نادرين إسرار سمرين:طرح سؤالاً في طفولته فأجاب عليه في "رجولته" تشرب حب الوطن،ومقاومة أبشع محتل عرفته البشرية.لم يجيد سوى إتقان مفردات الغضب على جلاديه،فكان منذ طفولته متفجراً بالكبرياء،ليشتق من اسمه تعابير الصمود والأمل.
المواجهة الأولى مع "جنود السواد" كانت بلكمة شديدة إلى أحدهم عندما اقتحموا بيته ،فدفع والده وأشقائه الأربعة ثمناً اعتقالياً مداه 18 يوماً.أما المواجهة الكبرى فكانت بقتله مستوطناً في العام 1992 ليتم بعد ذلك اعتقاله والحكم عليه 99 سنة و9 9 شهراً و99 يوماً. إنه ابن مدينة البيرة إسرار سمرين،الذي قضى من سنوات عمره قرابة نصفها بين قسوة السجن ولعنة السجان،فلم تفتر عزيمته أو تكل إرادته،بينما لسانه دائماً ينطق بأمل الحرية ،وحتمية تفكيك "مدفن الأحياء".
إنه الرجل الذي لم يسره يوماً أن يرى وطنه مسلوباً من جماعات مشرذمة ادعت فلسطين أرضاً وموطناً لها. انه الابن الوفي لفلسطين الذي تقيد بمبادئ الجهاد والمقاومة في الإسلام،فعندما أطلق النار صوب سيارة المستوطن وارداه قتيلاً لم يقم بالإجهاز على زوجته وطفله،انطلاقاً من عظمة الدين الإسلامي في ميادين الحرب والصراع.
كره الدم...وعشق الوطن إذن،لم يكن إسرار سمرين عاشقاً للدم،أو محباً للقتل،بقدر ما كان كارهاً ورافضاً لكل محتل غاصب لوطنه وأرضه.إنها فكرة الأصالة والكرامة التي تجذرت لدى إسرار والمتجسدة في وعيه وإدراكه في أنه كيف يكون هذا الإنسان الفلسطيني مستريح البال،مطمئن النفس وهو يرى في كل لحظة وحين،طفل يقتل،ورجل يعتقل،وعجوز يهان،وأرض تقضم،ومستعمرات تتكاثر،وشعب يقلع،وشرذمة الأمم في أرضه تستوطن.
لم يكن نضاله سوى واجب الدين والوطن والضمير... فالاحتلال هو سليل المقاومة ووقودها،فإذا انتفى الاحتلال انتفت المقاومة،وبالتالي فإن إسرائيل هي المسؤولة الأولى والأخيرة عما يحدث "لمرتزقيها" من قتل وذعر . إسرار لم يكن ككثيرٍ من أترابه الأطفال،يلهون ويطلبون المزيد المزيد من الألعاب والحلوى،بل كان منذ ريعان نشأته كثير الأسئلة عن الوطن وما جرى له من احتلال وتشريد لأهله.
فعندما كان يرافق والده وأخاه الأكبر إلى القدس ويشاهد جنود الاحتلال منتشرين في المدينة المقدسة :كان يسال ببراءة الأطفال: لماذا هؤلاء الجنود هنا؟!.وعندما كان يرافق زملاءه في رحلات إلى طبريا وحيفا ويافا وعكا كان يكثر من الأسئلة عن تلك الأماكن،وكيف أنها آلت لغير أصحابها الأصليين. قيادة وأمل هذا الأسير المناضل الذي استطاع ،وبمعية عدد من رفاقه تشكيل أول مجموعة مسلحة داخل منطقة رام الله،وأرهق العدو في كشفها لفترة طويلة،كان منذ بدايات حياته قيادياً ومحبوباً،فكان يجمع الطلاب حوله ليتجه نحو ملعب مدرسته ،وهناك يقوم بتوزيع الطلاب إلى فرق للنظافة والنظام وغيرها،مما حبب معلميه فيه.
وفي سن المراهقة تغلب طبعه الثوري الوطني على وداعته، حيث كان المدافع عن زملائه باستمرار في نزاعاتهم العفوية.كما كان بطبعه مقداما، قائداً،يستطيع بحواره مع شتى الأطراف المختلفة إقناعهم بترك الخصام،مما دفع المعلمين إلى الاستفادة من خبرته وقدرته على حل بعض الإشكالات التي كانت تحصل بين الطلبة وإدارة المدرسة،ويساهم شخصياً في حلها.
إسرار الذي تقدم إلى "التوجيهي" وحصل على تقدير تفوق، التحق بجامعة بيرزيت لدراسة علم الاجتماع،ليمكث فيها سنتين،ومن ثم ليلتحق بعالم السجن وحياة الأسرى من خلال صفقة "كان فيها هو ورفيقه موسى عزات الضحية. الحديث عن إسرار سمرين القابع في "سجن هداريم" يطول في حياته ومعتقله،فرغم السجن وما يعانيه معتقلينا إلا أن إسرار دائم الحركة،والنشاط.إسرار صامد كبقية زملائه،وجميعاً ينتظرون يوم الحرية ، وسيأتي إن شاء الله قريباً.فالسجن سيغلق والسجان سيرحل ،أما المعتقلين الأبطال فسيكونوا بيننا وبين مجتمعهم الذي أحبهم ولم ينساهم يوماً.
** مقال للصحفي محمود فطافطة مرسلة بواسطة القارئ لؤي اسمرين من فلسطين