير عن باراك اوباما، الذي يتنافس علي ترشيح حزبه الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الامريكية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم. ولا يخلو يوم من مقال عن المرشح الذي يطمح الي أن يكون اول رئيس اسود للولايات المتحدة، وهو متقدم في استطلاعات الرأي علي منافسته هيلاري رودام كلينتون، زوجة بيل كلينتون، الرئيس السابق (1992 2000) وقد اضحي خيار الامريكيين متوزعاً علي الاقل في الجانب الديمقراطي بين ( العرق والجنس/ ذكورة وانوثة) وفيما اذا كانت امريكا مهيأة لانتخاب رجل اسود او امرأة. في السياق الاول فاستطلاعات الرأي تشير الي ان امريكا لا تمانع، علي الاقل حسب استطلاعات الرأي في الصحف الليبرالية، من انتخاب رجل اسود، بالنسبة للشق الثاني، فالامر لا يتعلق بكون امريكا لا تمانع بوصول امرأة للبيت الابيض بل لان المرأة التي تنافس اوباما هي هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس السابق، فهناك الكثير من الامريكيين الذين يكرهونها. طبعا هذه المقاربة ليست عن الانتخابات الامريكية، ولا عن مواقف اوباما من قضايا العالم العربي وتنافسه مع كلينتون لكيل المديح العالي لاسرائيل ولكن عن اوباما نفسه وماذا يمثل بالنسبة لامريكا وماهية الحلم الامريكي وقضايا العرق والاندماج، فاوباما في بداية حملته الانتخابية تجنب الحديث عن اشكالية العرق وقدم نفسه ضمن لافتة التغيير والامل، علي انه مرشح الجميع، ليس السود ولا الامريكيين او البيض بل هو مرشح الجميع، كيف استطاع اوباما التحايل علي اشكالية العرق التي ظلت وتظل جزءا من منظومة امريكا العقلانية ؟ وكيف استطاع ان يقنع السود انه مرشح الاجماع المختلف عن غيره من المرشحين السود السابقين او الذين انخرطوا في السياسة الامريكية جنودا وساسة (وهم قلة بالنسبة لعدد السود)وينظر اليهم ضمن الاجماع علي انهم اعتذاريون او ما يطلق عليهم العم توم (قناع اسود وقلب ابيض). باراك اوباما قدم نفسه علي انه مرشح الجميع باعتباره الجسر الذي يصل بين عالمين، عالم السود، عالم الاجداد في افريقيا وعالم امريكا البيضاء. فالحلم الامريكي هو بالضرورة ابيض ، وفي حالة اوباما او التي يحاول تمثيلها انه يمثل من ناحية والده افريقيا ومن ناحية امه امريكا البيضاء ومن هنا الالتباس الظاهر في حالة اوباما، فهو يقارن احيانا بجي اف كيندي اول رئيس كاثوليكي امريكي واحيانا بانه وريث مارتن لوثر كينغ، زعيم حركة الحقوق المدنية، وشهيدها. في الظروف العادية يبدو هذا الجمع صحيا ولكن لسوء حظ اوباما أن اسمه الاوسط هو حسين اسم والده الكيني (1936 1982) الذي تعرف علي والدته في اثناء دراسته في هونولولو- هاواي، لعام قبل ان يسافر الي جامعة هارفارد ليكمل دراسته هناك في الاقتصاد ويعود ليعمل مستشارا للحكومة قبل ان تقتله السياسة ومعارضته للقبلية وتسلطها خاصة انه من قبيلة صغيرة شمال كينيا لاو ويموت بحادث سيارة بعد ان ادمن علي الخمر، في لحظة انهارت فيها الاحلام. قلنا ان اوباما تجنب الحديث عن فكرة العرق، فيما حاول آل كلينتون اللعب عليها، مع ان بيل كلينتون قدم نفسه علي انه الرئيس الاسود، وعاش في حي هارلم معقل الثقافة السوداء في مدينة نيويورك. لكن اسم اوباما وارتباطه النسبي بأب مسلم تحول الي عيب، وسبة في ظروف الهوس ضد كل ما هو مسلم والحرب علي الارهاب. تجاوز اوباما هذه العقبة ولكنه لم يتجاوز لعنة العرق عندما كشف عن ان القس الذي يتردد