مؤشّرات بلدية وبرلمانية إسرائيلية حسن البطل من التعسّف بمكان اختصار الانتخابات البلدية الإسرائيلية بمؤشّرين اثنين: مؤشّر القدس، ومؤشّر الناصرة. مع هذا، سنقول إنه في القدس استعاد اليمين الصهيوني / القومي العلماني "شرفه" بفوز نير بركات على منافِسَيْه: الأصولي بورش، والمتموّل الروسي غايدماك.. هذا في حساب الأحزاب الصهيونية / العلمانية. في المقابل، نطقت صناديق مدينة الناصرة بفوز آخر وجديد لمؤشِّر الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وفاز رئيس البلدية الحالي، المهندس رامز جرايسي، علماً أن تركيبة أعضاء المجلس العامة جاءت متقاربة بين مرشّحي الجبهة والمرشحين الآخرين.. مع غلبة بسيطة للأولين. بين هذين المؤشرين الرئيسين، يستحسن أن لا نهمل نتيجة مؤشّر تل أبيب، حيث فاز خولدائي على منافسه الرئيس دوف (ساشا) حنين، مرشح الجبهة الديمقراطية، أو مرشح التحدّي، الذي جاء ثانياً في عدد الأصوات.. لكنه، مع هذا، صار عضواً في المجلس البلدي. هذا الانجاز ليس بالقليل، وبخاصة أنّ برنامج حنين كان الأحسن، بشهادة يوسي بيلين مثلاً، أحد قادة الجناح اليساري لحزب العمل - سابقاً، والقائد البارز في حزب "ميرتس" اليساري.. قبل انسحاب بيلين (وأيضاً ران كوهين) من المسرح السياسي. لعلّ كل هذه المؤشّرات، على مغزاها وأهميتها، تبقى أقلّ دلالة مما نراه المؤشّر الحقيقي لانتخابات بلدية إسرائيلية تجري، عادة، مرّة كل خمس سنوات. إنّه الإقبال الكثيف، وشبه القياسي، للصوت البلدي الفلسطيني على المشاركة في الانتخابات، بحيث بلغت النسبة العامة 80%، ووصلت في النقب إلى ال 90%، وهي نسبة تتخطى بكثير الإقبال اليهودي على المشاركة. هل أنّ مؤشّرات التصويت العامّة، وفي الوسطين اليهودي والعربي، تومئ إلى حجم المشاركة ونتائجها في الانتخابات القطرية (العامة) في إسرائيل، والمزمعة يوم العاشر من شباط / فبراير المقبل؟ لوحظ أن السيدة ليفني سارعت إلى تهنئة الفائز بانتخابات بلدية القدس، كما ونوّهت بفوز أعضاء وأنصار حزب "كاديما" ب 50 رئاسة بلدية ومجلس بلدي. من جانبه، أبدى حزب العمل ارتياحه لحصته من حصيلة الانتخابات. في الحقيقة، لا تغيير دراماتيكياً بلدياً، لولا انتزاع العلمانيين القوميين بلدية القدس من الأصوليين، وحفاظ الجبهة على رئاسة بلدية الناصرة، ومحاولة الاختراق الجبهوية للبلدية. أيضاً، لا تشير استطلاعات الرأي السياسية للانتخابات العامة لعضوية الكنيست، إلى بوادر تغيير درامي، بل تكاد تقتصر على "ذبذبة" بين فرص حزبي "كاديما" و"الليكود". أيضاً، تشير هذه الاستطلاعات ذاتها إلى ثبات عدد مقاعد الأحزاب العربية في انتخابات الكنيست المقبلة، والمؤشِّر هو ذاته، أي 10 مقاعد. هذا لا ينفي تغييرات محتملة في "التوزيع الداخلي" بين هذه الأحزاب. وكما في الانتخابات البلدية، حيث تعرضت الجبهة إلى امتحان شديد، وتحالفات مناوئة، فإن الانتخابات القطرية البرلمانية تطرح تحدياً على مرشّحي الجبهة للبرلمان، وبخاصة مع تصاعد المطالبة الموسمية بتشكيل ائتلاف حزبي عربي شامل، والمساعي المتجددة لتشكيل حزب عربي، جديد وصريح، سيطلب حصة عربية في الحقائب الوزارية الإسرائيلية، ويرفع إجمالي عدد المقاعد البرلمانية العربية في الكنيست من 10 إلى 14، أي الوصول بالقوّة التصويتية الفلسطينية إلى ما يقارب حجمها التمثيلي بين سكان إسرائيل، علماً أن الفوارق العمرية في "فتوة" الوسطين العربي واليهودي، من بين أسباب أخرى، لا تسمح للتمثيل البرلماني العربي احتلال 20% من مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعداً. دعوات التصويت القومي الصرف تشكّل إحراجاً معيناً لحزب "راكاح" والجبهة الديمقراطية، لأنها تعني "تعريب" و"فلسطنة" حزب ديمقراطي وجبهة ديمقراطية، يبقى للناخب التقدمي اليهودي حصته فيها.. مهما كانت متواضعة. بالفعل، واستجابة لمسار واقعي من حيث نسبة الأعضاء والمصوتين العرب واليهود لحزب "راكاح" والجبهة، هناك عملية "تعريب" و"فلسطنة" لقيادة الحزب ولممثليه في الكنيست. هذا المسار، مع ذلك أدى لخسارة الحزب والجبهة برلمانيين يهوداً وممتازين، مثل تمارا غوجانسكي، لأن الانتخابات القطرية السابقة لم تمنح "الجبهة" مقعداً رابعاً في البرلمان. هناك عملية ديمقراطية فلسطينية مركّبة في الانتخابات الإسرائيلية (البلدية والقطرية)، وهي تدريجية، لكنها بعيدة الأثر، والأكثر غنى ودلالات من عملية موازية تجري داخل الأحزاب الإسرائيلية، باعتبار "كاديما" حزباً هجيناً لا أصيلاً.. في الأقل، إلى أن تخطو قيادته خطوات دراماتيكية على الصعيد السياسي، الفعلي لا الكلامي، بصدد موضوعة "الحل بدولتين". عن صحيفة الايام الفلسطينية 15/11/2008