هل من جدوى للحوار الفلسطيني في القاهرة؟ سمير الزين من المفروض أن يعقد الحوار الفلسطيني الفلسطيني بعد أيام في القاهرة، هل يمكن الحكم على نتائج الحوار الفلسطيني سلفاً؟ أعتقد أن الجواب، نعم، فليس هناك أي متغير فلسطيني داخلي أو إقليمي يجعل الطرفين (فتح وحماس) يراجعان موقفيهما، ويتوجهان إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي يتكرس في الواقع الفلسطيني كلما مضى عليه وقت أطول. هل هذا الجواب لسان حال التشاؤم، بالتأكيد، لا. إنه الجواب الذي توفره المعطيات الداخلية في الساحة الفلسطينية، بعيداً عن الرغبات، وبعيداً عن الخطاب السياسي الذي يحاول أن يتنصل من المسؤولية عن الأوضاع المتردية في الساحة الفلسطينية. فخطاب القوى السياسية يظهرها وكأنها ملائكة ومندهشة مما يجري، وما يعيشه الواقع الفلسطيني ليس من صنع أيديهم. وإذا كان الجميع غير مسؤول عما جرى ويجري، فمن الذي خلق الواقع الفلسطيني الداخلي وأوصله إلى ما وصل إليه؟؟!! ليس أسهل من تعليق كل المسؤولية على إسرائيل، ولكن إذا كان إسرائيل تتحمّل المسؤولية عن كل المآسي الفلسطينية، فإن الانقسام الداخلي الفلسطيني هو بشكل رئيسي من صناعة الفلسطينيين أنفسهم. تقول القراءة الباردة للوضع الفلسطيني بعيداً عن التشاؤم والتفاؤل، إن وضعاً سياسياً داخلياً جديداً ولد في الساحة الفلسطينية بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ووقوع القطيعة النهائية بين أكبر حركتين، فتح وحماس. وهو ما وضع حداً لشكل التفاعلات الفلسطينية السابقة، ولشكل إدارة الوضع الداخلي الفلسطيني بالقواعد السابقة، فالقواعد التي كانت سائدة في الماضي، والتي كانت على مقاس الرئيس السابق ياسر عرفات، قد انتهت قدرتها ودورها في حل الخلافات الفلسطينية الفلسطينية. واستمرار إدارة الوضع الفلسطيني بالطريقة السابقة، دون أخذ المتغيرات العميقة في الوضع الفلسطيني بعين الاعتبار، هو عبارة عن إدارة الأزمة من قبل الأطراف، إدارة لا تسعى إلى حل الخلافات، بقدر ما تسعى لتجميد الوضع الحالي، من أجل انتظار الفرصة للوصول إلى مكاسب جديدة. فكل طرف يعتقد أن الوضع الذي هو عليه الآن، أقلّ مما يستحق في الساحة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته لا يرى في الطرف الآخر شريكاً له في ترتيب البيت الفلسطيني، فكل طرف يعتبر نفسه الحريص على البيت الفلسطيني، ويبذل الغالي والرخيص من أجل ذلك، وأن الطرف الآخر شريك في مؤامرة لتفجير الوضع الداخلي الفلسطيني، وهو ما يخلق آلية استبعاد في واقع الممارسة السياسية، في الوقت الذي يتم الحفاظ على خطاب مصالحة شكلي، ولكنه لا فعالية له في الواقع الموضوعي. لقد رتب الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي تداعيات سلبية على الوضع الداخلي الفلسطيني، أعمق مما يعتقد البعض، كما أن هذا الانقسام لا يمكن حله بالطريقة الفلسطينية السابقة من إدارة حوار عند الحد الأدنى من متطلباته الشكلية. لقد خلق الانقسام واقعاً جديداً، واقع وجود ساحتين فلسطينيتين للتفاعل السياسي إذا صح التعبير. فلم يعد هناك