«حزب الله» بين القمة و«التكليف» حسان حيدر يتبادل «حزب الله» مع سورية وايران «الخدمات»، فتسلح هاتان ذاك وتمولانه، وينفذ هذا استراتيجيتهما وتتناغم مواقفه مع تكتيكاتهما الآنية، فتعلو عقيرته بتهديد الحرب المفتوحة عندما يُقتل أحد قيادييه الوثيق الصلة بطهران في قلب دمشق، ثم ينزع فجأة الى التهدئة والطمأنة عندما ترغب الشام في كتم أنفاس الشأن اللبناني مع اقتراب موعد القمة العربية التي تستضيف. وعندما تعتبر دمشق أزمة لبنان والفراغ الرئاسي فيه مجرد بند في جدول أعمال القمة، فيما هي تكاد تطغى عمليا على ما عداها من قضايا، كونها أدت الى خفض تمثيل أهم دولتين عربيتين، وإلى سابقة مقاطعة لبنان، البلد المؤسس في جامعة الدول العربية، يسارع حليفها اللبناني الى اعتماد لهجة «مهادنة» داخليا، واعلان شغفه بالتسوية السياسية، ويؤكد بلهجة حازمة ما تحب سورية أن تسمعه عن قرب زوال اسرائيل، مستندا في ذلك الى احصاءات ودراسات استعان بها أمينه العام في خطابه الاخير قبل يومين. أما الغرض من التأكيد على «امكان اسقاط النظام الصهيوني» فيتضح من خلال محاولة وفود سورية والجزائر واليمن في الاجتماعات التحضيرية إقرار التلويح بسحب مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها قمة بيروت 2002 والتي اعتبروا انها لا يمكن ان تظل مطروحة الى الأبد. فهل تشهد اجتماعات القمة مواصلة الهجوم على المبادرة؟ او بكلام أوضح هل يستكمل الانقلاب الذي بدأ مع اغتيال الحريري وتخريب المعادلة اللبنانية، ثم تواصل مع حرب تموز 2006 وما تلاها من احتلال وسط بيروت، واستمر مع استيلاء حركة «حماس» على قطاع غزة، ومع النظرية التي تكررها ايران عن قرب انتهاء اسرائيل كلما احتاجت الى مقارعة الخطاب السياسي العربي في عقر داره؟ لقد اكتشف اللبنانيون في خطاب السيد حسن نصرالله انهم «كلفوه» من دون ان يدروا مهمة «العمل من اجل اسقاط النظام الصهيوني»، عندما قال ان غالبيتهم ردت بالايجاب على سؤال في هذا الخصوص وجهته مؤسسة بحث مجهولة استشهد بنتائجها «الدامغة» التي تُبيّن انهم «أجمعوا»، على اختلاف طوائفهم، على صحة هذا الاحتمال وضرورة السعي اليه. وعندما اعتبر نصرالله ان هذه ليست مهمة لبنانية، كان يقصد انه لن يقوم بها وحده، بل في اطار تحالف أوسع ومحور يمتد من طهران الى دمشقوبيروت وصولاً الى غزة. استبدل الحزب إذن الغالبية الفعلية التي خرجت في 14 شباط (فبراير) تطالبه بوقف مزايداته الاقليمية والانخراط في السيادة اللبنانية، بغالبية ورقية وقبل «تفويضها» من دون هامش خطأ حتى. ولم يفت نصرالله ان يدعم التوجه الذي كشف عنه الحليف الآخر نبيه بري بشأن نيته في دعوة الاطراف اللبنانيين الى معاودة جلسات الحوار. وللمصادفة فإن هذه الدعوة تأتي في وقت يتخوف فيه اللبنانيون والعالم من اندلاع حرب جديدة تسببها الوعود بالانتقام لاغتيال عماد مغنية، والذعر الذي احدثه هذا الاحتمال بين سكان الجنوب والبقاع اللبنانيين وما يحكى عن موجة نزوح استباقية، وكأن فيه تذكيراً للبنانيين بأن حرب تموز اندلعت عندما كانت طاولة الحوار إياها منعقدة، وان الحرب المقبلة المحتملة ربما تحتاج الى تهدئة داخلية وغطاء حواري مماثل. عن صحيفة الحياة 27/3/2008