اوباما علي كنيسته، قال في واحدة من عظاته في مرحلة ما بعد هجمات ايلول (سبتمبر) انه لعن امريكا وقال انها تستحق اللعنة للجرائم التي ارتكبتها، ولم يقل بدلا من ذلك الدعاء المفضل حفظ الله امريكا . هنا عاد موضوع العرق للواجهة واضطر اوباما لالقاء خطاب تعرض فيه لفكرة العرق وابعد نفسه عن تصريحات قسه الذي كان يتردد علي كنيسته مدة العشرين عاما الماضية او يزيد، الخطاب كان مهما وحسب المعلقين الامريكيين كان الاهم في تاريخ امريكا. مشكلة اوباما انه لم يشجب قسه جيرمايا رايت، بل اكتفي بابعاد نفسه عنه وهذا لم يكن كافياً في ظروف حملة انتخابية كفيلة بان تتحول الي لعبة قذرة تشحذ فيها السكاكين. ليس مهما ان نتحدث عن مواقف باراك اوباما من قضايا يبدو انه مجبر للحديث عنها لتبرير ترشحه للانتخابات الامريكية، موقفه من اسرائيل ودفاعه المستميت عنها، حيث لم يقدم موقفا مشابها منها للقضايا العربية، مع انه يؤمن بالحوار حتي مع العدو وموقفه من حرب العراق. لكن ما يهم هو طبيعة الحلم الذي يحاول اوباما بيعه للامريكيين: التغيير والامل وان كان هذا ممكن التحقيق، والاهم من ذلك انه غير طبيعة الدور الذي يلعبه الرجل الاسود في علاقته مع امريكا البيضاء من دور المقايضة ( بين الضحية وعقدة ذنب البيض) الذي يقبل ندم الامريكي عن تاريخ العبودية والقهر للسود مقابل الاعتراف بدور ما للاسود ومميزات معينة له داخل السياق الامريكي، عملية المقايضة هذه والتبادل تمنح كلا الطرفين فرصة للابيض للندم عن افعال اجداده وللاسود كي يمارس حريته وحياته، في اوباما لم يرد هذا الدور الذي رضي به سياسيون سابقون ولكنه يفضل دور المتحدي للرجل الابيض ومن هنا فان فكرة التحدي تشعل لدي الاخير فكرة خروج الاسود عن دوره التقليدي. عندما قال بيل كلينتون في وصف الصعود السريع لاوباما ان الاخير ليس الا مرشحا اسود كان يشير الي طبيعة الدور الذي يلعبه المرشح الاسود ولصعود القس جيسي جاكسون في استطلاعات الرأي وذلك في الثمانينات من القرن الماضي ولكنه سرعان ما تلاشي. كان كلينتون يذكر مستمعيه بهذه الحقيقة. دور المقايضة والتحدي هي من افكار الباحث الاسود شيلبي ستيل التي وردت في عدد من دراساته اخرها كتاب رجل مصمم: لماذا نحن متحمسون لباراك اوباما ولماذا لن يفوز؟ ، شيلبي ستيل وهو يقرأ تاريخ امريكا كان يعرف ان مجرد خروج الاسود عن دور المقايض الذي يمنحه دائما الفرصة لتذكير الابيض بجرائمه، هو خروج عن المألوف لان امريكا لا زالت تخجل من طرح فكرة العرق او التصدي له مع ان شيلبي يدخل في اشكالية الهوية السوداء ويحلل هوية اوباما ضمن مرحلة ما بعد انتفاضات الستينات من القرن الماضي ويكشف عن شبكة معقدة من الهويات . بعد ان قالت زوجة اوباما، ميشيل اوباما انها لاول مرة في حياتها تشعر بالفخر بكونها امريكية ثارت الدنيا عليها، لان معني ما قالته انها لم تكن امريكية الولاء قبل دخول زوجها الانتخابات. كما ان جدل القس جيرمايا رايت، يظهر هذا الواقع فقد كتب بات بوكانان، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الامريكية قائلا كانت امريكا احسن دولة علي وجه البسيطة للناس البيض، كان هنا عندما نقل 600 الف اسود علي ظهر سفن الرقيق من افريقيا، وتطوروا الي مجتمع من 40 مليوناً وقدموا لمسيحية الخلاص ووصلوا لاعلي مستوي من الحرية والازدهار لم يعرفها السود من قبل . واضاف بوكانان معلقا علي اقوال رايت داعيا اياه كان يجب علي رايت ان يركع ويشكر