رد الاعتبار للرئيس نجيب طه خليفة تعاطفت مع الشاب محمد يوسف محمد نجيب وهو يتحدث لبرنامج 90 دقيقة بقناة المحور عن مأساة جده محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد ثورة أو انقلاب أو حركة الجيش في 23 يوليو1952 كما تعاطفت مع طلب الحفيد برد الاعتبار للجد الرئيس. والمأساة التي تعرض لها الرئيس الراحل محمد نجيب لم تقتصر عليه وحده إنما شملت جميع أفراد أسرته التي عاشت حياة شديدة القسوة والحرمان في عقاب لا إنساني لا يقبله الضمير ولا يليق بالرجل حتي لو كان قد أخطأ في نظر الثوار الذين حولوه في لحظة من رئيس إلي معتقل في أحد المنازل لا يخرج منه ولا يدخل إليه أحد مع معاملته بطريقة مهينة ومذلة وتفتقد للرحمة وأري أنها كانت عاراً علي أخلاق وشهامة ونبل هذا النفر من المصريين ولن يغفرها لهم التاريخ. لكنها الثورة التي تأكل أبناءها كما يقال. والحقيقة انه لم يكن نجيب فقط الذي أكلته الثورة، إنما كان هناك ضحايا كثيرون غيره بعضهم أبعد عن مصر مثل خالد محيي الدين، وآخرون أخرجوا من الخدمة بالجيش وجلسوا في بيوتهم مقهورين وهم في مرحلة العطاء، وهناك من كان وضعه أسوأ بدخوله السجن وتعرضه للتنكيل علي أيدي زملائه. وإذا كان هذا هو مصير زملاء النضال والكفاح في تنظيم الضباط الأحرار خلال العهد الملكي الذي كان يوصف بالعهد البائد فما بالنا بمصير رجال السياسة والأحزاب والمسؤولين خلال هذا العهد، وكذلك الإخوان الذين دعموا الثورة. معروف بالطبع انه كان مصيراً أسود حيث تعرضوا للعزل السياسي والتشريد داخل مصر أو خارجها وامتلأت السجون والمعتقلات بهم خصوصا الإخوان والشيوعيين الذين تعرضوا لتعذيب وحشي راح ضحيته العديد منهم. مجلس قيادة الثورة كان لديه منذ البداية نزوع للحكم والسلطة والسيطرة ولم يكن يقبل بفكرة العودة إلي الثكنات العسكرية وتسليم البلد للسياسيين والحكم المدني إلا نفر قليل جداً منهم كان مع الديمقراطية والحرية والحياة المدنية. وكان فارس هذا المطلب هو الضابط الشيوعي خالد محيي الدين، وهي مفارقة أن يكون مؤمناً بالشيوعية لكنه مع الديمقراطية والحرية في نفس الوقت، وقد دفع ثمنا غاليا لهذا المطلب لكن يبقي أن ذلك سر حبنا وتقديرنا وكذلك الكثير من المصريين لهذا الرجل الكبير الشامخ. كما أن هذا الموقف الديمقراطي الشجاع قد أدخله التاريخ الناصع من أوسع أبوابه. كان الرئيس محمد نجيب أيضا مع الحكم المدني وهذا ضد رغبة العسكر وخصوصا البكباشي جمال عبد الناصر الزعيم الحقيقي للثورة أو حركة الجيش، وهو لم يكن علي استعداد لترك السلطة أبدا ومهما كان الثمن، كما لم يكن علي استعداد لأن يكون الرجل الثاني في النظام الجديد، إنما الأول والأخير ولذلك أطاح بكل المنادين بعودة الجيش إلي ثكناته حتي انفرد بالسلطة في زمن قليل وأصبح رئيساً لمصر حتي وفاته في 28 سبتمبر 1970. ولولا تلك الوفاة لما كان غادر المنصب أبداً حتي لو كان قد بلغ من الكبر عتياً. وعموماً هذه سمة كل الرؤساء في مصر وليس عبد الناصر وحده. وأشك كثيرا في انه كانت لديه رغبة حقيقية في التنحي و التنازل عن أي منصب رسمي كما أعلن في خطابه الشهير بعد هزيمة أو نكسة يونيو 1967بأيام وهو الخطاب الذي أعده له بعناية الأستاذ محمد حسنين هيكل لاستدرار عطف الشعب المصري المذهول والمفجوع بالهزيمة وبزعيمه التاريخي المسؤول الأول عن تلك الهزيمة. وقيل إن المظاهرات التي انطلقت في مصر عقب هذا الخطاب لمطالبة عبد الناصر بالبقاء كانت بدايتها من ترتيب رجاله في الاتحاد الاشتراكي. عبد الناصر طرد الرئيس واللواء محمد نجيب ليجلس مكانه حيث كان يخطط لهذا الأمر منذ بدأ تشكيل تنظيم الضباط الأحرار في الجيش فلا يعقل أن يعرض حياته للخطر في أي لحظة لو اكتشف تنظيمه ثم لا يقطف الثمرة ويستمتع بالتهامها عندما ينجح هذا التنظيم في تحقيق هدفه بالإطاحة بالملك والملكية وبدء عهد جديد من الحكم الثوري. لكن وكما يقول مؤرخون كثر فإن المصريين ما كانوا يتقبلون حركة الجيش صبيحة 23يوليو بسهولة ويتفاعلون معها في كل مكان ما لم يكن واجهتها هو اللواء نجيب الرجل الموثوق فيه من ضباط الجيش ومن الشعب المصري والذي يمثل الخبرة والحكمة والنزاهة والوطنية. فعبد الناصر وزملاؤه الآخرون في الثورة كانوا شباباً صغاراً ومجهولين ولا يعرفهم أحد في الجيش غير بقية زملائهم في التنظيم كما لم يكن يعرفهم أحد في مصر ولا في خارجها. وربما لم يكن من السهل قبولهم كزعماء جدد من جانب زملائهم في الجيش وكذلك من المصريين والقوي السياسية والحزبية،وهذا كان يترتب عليه إخفاق حركة الجيش. لقد دفع نجيب ثمناً باهظاً لطيبته وسماحته ولاحتضانه لهؤلاء الضباط الشبان ولديمقراطيته وإيمانه بالحرية حيث كان بمقدوره اعتقالهم جميعا بعد أزمته الأولي معهم وعودته إلي منصبه وقد عرض عليه قائد حرسه هذا الخيار فعلاً لكنه كان كبيرا في كل شيء وكان أباً حنوناً لهم ورفض فكرة الاعتقال لكنهم وبعد أشهر تخلصوا منه نهائياً وعاملوه أسوأ مما لو كانوا عاملوا أعداء مصر الحقيقيين. عن صحيفة الراية القطرية 23/4/2008