عندما قامت الثورة كان هدفها إعادة البلاد لدورها المستحق داخليا وخارجيا وسعى الجميع للعمل على إنشاء منطلق تتشكل داخله محاور جديدة تلتقي عليها التيارات السياسية المختلفة.
فالكل كان يرى ضرورة العمل لوضع تصور للإصلاحات المطلوبة في البلاد خاصة ان غالبية الشعب كانت تشكو من وجود إنهيار في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتعليمية الخ.
والمشهد السياسي الآن في مصر يحتوي على حالة من الارتباك والمفارقات الغريبة التي تسود المجتمع بكل فئاته ، فعندما كانت المشكلة في إسقاط النظام التقى الجميع على هذا الهدف وعزفت كل التيارات سيمفونية الوحدة والتآلف .
ولكن عندما بدأ العمل من اجل مرحلة البناء دخلنا في المنعطف الكبير وبرز في المشهد السياسي السلوكيات العدوانية التي تدعو لإقصاء الآخر وأصبح الخلل الآن في طبيعة العلاقة بين كافة التيارات.
وصار تحديد مفهوم العدو من الصديق يخضع لفكر الافراد ومدى الإدراك باديولوجيته وهذا بالطبع لا يصب دائما في مصلحة الوطن .
البلاد الآن تمر بظروف صعبة في ظل اوضاعها الحالية والرؤية العامة تتجه نحو سعي معظم التيارات للاستحواذ على غنيمة النظام السابق دون الالتفات لحقيقة أوضاع الشعب التي تتطلب من الجميع العمل على اصلاحها .
نسي الجميع امام مصالحهم اننا نحتاج للوقوف على ارض الواقع أكثر من السباحة في عالم الخيال !
الوضع في البلاد غير مرتب والكل يتصرف كما لو ان عجلة الإصلاح كلها توقفت على عتبة الانتخابات اولا ام الدستور اولا !
كل تيار دائم البحث عن مصلحته دون مراعاة لحقوق الأغلبية , ويخلق من الفزاعات ما يتناسب مع فكرة إقصاء الآخر حتى اننا من كثرة تكرار حديث الفزاعات بدأ الكثير يفقد الاعتبار للآخر بل سنصل في وقت وجيز الى اننا نضيق ذرعا بالرأي المخالف حتى لو كان في وجوده مصلحة البلاد .
حالة كبيرة من الجدل تهيمن على كل الفصائل وكل فصيل يسعى من اجل احتكار المشهد الإصلاحي لحسابه دون مراعاة لمآلات الأمور والمثير للدهشة ان كل الفصائل ترى انها دائما على صواب والآخر دائما على خطأ .
بينما المجتمع الصحيح هو الذي تبذل فيه الجهود من اجل استيعاب رغبة الجماهير وتوفير الامن والاستقرار لها ويستشعر فيه الجميع ان مسؤولية نجاح العملية التنموية تقع على عاتقه هو والآخر .
ونرى مشهد آخر صاخب لا يقل في صخبه عن حالة الجدل بين التيارات السياسية يدور حول الحديث عن عدم وثوق النخبة في قدرة الجماهير على اختيار قادتها !
متناسين ان هذه الجماهير هي التي يرجع اليها الفضل في تغيير اوضاع البلاد ولولاها لبقي الجميع يسبح بحمد النظام السابق .
لقد اصبنا بحالة غثيان من تكثيف النخب الليبرالية والعلمانية لخطابهم في ان الشعب غير مؤهل لاختيار قادته !
في الوقت الذي يستغل فيه البعض منهم هذا الشعب من اجل الحصول على ثقته دون وضع ادنى اعتبار لحقوقه المتمثلة في احترام رغبته في خوض الانتخابات اولا ؟
ونسيت النخبه في خطابها ان مبادئ الثورة قامت على تحرير الحقوق والطاقات لا تجميدها .
فعلا ما اشبه الليلة بالبارحة الم يخلق النظام هذه الفزاعات التي تمارسها اليوم هذه النخب !!
الم يشكك النظام السابق في قدرة الجماهير على الفهم والإدراك وهو ما تفعله أيضا هذه النخب !!
لقد اصبنا جميعا بالخيبة من كثرة البحث عن حلول ومعالجات لأوضاع سبق وأن اقرها الشعب في استفتاء عام غير مسبوق ؟
كنت اظن ان توجيه الخطاب الآن للمجلس العسكري برعاية الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي وتطبيق ما اجمعت عليه الجماهير في الاستفتاء من ان الانتخابات اولا .
هو الاولى من توجيه الخطاب له بضرورة فرض سلطاته وعدم الالتفات لرأي الأغلبية من خلال العمل على استمراره في الحكم اطول فترة ممكنة وتأجيل الانتخابات !
لا اعلم لماذا نسي الجميع او تناسوا في غمرة الأحداث المتلاحقة ان الشرعية التي يجب ان يستمدها أي تيار سياسي لابد وان تنبثق من ارادة الشعب وان الحجم الحقيقي لكل فصيل تحدده مدى قدرته على حشد الناس حوله واكتساب ثقتهم .
* إعلامي مصري مدير إدارة المصادر الإعلامية – أرابيا انفورم