جامع موحد يتم الاختلاف في إطاره، كما كان الوضع في ظل منظمة التحرير الفلسطينية، الجامع للقوى الفلسطينية رغم خلافاتها، كما ساد في السنوات السابقة على إقامة السلطة الوطنية. اليوم تفتقد الساحة الفلسطينية إلى الجامع الشامل، ومن المفارقات المؤذية في الواقع الفلسطيني اليوم، أن الطرفين الرئيسين في الصراع، قد استطاعا، كل من موقعه، أن يتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، حماس من خلال الاتفاق مع إسرائيل على الهدنة في قطاع غزة، تلتزم بها تماماً، وفتح، من خلال الاتفاق مع إسرائيل أن العلاقة معها تنحصر في الإطار التفاوضي. يبدو أن هذا الوضع غير مفهوم، فطالما أن الطرفين يستطيعان أن يتوصلا إلى اتفاقات مع »العدو«، فكيف لا يستطيعان التوصل إلى اتفاقات مع بعضهما؟! بالتأكيد المسألة أكثر تعقيداً من المقارنة مع العلاقة مع الإسرائيليين، ولكن هذه المقارنة تدلّ على مستوى اتساع الهوة بين الطرفين، وهي هوة يحتاج حلها إلى ما هو أكثر من الحوار. عندما كانت الإطراف في إطار تفاعلي واحد لم تستطع الوصول إلى توافقات تجعل الساحة الفلسطينية واحدة، لقد تم تصعيد الصراع من الطرفين وصولاً إلى الانقسام القائم في السياسة وفي الجغرافيا، وفي حال اعتبار الطرفين أن هذا الانقسام ذروة الصراع، من الممكن القول إنه من ذروة الصراع على الطرفين أن ينزلا عن الشجرة، وعلى الحريصين على الوضع الفلسطيني، أن يؤمنوا للطرفين سلم النزول، ومصر في دعوة الحوار تقدم هذا السلم. ولكن إذا لم يكن الانقسام ذروة الصراع، فإن الحوار هو مضيعة للوقت، ولأن السياسة لا تحتمل الفراغ، فإن الطرفين يديران الوقت من خلال الحوار، الذي لن يصل إلى أي مكان ولا إلى أي توافق بين الطرفين. فالصراع قي قناعة الطرفين لم يصل إلى ذروته بعد، فهو ينتظر استحقاق الرئاسة، الذي قد يكون لحظة الذروة التي تعتقد حماس من خلالها أنها ستشرعن رئيساً ينتمي إليها من خلال ما تقوله من أن فراغ الرئاسة يجعل من نائب رئيس المجلس التشريعي أحمد بحر رئيساً انتقالياً، لأن رئيس المجلس معتقل لدى إسرائيل. وهذا لا سند له في النظام الأساسي للسلطة، لأن النظام الأساسي يحدد بوضوح الحالات التي يحل فيها رئيس المجلس التشريعي في منصب الرئيس المؤقت، ليست فيها الحالة القائمة اليوم. كما أن التمديد للرئيس محمود عباس ليس له أي سند في النظام الأساسي للسلطة الفلسطينية. ومن يعتقد أن الصراع بين الطرفين هو صراع شرعيات ولو لبس لبوسها، يكون واهماً، إن الصراع في حقيقته هو صراع سياسي سلطوي وفج، والحديث أن الشرعية والقوانين التي خرقها الطرفان أكثر بكثير مما التزما بها، والكلام عن الشرعيات بالمعنى القانوني هو نوع من ذر الرماد في العيون. أعتقد أن ذروة الصراع الفلسطيني الفلسطيني لم نشهدها بعد، وهذه، كما أعتقد، قناعة الطرفين الرئيسيين، وبالتالي فليس لهما مصلحة في الوصول إلى حل توافقي في القاهرة، لذلك، ستكون القاهرة، محطة على طريق التصعيد الفلسطيني أكثر منها محطة للوصول إلى حل، هذا إذا وصلنا إلى محطة القاهرة أصلاً؟! عن صحيفة السفير اللبنانية 30/10/2008