المفاجأة عاطف عبد الجواد جون ماكين يتقدم، أو يزحف متقدما، في استطلاعات الرأي مقابل باراك أوباما ولم يبق على موعد الانتخابات الا حوالي شهر ونصف. هذا التقدم يأتي بالرغم من ان اوباما ورث أفضل مناخ سياسي موات ومحبذ للديموقراطيين منذ فضيحة ووترجيت في السبعينات، وهي الفضيحة التي أودت بحكم الجمهوريين في ذلك الوقت. هذا المناخ السياسي يحبذ الديموقراطيين لأسباب ثلاثة هي: رئيس جمهوري لا يتمتع بالشعبية. حرب في العراق لا تتمتع بتأييد شعبي. ثم اقتصاد متدهور في الولاياتالمتحدة. لكن فجأة، يجد الحزب الديموقراطي نفسه في عالم انقلب رأسا على عقب، يتمتع فيه الجمهوريون بقوة حركة وهم يصورون انفسهم كونهم دعاة التغيير ويقدمون مرشحهم كونه الرجل القادر على هذا التغيير ومعه مرشح لنائب الرئيس هي حاكمة ولاية الاسكا التي نجحت في بث قدر كبير من الحيوية والجاذبية في الحملة الجمهورية للرئاسة. كيف ولماذا حدث هذا التغيير في استطلاعات الرأي التي ظلت تعطي أوباما ميزة على ماكين حتى وقت قريب؟ هناك خمسة أسباب. اولا: ماكين والتغيير ثمانية أعشار الأميركيين يعتقدون أن الولاياتالمتحدة تسير في طريق خطأ. وقد بنى أوباما حملته الانتخابية على أساس أنه المرشح الذي يمثل التغيير والقادر على تحقيقه. وعلى الرغم من أن المرشح الجمهوري ماكين أمضى عقودا طويلة في وشنطن كجزء من المؤسسة السياسية القائمة، وعلى الرغم من ان الرئيس الراهن هو عضو زميل في حزبه الجمهوري، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة توضح انه نجح في تصوير نفسه كرجل يمثل التغيير كما نجح في التهام جزء من صورة اوباما كممثل وحيد للتغيير في هذه الحملة. استطلاعات الرأي تقول إن الناخبين ما زالوا يحبذون باراك أوباما لكونه الأقدر على إحداث النوع السليم من التغيير بنسبة 50 في المائة مقابل 44 في المائة لصالح ماكين. أوباما يتمتع بالنسبة الأعلى ولكن الفارق بينه وبين ماكين هبط عما كان عليه في منتصف أغسطس عندما تفوق أوباما على ماكين بفارق 16 في المائة. كانت استطلاعات أخرى في أغسطس قد أعطت أوباما تفوقا بفارق 32 في المائة. وفي الوقت نفسه نجد أن استطلاعا آخر يوضح هذا الأسبوع ان 46 في المائة من الناخبين يعتقدون أن ماكين يمكنه تغيير وشنطن مقارنة بالنسبة التي حققها في يوليو وهي 28 في المائة. أي ان اسهم ماكين في ارتفاع. ثانيا: الوسط ينتقل صوب ماكين الناخبون المستقلون ، اي الذين لا ينتمون الى اي حزب بعينه، وخاصة المستقلين البيض، ما فتئوا يميلون صوب الحزب الجمهوري منذ 1980. ولكن استطلاعات الرأي التي أوضحت في الشهر الماضي ان 40 في المائة فقط منهم يحبذون جون ماكين، وجدت هذا الشهر ان هذه النسبة ارتفعت إلى 52 في المائة. حتى بين النساء اللاتي حبذن ماكين بنسبة 7 في المائة فقط في الشهر الماضي زادت نسبة التأييد بينهن إلى 11 في المائة هذا الشهر. التقدم هنا ليس كبيرا ولكنه لا يزال يمثل مكسبا أو تحسنا للمرشح الجمهوري. وعلى الرغم من ان مرشح الحزب الديموقراطي لم يكسب ابدا أغلبية أصوات الناخبين البيض منذ الستينات، فإن اوباما لا يمكنه ان يفوز بالرئاسة بدون تأمين أصوات بعض المستقلين البيض هؤلاء. ثالثا: الهوة تضيق بشأن الوضع الاقتصادي الاقتصاد هو تقليديا العامل الأهم في انتخابات الرئاسة الأميركية. وكانت الحرب في العراق هي الأهم هذه المرة لولا ان الوضع في العراق تحسن أخيرا وفي الوقت نفسه ساءت الأحوال الاقتصادية في الولاياتالمتحدة. وهذا أعاد الاقتصاد إلى صدارة القضايا التي تحكم نتيجة الانتخابات الرئاسية الراهنة. في الأسبوع الماضي أجرت مؤسسة جالوب استطلاعا للرأي عن المرشح الأفضل لإدارة الاقتصاد. جاءت النتيجة لصالح باراك أوباما بفارق ثلاثة في المائة فقط بعدما تفوق أوباما على ماكين قبل شهر بفارق 16 في المائة. رابعا: بالين تضيق هوة حماس الناخبين استطلاعات الرأي الأخيرة توضح ان انصار اوباما ما زالوا متحمسين لمرشحهم وان نسبة المتحمسين له زادت خمسة في المائة هذا الأسبوع عما كانت عليه في الشهر الماضي. هذه النسبة اليوم هي 53 في المائة مقابل 42 في المائة من انصار ماكين الذين قالوا إنهم متحمسون لمرشحهم الجمهوري. لكن حتى مع استمرار تفوق اوباما هنا، فإن نسبة الحماس لماكين تشكل زيادة 18 في المائة. هذه الزيادة في الحماس لماكين حدثت بعد ان وقع اختياره على ساره بالين كمرشحة جمهورية لمنصب نائب الرئيس. الديموقراطيون مستمرون في انتقاد بالين لعدم خبرتها في السياسة الخارجية. ولكن انظر ماذا يقول الناخبون؟ 36 في المائة من الناخبين يعتقدون ان حاكمة ولاية آلاسكا ساره بالين عديمة الخبرة بالسياسة الخارجية، ولكن 47 في المائة منهم يقولون الشيء نفسه عن المرشح الديموقراطي باراك أوباما. خامسا: عدد الديموقراطيين والجمهوريين عدد الناخبين الجدد الذين سجلوا انفسهم في صفوف الحزب الديموقراطي نما نموا كبيرا في عام 2007 واستمر في النمو بفضل الحماس الذي ولده المرشح الديموقراطي اوباما بين الشباب. في الوقت نفسه هبط عدد الناخبين الذين سجلوا انفسهم مع الحزب الجمهوري في الفترة الزمنية نفسها. قبل شهر قال 37 في المائة فقط من الناخبين انهم يميلون نحو الحزب الجمهوري ، ولكن هذه النسبة زادت هذا الاسبوع إلى 47 في المائة. وفي الوقت نفسه فإن نسبة الناخبين الذين يميلون نحو الحزب الديموقراطي انخفضت هذا الأسبوع من 53 في المائة الى 47 في المائة. وهذا يشكل تعادلا بين الحزبين. مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية في الرابع من نوفمبر فإن هناك مفاجأة لا مفر منها، وهي ان الفائز كان أثناء الحملة الانتخابية يحمل اسم: المستحيل. أوباما كان مستحيلا كونه رجلا أسود في مقتبل العمر والحنكة السياسية قفز إلى الأضواء. وماكين كان مستحيلا كونه قليل المال والتنظيم، كبير السن، قفز من ظلال جورج بوش السوداء. عن صحيفة الوطن العمانية 16/9/2008