صدر مؤخرا عن دار التكوين بدمشق كتاب "أغاني الغجر" للكاتبين راد أوليك، برانكو راديشفيتش، وترجمة الدكتور عبدو زغبور. يوضح الكتاب ما هو الموطن الأصلي للغجر، قيل بلاد ما بين النهرين، وقيل أيضاً مصر، ولكن الحقيقة التاريخية تقول إن موطنهم الأصلي هو الهند، ويرون بأنهم هجروا الهند أمام موجات الغزو، وانطلقوا نحو المجهول، يمموا شطر الغرب، ووصلوا إلى أرمينيا وأقاموا على منحدرات أرارات، ثم تابعوا الترحال، بسبب الغزو الجديد للقبائل التورانية، كانوا ينزحون ضمن مجموعات إلى أوروبا، ثم انتشروا في كل مكان من أوروبا، التي لم ترحب بهم. تقول إحدى الأغاني الغجرية: تحت شجرة الخوخ وضعتُ المهدَ والطفلُ في مأمن، يسقط المطر ويغسله، تتهاوى الأوراق وتغطيه، تأتي العنزة لترضعه، الريح تهب وتهدهده، نم يا بني، نمْ هادئاً اسمع من أمك ولا تبكِ. رفضتهم كل المجتمعات التي حلوا فيها، وصنفتهم خارج القانون، وحرمتهم من مجرد العيش كالبشر، اضطهدوا في أي مكان وصدرت القرارات المتتالية بقتلهم وشنقهم وإحراقهم أحياء أينما وجدوا. ووفقا لعقبة زيدان بجريدة "الثورة" السورية كانت أوروبا أكثر دموية معهم من كل الشعوب الأخرى، فقد كانت المسؤولة عن الجرائم الكبرى في تاريخهم، وكان لا بد للغجر من أن يستمروا على قيد الحياة، فاضطروا إلى ترك عاداتهم وتقاليدهم، والسعي لتنفيذ ما يريده الآخر، لكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام هذه التجربة المرة، وأخيراً لم يبق سوى الهروب، ولكن إلى أين؟. يقول الكاتبان اللذان جمعا أغاني الغجر: "نصادف فيها لغة هندية جديدة مشتقة بشكل غير مباشر من اللغة العامية لوسط الهند، لذا تبدو بعيدة عن التجانس مع اللغة الهندية القديمة السنسكريتية، استمدت اللغة في وطنهم الأصلي بعض المفردات من اللغة الفارسية، واستمدوا بالإضافة إلى ذلك بعض المفردات من اللغة الأرمينية خلال هجرتهم صوب الغرب، وبدأ بعد وصول الغجر إلى البلقان تأثير لغات الشعوب المجاورة مثل جنوب سلافيا، اليونان، رومانيا، هنغاريا، وغيرها على لغتهم". دأب الكاتبان على جمع الأغاني الغجرية على مدى سنين طويلة، وقاما بتدوينها مباشرة أثناء إنشادها من قبل المغني الغجري، وتفتقر هذه الأغاني إلى الإسهاب الملحمي، ولكنها تتميز بالارتجال والعفوية واللامبالاة وبريق اللحظة والنفس القصير. اجرِ يا أخي، اجرِ! يجب أن نتجنب المدينة، وإلا قبضوا علينا فوق الجسر، فوق الجسر يقف السادة الكبار، السادة الكبار من المالية إنهم يطالبونني بهوية، ليس معي هوية ولا وثيقة، ماذا أفعل إذا كنتُ أفتقدُ إلى ذلك الجواز للحصان؟ ماذا أفعل إذا ما قَبض عليّ الأوغاد رجال الضرائب؟ لا زال الغجر يهربون، ويختبئون بين حنايا أوروبا التي اضطهدتهم طويلاً، ومنعتهم من الاستقرار، وحرمتهم التنفس الحرّ، ولكنهم لا زالوا يغنون بكلمات ساحرة، ويطوفون العالم، وهم يدركون أن لا وطن لديهم، ولا مكان يمكن أن يحتمل عفويتهم.