غزة: خيارات المرحلة اللاحقة!! هاني حبيب أظهر كاريكاتير نشرته صحيفة عبرية، طفلاً فلسطينياً يحمل الذخيرة على صدره ويقول لوالده المقاتل: لا تخرج وحدك.. فالوضع خطير سأخرج معك. هذا الكاريكاتير ربما يدفعنا، في فلسطين الى التباهي بمشاركة الاطفال بالمعركة، وفي ظل الثقافة السائدة، فإن هذا الكاريكاتير سيستخدم باعتبار ان الصمود والمواجهة اقتضيا مشاركة الجميع في معركة الصمود والتصدي "للشتاء الساخن". مرامي رسام الكاريكاتير، والصحيفة التي نشرته كانت بالتأكيد خلافاً لحصيلة الثقافة السائدة لدينا، هذا الكاريكاتير هو من أخطر أشكال الحرب الإعلامية التي تشنها اسرائيل بلا هوادة، وبكل مقدرة علينا، هذا الكاريكاتير، يبرر المجزرة التي ارتكبتها القوات الغازية بحق أطفال فلسطين في جباليا، والأخطر، ان هذا الكاريكاتير سيوظف لتبرير مجازر لاحقة في المستقبل. باعتبار انه بات من المسوغ أن لا تلام اسرائيل على استقصادها للجميع في حربها، بما في ذلك الاطفال، باعتبار ان كل فلسطيني ليس مجرد عدو، بل مقاتل يقف في طريق احتلالها، وسيعين هذا الكاريكاتير خبراء وزارة العدل الاسرائيلية التي طلب منها وزير الجيش الاسرائيلي باراك، تسويغاً قانونياً لاستهداف المناطق المدنية الفلسطينية في المراحل القادمة من الحرب الاسرائيلية المفتوحة. في اسرائيل، يدور جدل محتدم حول تقييم المرحلة الاولى من عملية "الشتاء الساخن"، افتتاحيات ومقالات تحليلية، اختلفت حول ثمار ما قامت به اسرائيل في جباليا، البعض اعتبرها فاشلة كونها لم تكن حاسمة، في حين رأى بعض آخر، ان الحل يكمن في فك الارتباط مع غزة من خلال "بئر عميقة" تقطع قطاع غزة من قلب الكرة الارضية وتجعله جزيرة تبحر في قناة السويس نحو المحيط الهندي لتغرسه في مكان ما بين الهند وتايلند (معاريف 4/3/2008) فيما رأى المحلل العسكري لمعاريف اليكس فيشمان ان الردع لا يتحقق في عملية محدودة واحدة مهما كانت ناجحة. لدى الضحايا، الجمهور الفلسطيني، لم يجرِ أي نقاش او جدل حول ما جرى في جباليا، وفرضت ثقافة تعتبر عدد الشهداء مقياساً للانتصار، مع اننا نعتقد ان تقييم ما حدث يعتمد على الاهداف المعلنة وغير المعلنة لعملية الشتاء الساخن، ولا شك ان اسرائيل لم تنجح في تحقيق هدفها المعلن من هذه العملية: وقف الصواريخ. لكننا نعتقد ان هذا الهدف لم يكن الا في سياق الاهداف غير المعلنة للشتاء الساخن، وتتمثل اساساً في التعرف على مدى استعدادات الجانب الفلسطيني على الصمود والمقاومة، ومدى التنسيق بين أذرع الفصائل المقاتلة، وعدد المقاتلين الذين يمكن ان تزج بهم الفصائل في المواجهة، والأهم من ذلك، التعرف على الأسلحة الجديدة التي من الممكن أن تكون وصلت للفلسطينيين من خلال ثغرات معبر رفح، خاصة ان وسائل الإعلام الاسرائيلية اشارت في وقت سابق الى ان حركة حماس تسلمت أسلحة مضادة لطائرات الهليوكبتر. اسرائيل ارادت اختبار مدى وجدوى الأسلحة هذه، اذا كانت فعلاً قد تزودت بها الفصائل الفلسطينية، وكنا نعتقد منذ بداية الحملة الاسرائيلية الجديدة ان واقع سير المعركة على الارض هو الذي سيحدد مدى وزمن هذه الحملة، واعتقال عدد من المواطنين في منطقة المعارك، هدف الى التوصل لمعلومات جديدة، حول