شرعية القوة ولقاء أنابولس أحمد المرشد في الوقت الذي يسابق فيه الأمريكيون الزمن من أجل الإعداد للقاء أنابولس نرى الموقف العربي حياله لم يتحدد حتى الآن، اللهم سوى إبداء الترحيب المعتاد والإعراب عن الآمال في نجاحه، والخروج بنتائج ملموسة لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وإعلان دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وإذا كان العرب لم يحددوا رؤية موحدة حتى الآن فإن هذا يرجع إلى موقف الولاياتالمتحدة ذاتها صاحبة الدعوة إلى هذا الملتقى، إذ لم تبلور رؤية واضحة هي الأخرى حيال بنوده أو أجندته أو متطلباته أو حتى تحديد نتائجه المرجوة منه. ومن هنا لم تسنح للمراقبين الفرصة لإصدار أحكام عن هذا اللقاء بعد قراءة الأوراق الأمريكية قراءة متأنية تحدد ملامح نجاحه أو فشله. وأحسب أن حديث السلطة الفلسطينية عن استعدادها لتطبيق المرحلة الأولى من خطة خريطة الطريق بشكل متواز مع “إسرائيل" هو حديث انتهى أوانه. لماذا؟ لأن خريطة الطريق التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية في عام 2002 قد استنفدت وقتها منذ زمن. وكان أولى بالفلسطينيين الحديث عن المرجعيات الحقيقية لعملية السلام، وهي مبدأ الأرض مقابل السلام الخاص بمؤتمر مدريد وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وقرارات الجمعية العامة ومنها القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين. أما خريطة الطريق فهي ليست مرجعية للسلام على النحو الذي يتحدث به الأمريكيون و"الإسرائيليون" وإنما تشكل مجرد آلية لتنفيذ ما سبق وتم الاتفاق عليه بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي". وقد بدا أن الفلسطينيين وقعوا في المطب وانجروا إلى الحديث الأمريكي “الإسرائيلي" عن ضرورة تطبيق المرحلة الأولى من خريطة الطريق قبيل بدء اجتماع أنابولس. وأحسب أيضاً أن ثمة عناصر أساسية لإنجاح لقاء الخريف، وتتمثل في وقف بناء المستوطنات وإخلاء البؤر الاستيطانية والانسحاب إلى حدود ما قبل 28 سبتمبر/ أيلول ،2000 وإعادة فتح المؤسسات المغلقة في مدينة القدس علاوة على إلغاء نقاط التفتيش التعذيبية، ورفع الحصار عن المدن الفلسطينية والإفراج عن الأموال الفلسطينية المجمدة. فهذه العناصر هي مكونات أساسية وضرورية لإطلاق عملية سلام تقوم على مصداقية ورغبة حقيقية لبدء مفاوضات جادة بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، تتناول قضايا الوضع النهائي مع التمسك بضرورة تحديد جدول زمني للمفاوضات الدائمة بعد لقاء أنابولس. ونأمل من أعضاء لجنة المتابعة العربية المنبثقة عن قمة الرياض الأخيرة أن تحدد في اجتماعها المقبل والذي سيسبق اجتماع السلام الدولي أن تنسق المواقف العربية وتحدد رؤيتها بوضوح. لأن هذا الموقف سيحدد مستقبل عملية السلام بحيث لا يستفرد الأمريكيون و"الإسرائيليون" بالطرف الفلسطيني. والأمر الجيد هنا أن الطرف العربي لم يبد رغبة في الامتناع عن المشاركة في المؤتمر وإنما يأمل في إنجاح العملية السياسية وبدء مفاوضات تنتهي بتحقيق حلم الدولة الفلسطينية. وعلاوة على أهمية توفير أسباب النجاح لاجتماع أنابولس، فعلى الفلسطينيين عدم الوقوع في فخ أمريكي “إسرائيلي" آخر وهو عنصر الزمن الذي يهم واشنطن وتل أبيب معاً. كيف؟ فالأمريكيون يعزفون على عنصر الزمن، وذلك أمر مفهوم في ظل رغبة دفينة لدى جورج بوش في إنجاز اتفاق قبل أن تنتهي ولايته الثانية والأخيرة ربما يساعده على تبييض وجهه بعد مسلسل الفشل في العراق، وعلى نفس المنوال تسير “إسرائيل" على ضوء سعي رئيس وزرائها إيهود أولمرت الذي يعد الأضعف في تاريخها، لاستثمار هذه العجلة الأمريكية من أجل التوصل لاتفاق يمنح “إسرائيل" شرعيه الوجود والتطبيع مع العرب مجاناً من دون التنازل عن القدس أو الاستجابة للمطلب الفلسطيني المهم وهو تنفيذ حق العودة. وللأسف، هناك تيار مؤثر في القيادة الفلسطينية يعتقد بأهمية عنصر الزمن أيضاً في محاولة لاغتنام الفرصة المتاحة قبل مجيء إدارة أمريكية جديدة تحتاج إلى مزيد من الوقت قبل إعادة فتح ملف عمليه السلام، كما يخشى هذا التيار من احتمال سقوط أولمرت وعودة حكومة متطرفة مثل حكومة الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو التي تجاهر بعدائها للفلسطينيين ورفضها المضي قدماً في عملية السلام. وفي النهاية نقول، إن هناك احتمالات للفشل والنجاح بالنسبة لاجتماع أنابولس، والمهم هو توفر الإرادة الدولية والإقليمية الداعمة للوصول لتسوية تحقق قدراً أكبر من التوازن في الحقوق ليشعر الفلسطينيون بأن هناك ليس فقط أفقاً سياسياً بل إرادة دولية صادقة وعازمة هذه المرة على معالجة القضية الفلسطينية من منظور حل الأزمة وليس إدارتها. فالسلام ممكن الوصول إليه متى حققنا قوتنا نحن العرب، وسيظل بعيداً إذا استمر تفرقنا وتشرذمنا، لأن السلام لا يمنح أو يوهب بل ينتزع بالقوة والشرعية والتوحد، وإلا سنكون أقرب الى تسوية سياسية منها إلى سلام أكثر عدالة وواقعية في الحقوق. عن صحيفة الخليج الاماراتية 17/11/2007