الصعود إلى القمة.. كيف؟ ممدوح طه مابين أول قمة عربية لإنشاء جامعة الدول العربية، تلك التي عقدت في مدينة أنشاص المصرية بدعوة مصرية واستجابة إجماعية من الدول العربية الست المستقلة عام 1944، وأول قمة عربية بدعوة مصرية واستجابة إجماعية من الدول العربية العشرين بعد غروب شمس الاستعمار الإنجليزي والفرنسي و شروق شمس الاستقلال على كل الوطن العربي عدا فلسطين.
وفي الطريق السياسي الصعب من الرياض حيث اجتمعت القمة الثالثة والثلاثين، إلى دمشق حيث يجب أن تجتمع القمة الرابعة والثلاثون العادية والاستثنائية، في ظروف استثنائية وغير عادية ستتحدد مدى قدرة القيادات العربية على تجاوز الاختبار السياسي الصعب بما يلامس مستوى القمة، وبما يعكس إرادة القاعدة الشعبية العربية في ضرورة الاستفادة من التحدي بالإصرار على تحقيق الوحدة لأنه بغير الوحدة لا يمكن تحقيق النصر، أي نصر.
هنالك أكثر من حالة وأكثر من دلالة وأكثر من نتيجة حين يتوفر الإخلاص و الشعور بالمسؤولية التاريخية لدى القيادات العربية، وحينما يتوفر لدى قائد أو مجموعة قادة من الخيال السياسي ومن حسن تقدير الموقف الإقليمى والدولي، وبرغم أية عوائق ظاهرة بما يبدو أي إنجاز هو من المستحيلات، فتصنع الإرادة والحكمة السياسية ما يمكن من الخروج من قلب الأزمات إلى تحقيق أكبر الإنجازات.
وهنا استدعى من الذاكرة العربية ظروف قمتين عربيتين رائدتين لم يكن عقدهما ممكنا في ظل معطيات إقليمية ودولية مانعة وغير جامعة، ولا كانت نتائجهما متوقعة، أشرت إلى واحدة منها بالأمس وهى القمة العربية التاريخية التي دعى إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عام 1964تحت شعار «من أجل فلسطين» للتصدي العربي المشترك للمشاريع الإسرائيلية لتحويل مجرى نهر الأردن، وانتهت رغم مقدمات الفشل بانجازات كبرى أهمها استعادة وحدة الصف العربي وتأسيس منظمة التحرير العربية والقيادة العربية الموحدة للجيوش العربية.
واليوم أشير لأول قمة عربية تاريخية على الإطلاق هي تلك التي عقدت بدعوة مصرية في أنشاص من رئيس وزرائها الراحل مصطفى النحاس عام 1944 تحت شعار «مباحثات الوحدة العربية» بينما كانت شمس الاستقلال العربية لم تشرق إلا على 6 دول عربية فقط بينما كانت بقية أقطار الوطن العربي الستة عشر لا تزال تحت الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والإيطالي.
حينها التقط مصطفي النحاس ظرفا تاريخيا مناسبا هو انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء، وفي ظل ضغط شعبي وسياسي وإعلامي عربي على المستعمرين للوفاء بوعودهم في إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال طبقا لوعودهم قبل الحرب، كما التقط إشارة سياسية بريطانية سابقة عام 41 تفيد عدم الممانعة من تحقيق درجة من درجات الوحدة للهروب من وعود الإنجليز باستحقاق الاستقلال العربي.
هذه الإشارة خرجت من قول «إيدن» وزير خارجية بريطانيا «إن حكومته تنظر بعين العطف لمطالب العرب بتحقيق نوع من الوحدة الثقافية والاقتصادية والسياسية بين البلاد العربية ».
فسارع مصطفى النحاس على الفور إلى التحرك على هذا المسار الوحدوي العربي، لكن ما يلفت الانتباه أن وجهة تحركه الأول اتجهت إلى الشام أولا وبالتحديد إلى رئيس الوزراء السوري جميل مردم، ورئيس الوزراء اللبناني بشارة الخوري حيث دعا الرجلين إلى القاهرة لبحث فكرة استراتيجية وحدوية تطرح لأول مرة هي إقامة «جامعة عربية لتوثيق عرى التضامن العربي»، ثم لقيت الفكرة ترحيبا من الأردن والعراق والسعودية واليمن.
المشاورات أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسيين، الأول يدعو إلى «الوحدة «الجزئية» وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب.
والثاني يدعو إلى «الوحدة الكلية» لعموم الدول المستقلة، وتضمن هذا رأيين فرعيين أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية تزيل الحدود السياسية وتبقى الحكومات بين الدول المعنية، والآخر يطالب بصيغة كونفدرالية وسط تحقق التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافظ في الوقت نفسه على استقلال الدول والسيادة الوطنية وهو ما رجح أخيرا في بروتوكول الإسكندرية، لتخرج إلى الوجود «جامعة الدول العربية». عن صحيفة البيان الاماراتية 21/2/2008