كل ما يتعلق بالمعركة. اسرائيل، ومن خلال حملتها الدموية في جباليا، ارادت ان تمهد الطريق لاحتمالات استمرار الحملة، اذا.. اذا لم تكن هذه العملية بمرحلتها الاولى ناجعة في فرض هدنة من خلال وسطاء ربما يتم من خلالها التوصل الى توافق شفهي يؤدي الى وقف الصواريخ محلية الصنع، وعلى الأرجح ان اسرائيل ستمنح بعض الوقت للتأكد من قدرة حركة حماس على ردع الآخرين عن اطلاق الصواريخ، في حال التوافق الى التوافق المشار اليه، وإلا، فإن الحرب المفتوحة لا تزال مفتوحة، وعبر ودروس المرحلة الاولى من الشتاء الساخن، ستؤخذ بالاعتبار في المراحل الدموية اللاحقة. في المراحل اللاحقة، ستضطر القوات الاسرائيلية للقتال في مناطق مزدحمة بالسكان، وهو الامر الأكثر صعوبة لدى اي جيش في العالم، ليس خشية على المدنيين، فبعد ما حدث في جباليا اظهرت اسرائيل عدم اهتمامها بهذا الامر، ولكن لأن المناطق المزدحمة بالسكان، هي مناطق مزدحمة بالمباني والأزقة، الأمر الذي يوفر للمقاومة عناصر عسكرية وأمنية للتحرك بسهولة اكبر لمواجهة الغزاة، الكر والفر، واضرب واهرب، نماذج ستكرر في المناطق المبنية والمزدحمة، بحيث تتعطل الى درجة كبيرة امكانيات تدخل الطائرات الحربية، والطوافات، والدبابات بدرجة معينة، نتيجة لتقارب الطرفين المتقاتلين، وربما سيكون اسهل على الجيش الاسرائيلي القتال في هذه الحالة ليلاً، إذ ستوفر التقنيات ومناظير الرؤية الليلية، امكانية لا تتوفر لدى المقاتلين الفلسطينيين. ولا نعتقد ان عملية واسعة تؤدي الى اجتياح غزة، يمكن ان تتم دون استدعاء الاحتياط في الجيش الاسرائيلي، إذ ان عملية من هذا النوع تفترض فتح عدة جبهات في وقت واحد، ما يستدعي أعداداً كبيرة من الجنود والاسلحة، خاصة وأن العقيدة الأمنية الاسرائيلية تنطلق من مبدأ السرعة في انجاز ما يتوجب عمله. وقد لا ترى الاوساط الأمنية في اسرائيل ضرورة لحملة برية واسعة، والاستعاضة عنها بحملة جوية متواصلة، لكن مثل هذه العملية لا يمكن ان تكون حاسمة، لكنها في ذات الوقت، ستوفر عدداً اكبر من الضحايا في صفوف الجيش الاسرائيلي، مع أعداد متزايدة من الضحايا الفلسطينيين، وقد تستخدم مثل هذه الحرب الى حين توفر عناصر الحرب البرية، من الناحيتين، الأمنية والسياسية. الحرب النفسية والإعلامية، ستكون المرتكز الأساسي، كما كانت على الدوام، في الحرب اللاحقة المحتملة، الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام عن المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال في جباليا، كانت سلاحاً مهماً، رغم اننا نعتقد انها لم تكن كافية لتحريك الجماهير الشعبية في العواصم العربية والعالمية، ليس لقصور الصورة، ولكن لقصور إعلامنا بشكل عام وتصريحات بعض القادة عن توازن الرعب والردع، وتسريبات اسرائيلية حول اسلحة تزودت بها المقاومة الفلسطينية، وإظهار ما يحدث وكأنه حرب بين طرفين متكافئين من حيث القوة العسكرية. اننا نرى ضرورة الوقوف على حقيقة مجريات المرحلة الاولى من "الشتاء الساخن"، من قبل المقاومة الفلسطينية، بهدف استخلاص العبر والاستعداد لمواجهة محتملة، استعدت لها اسرائيل جيداً!!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 5/3/2008