الديمقراطية على الطريقة الاميركية عبد الله عواد للسياسة الخارجية، وسائل عديدة، تاريخياً وحديثاً، واذا كانت لافتة حقوق الانسان كانت الاداة الابرز التي استخدمتها اميركا في حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي.. فان "الديمقراطية" تحولت الى الوسيلة (المشهورة) بعد الحرب والانهيار السوفياتي، والموجهة ضد ما يُسمى العالم الثالث، فالحرب ضد العراق كانت "لافتة تحريره من النظام الديكتاتوري" هي الأعلى حتى من لافتة (امتلاك الاسلحة غير التقليدية) التي ثبت بالقطع كذبها، ولكن - لافتة الديمقراطية- هناك من يصدقها وحتى يأخذ بها، رغم كل حقائق "النفي" ووفقاً لكل مناهج التحليل العلمي. ان "حرب اميركا" الديمقراطية هي "الأخطر" في تاريخ الحروب الحديثة والقديمة، لانها تستهدف تدمير البنيان الاجتماعي والاقتصادي، كما يقول "النموذج العراقي" و"النموذج السوداني" و"نموذج لبنان" كمقدمة فقط، ويبدو ان هناك دولاً كثيرة مرشحة للاستهداف.. ان "الديمقراطية" ليست قراراً يتم اتخاذه، وانما هي جزء من تطور حضاري شامل، اقتصادي، ثقافي، تعليمي، واجتماعي، وحين يصل هذا التطور لمداه، تكون الديمقراطية تحصيل حاصل، ولكن "أميركا" التي تعرف هذه الحقيقة تقفز عنها عن سبق اصرار، وهي تعرف ان "الديمقراطية" لن تكون سوى عنوان كاذب ومخادع. ان شعوباً محكومة "بثقافة اجتماعية متخلفة" ديكتاتورية تبدأ من ديكتاتورية الاب، مروراً بديكتاتورية المدرسة وصولاً لديكتاتورية السلطة، لا يمكن "للديمقراطية" ان تسقط عليها من فوق، فهي ليست جهاز هاتف نقالاً.. يسقط على مجتمع متخلف ليمارس لعبة "التسالي" عبره، كما هي الحال عند كل "الشعوب" الفقيرة التي تحتاج للخبز اولاً، واذا كانت غير قادرة على الحصول عليه، فهل ستكون قادرة على استيعاب الديمقراطية؟! ان "الديمقراطية" الاداة الاميركية.. المسلطة فوق رؤوس الدول قبل أنظمة الحكم، واذا لم يعجبها هذا النظام او ذاك تبدأ بشن الحرب التي تستخدم فيها كل امكانياتها، وفي مقدمتها "المال" عبر المنظمات غير الحكومية، او ما شابه ذلك. وهكذا، فان هناك انظمة "ديكتاتورية" واكثر تخلفاً، ولكنها تحظى برضى ودعم (اميركا) التي تمارس عليها أقصى درجات (الابتزاز) الداخلي الذي يصل حد التدخل في أدق التفاصيل، كالاعتراض على جملة في كتاب مدرسي، والمطالبة بحذفها، ووصل الابتزاز درجة التهديد - باشعال حرب اهلية- اذا ما فكر أي نظام برفض المطالب "الاميركية" اليومية. انها "لعبة" المال القذر.. الاميركية التي لا تبخل في لعبها مع اغلبية الدول والمؤسسات والمنظمات، وحتى الاشخاص، وكل ذلك تحت لافتة (الديمقراطية) السلطة الفاسدة الاميركية التي لا تبخل في ترويجها، وبكافة الاشكال والوسائل، فالديمقراطية تعني في قاموسها التجاوب مع سياستها، حتى ضد "الشعب والدولة" وايصال من تريد "لسدة الحكم" واسقاط من لا تريد، وهو اكثر أنواع الاستعمار بشاعة على مدار التاريخ، اي (الاستعمار من الداخل) ودون قدرة على رفض ذلك. ان "المسألة تجاوزت النظام نحو جزء من الشعب الذي ارتبطت مصلحته بهذه الحالة السياسية التي في جوهرها مالية لدرجة وجود تيار قوي، يدافع عن هذا الواقع، ونموذج العراق - والمطالبة ببقاء قوات الاحتلال الاميركية - باقية، كونها الضمانة للحفاظ على الاستقرار الهش- والحيلولة دون الانزلاق لحرب داخلية - اخطر.. هكذا على الأقل تقول الدعاية. ان نموذج "الديمقراطيات" في اوروبا الشرقية - الحديثة- يقول وبلا رتوش.. صحيح هناك انتخابات وديمقراطية.. ولكن الحزب الفائز او حتى رئيسه.. لا يستطيع تشكيل الحكومة، او اختيار اي وزير الاّ بعد مصادقة ومباركة السفارة الاميركية بالضبط كما الحال في العراق.. وهناك دول كثيرة.. على نفس (الحالة) ان لم تكن اسوأ من ذلك. ان سيف .. الدعمين "المالي والسياسي" هو المسلط فوق هذه الانظمة الديمقراطية جداً تريدون - الاختيار وحدكم- او - التغيير وحدكم -جيد لكن.. لا تأملوا بأي دعم مالي او سياسي، وتريدون مواصلة الدعم، هذه الخطوط الاساسية واحياناً التفصيلية التي تريدون "السير عليها" واي خروج نأسف سنتخلى عنكم. ان على دول العالم ان تحكم إما بنظام ديكتاتورية اميركا.. وهذا واضح.. واما بنظام ديمقراطية اميركا - حكم السفارات الاميركية في الكثير من دول العالم، لدرجة يمكن القول معها ان السفير الاميركي في هذه الدول هو الحاكم الفعلي ولا قيمة لنظام الحكم اذا كان ديكتاتورياً أم ديمقراطياً فالمسألة هامشية.. ولا تعني شيئاً في الواقع على الأرض. في بعض "الدول الاقليمية" تمارس السفارات الايرانية نفس الدور وان كان بدرجة أقل - فالنقطة التي توقفت عندها- التطورات في الداخل اللبناني- جاءت نتيجة للتوافق بين السفارتين الاميركية والايرانية في بيروت والباقي، تفاصيل.. ارتبطت بالجانب الاعلامي المهرجاني.. وربما لحسابات متضاربة عند السفارتين، ولكن تقاطعات كانت وراء هذه النهاية، التي تبدو مؤقتة، لدرجة ان العلاقة الايرانية - الاميركية تحمل معها من الالغاز اكثر من الوضوح- الذي يقدم الاعلام.. فأين يوجد الاميركيون والايرانيون يكون الانهيار الداخلي، والعراق فقط النموذج الصارخ. ان جنون الغلاء الذي يجتاح العالم.. لم يسقط من السماء، وليس بفعل تحولات اقتصادية، لان "المقدمات" كانت الغائبة رقم واحد، ولكنه - اللعبة الاميركية- التي تستهدف الفقراء في العالم، بنفس الدرجة التي تستهدف دولاً كبرى، ولكن الذي سيدفع الثمن - هم الفقراء- فاذا كانت السفارات الاميركية تحكم بسيفي المال والسياسة، في الوضع الاقتصادي ما قبل هذا الغلاء الجنوني، فان "حكم السفارات" سيزداد، ولهذا اهتفوا لديمقراطية السفارات الاميركية. عن صحيفة الايام الفلسطينية 5/6/2008