الهدنة مرحلة من عملية مديدة علي بدوان حملت زيارة الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر للمنطقة، ولقاءاته مع قيادات حركة حماس معاني سياسية كبيرة ، فهي لقاءات شكلت بمجملها دفعاً متزايداً لحركة حماس على طريق إكسابها الاعتراف بالحضور المؤثر ، وفتح الطريق أمامها لدخول النادي السياسي الدولي ، خصوصاً مع اتصالات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الدائمة مع حركة حماس ، وتواتر المعلومات عن لقاءات حماسية جرت وتجري مع وفود أوروبية توافدت على دمشق للقاء خالد مشعل خلال الفترات الأخيرة التي سبقت وتلت لقاءات مشعل مع الرئيس كارتر. وكلها تحولات ، لا بد من أن تعكس نفسها في النهاية على الموقف الأميركي ذاته، فهي تطورات تحمل في ثناياها بواكير اعتراف أميركي ب "حماس" كجزء أساسي ومقرر في حركة التحرر الوطني الفلسطيني. كما انتهت لقاءات كارتر مع قيادات حركة حماس بنتائج إضافية، تركت آثارها واضحة من خلال شعور مواقع السلطة الوطنية الفلسطينية بأهمية ودور حركة حماس المحوري في المعادلة الفلسطينية، وتالياً في ضرورات العودة للحوار الوطني الفلسطيني كطريق لابد منه من أجل إعادة بناء وإرساء الوحدة الوطنية الفلسطينية. وعلى هذا الأساس فإن الرئيس محمود عباس كان قد اتخذ قراره في وقت لاحق بإرسال ممثل عنه للقاء قادة "حماس" والجهاد الإسلامي في غزة، على أن يتم الأمر في وقت قريب جداً..! كما كان لزيارة الرئيس السابق كارتر ولقائه مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق خالد مشعل دور هام في تحريك العمل من أجل التوصل إلى هدنة متبادلة مع الطرف الإسرائيلي على أن تواصل مصر دور الوسيط التفاوضي بين "حماس" وإسرائيل، لأن الرعاية المصرية المقبولة اميركياً لوقف جديد لإطلاق النار، تتوافر أمامها فرص النجاح، والاستكمال على نحو يحقق: وقف متبادل لإطلاق النار أولاً حيث أعلنت حماس في القاهرة وعلى لسان الدكتور محمود الزهار استعدادها لقبول هدنة تامة ومتكاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة ستة شهور كاختبار للنوايا. وتبادل الأسرى، ثانياً من خلال قائمة تضم بحدود 1400 أسير فلسطيني بما فيهم كامل أعضاء المجلس التشريعي المعتقلين في سجون الاحتلال. وفتح المعابر ثالثاً وتحررها من حصار الاحتلال. وبالطبع فإن القبول الفلسطيني من حركة حماس وقوى المقاومة بشكل عام بالهدنة في الداخل الفلسطيني، لا يعني بأن الأمور أصبحت سالكة على سكة القبول الإسرائيلي بمضمون الهدنة التام، بما في ذلك إيقاف إسرائيل لأعمال الاغتيالات التي تمس كوادر ونشطاء الانتفاضة في الصفين السياسي والفدائي المقاوم، وهنا يمكن القول بالضبط بأننا أمام عملية مديدة ولسنا أمام إجراءات على جانبي طرفي الصراع فقط مهما كانت حازمة أو فاعلة، وهي عملية متداخلة ومترابطة يتم فيها تبادل التأثر والتأثير على نطاق واسع، وبالتالي فلا الهدنة ستدوم ولا الاحتلال سيزول إلا في نهاية تلك العملية. ولكن المهم فيها أي الهدنة أنها استطاعت تصدير الموقف الفلسطيني بعقلانية وإيصاله إلى الأطراف المؤثرة خصوصاً الرئيس جيمي كارتر وما يمثله من موقع خارج المؤسسة الرسمية الأميركية وبالتجاور معها ، وفي لملمة جراح المرحلة في استراحة المحارب. وفي هذا السياق، ارتفعت بعض الأصوات الإسرائيلية الداخلية، تعبر عن طيف من الآراء السياسية ، التي عبرت عن مشاعر ومواقف محددة ، ومن بين الأصوات الإسرائيلية التي امتلكت رأياً ، كان منها الرأي المنادي بالعمل من أجل ترتيب تهدئة جديدة حيث جرت وما زالت اتصالات عديدة واجتماعات في مدينة العريش المصرية بين وفدي حركتي حماس والجهاد الإسلامي مع الجهات المصرية المعنية لانجازها. وفي هذا السياق فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية كررت مؤخراً، ونقلت المزيد من المواقف والآراء على لسان عدد من الشخصيات العامة، بمن فيهم ضباط كبار في الاحتياط ، يطلقون مواقف تدعو للمفاوضات مع حماس ، ويقترحون بديلاً يصفونه بأنه الأكثر معقولية عبر فتح قنوات الحوار المباشر أو غير المباشر والتفاوض مع حركة حماس بهدف استقرار الوضع من جانب والبحث بإمكانية التفاوض مع إطار فلسطيني أوسع يجمع فتح وحماس. منطلقين من ما حدث في قطاع غزة مؤخراً من تحطيم للمعابر مع مصر ومن صمود وثبات فلسطيني ، مع تقديراتهم بأن حركة حماس يمكن لها استئناف القتال، وتحطيم الهدوء الشكلي، ومن يقين تام بأن حركة حماس ما زالت تملك حضوراً قوياً في الضفة الغربية تستطيع من خلاله إحباط أي طريق سياسي، وأن بإمكانها تصعيد العمل المسلح، وتالياً في إمكانية تحديد كفة المسيرة السياسية. وعليه فإنهم يقترحون سلب حركة حماس هذه المفاعيل بضبط إسرائيل لنفسها إزاء تصعيد عمليات إطلاق الصواريخ، والانطلاق نحو الحوار مع حماس التي غدت "الذراع الجنوبي لذاك الاخطبوط الذي يحيط بإسرائيل" على حد تعبير بعض الصحافيين الإسرائيليين، ومحاولة إغوائها والتقاطها سياسياً، وهو ما كرره الصحفي الإسرائيلي اليكس فيشمان على صفحات يديعوت أحرونوت بعددها الصادر يوم 28/3/2008 الذي حذر من ما أسماه تطور عمل الهيئة العسكرية لحماس والتي تعنى ب " الهندسة العسكرية " و"الفن العسكري" في قطاع غزة ، التي توصلت إلى إنجاز من خلال إنتاج سلسلة من صواريخ القسام ذات المقاييس تصل إلى مدى 21 - 22كم. وعلى هذا الأساس فإن الاتجاه العام للسياسة الإسرائيلية يتجه نحو البدء بإنشاء حوار حتى لو كان مختبئاً ومختفياً عن الأبصار مع حركة حماس عبر الطرف المصري للتوصل لترتيب الهدنة ولو المؤقتة، ولكن مع محاولة " حفظ ماء الوجه كما يقولون في تل أبيب، ودون إظهار موقع ضعف إسرائيلي في هذا الجانب " وعلى أن توقف حركة حماس فيه نار الصواريخ، وبالتوازي، فإن إسرائيل توقف هجماتها على قطاع غزة والضفة الغربية، ويتقلص مبدئياً على قطاع غزة. وتفتح المعابر مثل كرم سالم، كرني وبيت حانون، والعمل في العودة لاتفاق المعابر بالنسبة لمعبر رفح. عن صحيفة الوطن العمانية 19/5/2008