الله انه امريكي، نسمع دائما عن مظالم ولا نسمع ثناء . قد تدعو هذه الكلمات القارئ للقول ان امريكا لم تتغير منذ حركة الحقوق المدنية. ولكن هذه قراءة متعجلة ذلك ان شيئا ما يحدث. هناك جيل ما بعد الحقوق المدنية وبعد احتجاجات فيتنام، جيل تشير اليه الاستطلاعات انه صاحب الاصوات العائمة اي الذين لم يقرروا بعد. بالنسبة اليهم كلينتون وماكين يمثلان الماضي، فيما يمثل اوباما الحاضر الشاب، ايا كانت دعوته صادقة، فهو جذاب وكما تشير سيره العديدة فكر مرة بان يصبح قسا. ولكن قصة اوباما الرسمية هي ما كتبه بنفسه عن تجربته ك اسود ، ذلك انه علي الرغم من كونه مزيجا بين افريقيا وامريكيا البيضاء قرر مبكرا تأكيد هويته السوداء وان يكون اسود داخل احياء السود في شيكاغو مع ان سيرته تكشف بعدا اخر كما سنري. في سيرته نعرف ان والدته الباحثة الانثروبولوجية آن دانام (1941 1995) كانت واعية باشكالية الهوية، فقد كانت عارفة بادبيات حركة الحقوق المدنية التي قدمتها لابنها، وعلمته اياها مثلما علمته فنونا ارتبطت بالسود وحنينهم لارض اجدادهم في افريقيا مثل الجاز والبلوز. ما تقدمه شهادات العارفين باوباما انه كان يحب القراءة، وكان يعشق كرة السلة، ذلك ان الرياضة هي واحدة من الفنون التي اتقنها السود لتأكيد هويتهم، لم يكن مبرزا فيها ولكنه كان عضوا في فريق المدرسة، كان من المثير ان يشاهد اوباما في حافلات فريقه يقرأ كتبا في طريق العودة من مباريات. وفي شقته قبل ان يذهب لجامعة هارفارد هناك كتب في كل مكان في الفلسفة والادب الاسود والموسيقي. نفهم من قراءتنا لحياة اوباما انه شعر بكل الظروف التي مر بها السود من تمرد ومحاولة للتعبير عن المقت والغضب، ضد ما يرونه ظلما وتهميشا، وميلا نحو جماعات راديكالية، او محاولة لتفهم ظروف اخرين تحت القمع، من ذلك مواقفه الاولي من القضية الفلسطينية وعلاقته مع المجتمع الفلسطيني في شيكاغو، وحواراته مع رشيد الخالدي الباحث الفلسطيني المعروف واستاذ كرسي الدراسات العربية في جامعة كولومبيا،وقد حضر السناتور الشاب حفلة وداع للخالدي عندما كان يترك عمله في شيكاغو لكولومبيا وتحدث في الحفلة عن الاماسي التي قضاها في نقاشات مع الخالدي حول طعام اعدته زوجة الباحث الفلسطيني مني الخالدي. حدث هذا قبل خمسة اعوام. وفي عام 1998 حضر فعالية كان الراحل ادوارد سعيد المتحدث الرئيسي فيها، كما درس اوباما مساقا لسعيد في جامعة كولومبيا (انظر حول تفاصيل هذه العلاقة مقالا في لوس انجليس تايمز 10/4/2008). بعيدا عن هذا وظلال السياسة فقد مر اوباما بمراحل مر بها السود ولكنه استخدمها بطريقة ايجابية بدلا من ان ينتهي كما انتهي اخرون في احياء الفقر والتهميش. لكن ما يميز حملة اوباما ان السود يرون فيه مرشحا مختلفا عن اخرين مثل آل شاربنتون وعن جاكسون ومنفصلاً عن نجاحات سود مثل اوبرا وينفري. قلنا ان اوباما تجنب استخدام اصله العرقي، سواده القريب للبياض، كعنصر في الانتخابات لكن الحملة كلها عن العرق ومكانه في امريكا ورحلة اوباما تشير عن هوس والحاح في البحث عن هويته الملتبسة بين الاسود والابيض. كتب اوباما كتابين الاول كرسه لوالده حسين اوباما والاخر عاد فيه لوالدته، الاول كان عن الحلم المبتور للوالد ودروس الابن منه اما الثاني عن جرأة او (وقاحة) الامل، عن الام. ولد اوباما عام 1961، قبل سنوات من ولادة ما صار يعرف بقوة السود او قبل ظهور شعار قلها عاليا انا افتخر بسوادي ، كانت والدة