العنصرية والانتخابات الأمريكية فوزي الأسمر العنصرية ثقافة مكتبسة وليست حالة تولد مع البشر. فالإنسان لا يولد وهو يحمل أفكاراً عنصرية، بل إن الظروف التي تحيط به والثقافة التي يتلقاها في البيت والمجتمع هي التي تطور فيه ثقافة العنصرية أو الثقافة المناهضة للعنصرية. والأمثلة كثيرة على ذلك ويمكن القراءة عنها في كثير من الأدبيات العالمية، ومشاهدتها في كثير من الأفلام السينمائية التي تتطرق أو تعالج هذا الموضوع. وللعنصرية أبعاد كثيرة لا تقتصر على نوع واحد. فهناك عنصرية ضدّ الألوان بحيث يكون اللون الأبيض للإنسان هو المتفوق والذي يصنف الناس بالسود (أو العبيد) أو الصفر أو الحمر. وهناك البعد الديني، حيث يُحارب بعض الناس بسبب انتمائهم الديني، وهناك البعد القومي حيث يعتقد الكثيرون بتفوق قومية على الأخرى. وطبعاً هناك البعد الجنسي والقصد هنا المرأة والرجل. ونلاحظ ذلك جلياً هذه الأيام في المعركة الانتخابية الجارية في الولاياتالمتحدة، والسبب في ذلك يعود إلى أنه لأول مرة ينجح شخص من الأمريكيين السود في ترشيح أحد الأحزاب الرئيسية لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو باراك أوباما. فمنذ أن دخل الانتخابات الأولية وحتى فوزه فيها، ووسائل الإعلام تطرح سؤالاً: هل أمريكا جاهزة لانتخاب رئيس أسود؟ قد يعتقد البعض أن هذا السؤال طبيعي ولا يحمل أية أبعاد عنصرية. وهذا غير صحيح. لماذا تريد وسائل الإعلام أن يقرر الشخص موقفه من أوباما على أساس لونه؟ ولماذا لا يطرح السؤال الأول حول الأفكار التي يحملها أوباما؟ أو عن الاستراتيجية التي يريد أن يتبعها في حل المشاكل التي تواجه الولاياتالمتحدة في حالة فوزه برئاسة الجمهورية، وغيرها من عشرات الأسئلة التي يمكن طرحها. السبب يعود إلى العنصرية المتأصلة في المجتمع الأمريكي. ثم أثيرت مشكلة انتماء أوباما الديني و"اتهم" بأنه مسلم. ومرة أخرى لم تتطرق وسائل الإعلام إلى مقدرته الفكرية في قيادة الدولة، وكأن الأمريكي المسلم لا يحق له أن يكون رئيساً، أو ليست لديه المقدرة الفكرية لهذا المنصب بسبب انتمائه الديني. والسبب الذي طرحته هو: هذا سيكون مفتاحا لبناتنا القبول بالزواج من رجال سود كون أن رئيسنا أسود. وتسمع الكثير من الآراء في وسائل الإعلام الأمريكية على غرار أن طريقة صلاة السود تختلف عن طريقة صلاتنا، وحتى كنائسهم تختلف عن كنائسنا. وطريقة حياتهم تختلف عنا. ويذهب البعض إلى القول إن حضارة السود في أمريكا تختلف عن حضارة البيض. وهناك من قال إن صورته لا تتماشى مع الصور المطبوعة على أوراق النقد الأمريكية، وكأن كل ذلك عوامل تشير إلى ضعف أوباما إذا ما أصبح رئيساً. هذه الانتخابات الأمريكية تشكل منعطفاً كبيراً في البُعد الاجتماعي الأمريكي. فاختيار أوباما مرشحاً للرئاسة خطوة أولى ومهمة في اتجاه هذا التغيير. ولكن من دون الخطوة الثانية، أي انتخابه رئيساً، تكون المسيرة ناقصة. وفي حالة انتخابه يمكن القول إن تغييراً أساسياً حدث داخل المجتمع الأمريكي. عن صحيفة الخليج الاماراتية 24/9/2008