اوباما قد التقت وهي في سن الثامنة العاشرة اول طالب اسود، كيني في جامعة هاواي وتزوجته، كان حسين اوباما في سن العشرين حيث جاء لهاواي في سنة تحضيرية قبل ان يذهب لجامعة هارفارد كي يكمل دراسته العليا. بعد حصوله علي شهادة الدكتوراه عاد الي بلاده تاركا زوجته وابنه. لم ير حسين اوباما ابنه الا مرة واحدة عندما كان في سن العاشرة وتوفي في حادث سيارة عندما كان اوباما في سن العشرين. غياب الاب في حياة اوباما تحول في سنوات النضج للبحث عن نفسه وفي معني هويته احلام من والدي: قصة عن العرق والارث والذي صدر عام 1995 وقد كتب بلغة جميلة وتحدث فيه عن الشباب وغضبه وتحرره من خلال انخراطه في النشاط الاجتماعي في مدينة شيكاغو. يصف فيه طفولته في هاواي التي تعتبر مكان صهر للاعراق، صينيين ويابانيين ولكن ليس سودا، وهي اعراق منصهرة لدرجة لا يمكن فرض سيادة جماعة علي اخري. طفولته في هاواي قطعت عندما سافر مع والدته الي عاصمة اندونيسيا جاكرتا بعد زواجها من مهندس اندونيسي مسلم من الفترة ما بين 1967 1971، يصف اوباما زوج امه بانه وان كان ذا روح حرة، اسلامه شعائري الا ان نهاية حكم سوكارنو عام 1965 غيرته لرجل لم يعد قادرا علي التواصل وكل همه النجاة في عالم جديد تسيده سوهارتو. في اندونيسيا هناك روايات تقول انه درس في مدارس حكومية او اسلامية لكنه يقول ان كلفة المدارس الدولية العالية الذي لم يكن بديلا عن تدريس والدته الخاص، حيث كانت تصحو قبل الفجر لاعطائه الدروس ادت به للانتقال مرة اخري لهاواي، حيث دخل مدرسة النخبة من خلال جده الذي جاء لهاواي بحثا عن عمل. في مدرسة بوناهو واجه العنصرية باشد انواعها، حيث كانت فكرة ان والده من قبيلة افريقية مثيرة للغرابة، مما ادي لابعاد نفسه عن بقية الطلاب السود شاعرا بمن ديس عليه او سحق، ومن هنا عاش حياته وحيدا. يتحدث اوباما عن والدته وروحها الانسانية التي اكدت علي اهمية صلته بامريكا، أمريكا السوداء، واصفا اياها بانها جندية في صفقة جديدة ، فقد كانت تحمل اليه اشرطة اغاني ماهيليا جاكسون وخطابات دكتور مارتن لوثر كينغ. وكانت تحدثه قصصا عن الاطفال السود في الجنوب الامريكي الذين كانوا يدرسون كتبا تبرع بها الاغنياء البيض واصبحوا فيما بعد اساتذة واطباء مما اعطاه شعورا بالراحة عندما يصحو مبكرا للدراسة. حكايات البطولة في مجتمع العرق والتمييز ستكون عاملا مهما في تشكيله. لكن باراك اوباما سيكتشف لاحقا ان اشكالية اللون لا تعني العزلة، فقد شعر ان الحل هو ان لا تكون غاصبا يعني ان تكون ناجحا، وقد كان ناجحا في تجنب الفرز العرقي، اي انه كان يتحرك بسهولة بين سواده وبياضه او بين ثقافتين كل منهما لها لغتها وبنيتها وتقاليدها. لكن هذا التحرك جعله يتساءل عن وضعيته علي الحافة بينهما، ففي قراءته لكبار الكتاب السود شعر انهم جميعا بلا استثناء انتهوا او انهوا حياتهم بمرارة الا مالكوم اكس الذي يبدو ان سيرته منحت اوباما الشاب شيئا مختلفا فاعادة انتاج الذات المتكررة، تحدثت لي . لكن ما تغير في اوباما وتحركه بين ثقافتين، هو اكتشافه ان السود ليسوا جميعا مهتمين باشكالية اللون وانهم متعبون من التمرد، لكن عرف لاحقا ان فكرة الاندماج هي دائما طريق باتجاه واحد، مما يعني ان الاقلية يجب ان تندمج في ثقافة الاكثرية فقط الثقافة البيضاء هي التي تسمح بالحرية الفردية . من هنا ولانه لم يكن يريد ان يظهر بمظهر من باع تراثه فقد اختار اصدقاءه من بين الطلاب الاجانب، مكسيكيين، اساتذة ماركسيين، انثويات، كانوا يناقشون افكار فرانز فانون، وكان منخرطا في الحركة ضد التمييز العنصري، ومع ذلك ظل يحمل شعورا بانه سيظل غريبا. عاش اوباما في كاليفورنيا عامين ثم انتقل الي نيويورك لجامعة كولومبيا. عندما كان في نيويورك تلقي مكالمة من صديق تقول ان والده توفي مخلفا ستة اولاد من اكثر من زيجة. في احلام من والدي يتحدث عن رحلته الي كينيا عام 1987 قبل دخوله مدرسة القانون في هارفارد، وهو محاولة لفهم والده وبلده كينيا في مرحلة ما بعد الاستعمار والتي قتلت والده. لكن الكتاب وان كان عن مواقف والده ضد القبلية وعقابه من جومو كينياتا الا انه عن اوباما ومحاولته العثور علي ذاته. لا يتحدث اوباما كثيرا عن حياته في نيويورك لكنه يشعرنا انها لم تكن تناسبه، بعد تخرجه من كولومبيا عمل كناشط اجتماعي في شيكاغو، كما عمل مع رالف نادر محاولا اقناع الطلاب حول اهمية البيئة . يعترف اوباما في كتابه انه جرب انواعا من المخدرات، وقد اعتبر نقاد ان اوباما كان ساذجا في اعترافاته لكنه تعاطي انواعا من المخدرات معروفة بين طلاب الجامعات. يحدثنا اوباما عن دخوله عالم السياسة في احياء السود، وذلك عام 1983 عندما كان مارا بمحل حلاقة وكالعادة فمحل الحلاقة هو قهوة السود وكان التعليق يدور حول محاولة هارولد واشنطن الذي ترشح لعمدية شيكاغو وكيف يحاول البيض دائما تغيير شروط اللعبة خاصة ان كان المرشح ابيض. وفي حديثهم نبرة عن دور السود انفسهم في هزيمة مرشحيهم. لغياب الوحدة بينهم. واشنطن فاز عام 1987 عندما وسع نشاطه الانتخابي ليشمل غير السود. كان اوباما في ليلة الانتخاب في مبني البلدية وذلك قبل فترة من وصول رسالة قبوله في جامعة هارفارد. يحدثنا اوباما ان غياب الاب ترك ثقبا في حياته حاول اغلاقه من خلال العمل الاجتماعي. ولهذا اراد ان يوقظ وهجا في حياة السود مثل ما لاحظه اثناء حملة انتخاب هارولد واشنطن، واكثر من هذا فقد شعر ان حل مشاكلهم وتأكيد هويتهم لن يكون الا من خلال السياسة. كتب اوباما احلام من والدي وهو منغمس في السياسة المحلية لكن كتابه الثاني جرأة الامل كان بمثابة بيانه الانتخابي، وعن ملاحظاته عن الحقبة الريغانية التي وعي الحياة فيها. وهو بمثابة تذكار وهدية لامه التي ماتت في الخمسينات من عمرها بعد صراع مع السرطان، وحديث عن عالمها، شروط الستينات من القرن الماضي ورومانسيتها. ولا يحدثنا اوباما كثيرا عن حبه وزواجه وولادة بنتيه، ولا عن علاقته العميقة مع كنيسة رايت التي انضم اليها عندما عاد من هارفارد. والكتاب مشغول في معظم اجزائه عن ترشحه للكونغرس وخسارته عام 2000 وفوزه عن ولاية الينويز عام 2004، كما يتحدث عن شروط السود وحياتهم التي لم تتغير فهو يعتقد ان قضايا معركة الستينات من القرن الماضي لم تحل بعد، كما انه يتحدث عن قضايا اخري مثل معارضته لحرب العراق ودعمه للاجهاض وموقع الاقليات وحقوقها وغيرها. اوباما يقدم نفسه في النهاية وفي مجمل خطابه علي انه المتحدث نيابة عن السود وقضاياهم في الوقت الذي يبرز نفسه علي انه موحد البيض، بالنسبة لنقاده فهذا الموقف ليس مبرأ من اضطهاد جماعة علي حساب اخري. واوباما بالنسبة لهم يعاني من فراغ في الهوية، جاءت من كون هويته اخذت شكلها من الثقافة الرسمية، البيضاء وليست من ثقافة السود وحيواتهم. هل سيكون قادرا علي تحقيق الامل والتغيير؟ سؤال مفتوح علي كل التكهنات. المصدر: جريدة "القدس العربي". بتاريخ: 21 أبريل 2008.