بعد تضاؤل وربما انعدام فرص إيجاد تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، وفشل المفاوضات المباشرة، التي كان يعول عليها الرئيس أوباما وإدارته، اتجهت الأنظار مباشرة إلى لبنان، بلد المتناقضات السياسية، التي قد لا تجدها في أي قطر آخر بالعالم.
بل لن نبالغ إذا قلنا أن لبنان خلق لنفسه حالة خاصة في علم السياسة الدولية، فذلك البلد الذي لا تتعدى مساحته الأربعة آلاف ميل مربع، أصبح مركز أزمات منطقة الشرق الأوسط، ومنبع حلها، وخُص لبنان بميزة فريدة ربما لم تشهدها السياسية الدولية من قبل.
فلبنان البلد الوحيد الذي قد يتأثر ويؤثر أيضاً بمشاكل وأزمات كثير من بلدان العالم الأخرى، وقد لا نبالغ أيضاً إذا قلنا أن الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان قد تتأثر بحادثة انهيار منجم النحاس على عامليه بتشيلي، وقد تتأثر أيضاً بفيضات باكستان المدمرة، تلك هو لبنان بلد المتناقضات والمفارقات!
فها هو النظام الإيراني حمل كل ما يواجه من أزمات مع الغرب حول برنامجه النووي، وبعدما اشتدت الضغوطات الاقتصادية، والتي بدأت بحسب محللين ومراقبين تؤتى أوكلها سريعاً وعلى غير المتوقع.
فقد بدأت أوساط إيرانية "محافظة" لها ثقلها تحذر نجاد ونظامه من إمكانية أن يفجر غضب الشعب الإيراني، من محاولات الحكومة الإيرانية إيجاد سبيل لتخفيف تأثير العقوبات الأممية والأحادية على الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني في الأساس من وضع صعب، حتى لو كان ذلك على حساب مستلزمات الشعب الأساسية.
ومن هنا لم يجد نجاد بيئة صالحة تستقطب أزماته الخارجية والداخلية غير لبنان، هو يريد أن يقول أن بلاده ليست معزولة وأن لديها أصدقاء، أو بالأحرى فروع أو أطراف.
فلبنان ليس كله "حزب الله"، ويريد نجاد بالتأكيد أن يبعث برسالة إلى إسرائيل وأمريكا بأن فرعه القوي في لبنان جاهز في أي وقت من أجل الدفاع عن إيران بأي السبل الممكنة.
حاول الرئيس الإيراني استمالة النظام الرسمي في لبنان في مواجهة أمريكا، عن طريق الإعلان صراحة عن استعداد طهران لتسليح الجيش اللبناني، بيد أن لبنان الرسمي رفض العرض.
فبيروت الرسمية تدرك تماماً أن ذلك سيزعج واشنطن كثيراً، وإن الوقت ليس مناسباً لخلق عداء جديد تكون الولاياتالمتحدة أحد أطرافه، وإن أبقت باب إمكانية تسليح إيران للجيش اللبناني موارباً، وذلك بحسب تصريحات السفير الإيراني في لبنان غضنفر ركن ابادي.
الولاياتالمتحدةالأمريكية حاولت من خلال زيارة جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط عقب زياره نجاد مباشرة، حاولت إجهاض ما توصلت إليه الرئيس الإيراني، وأن ترسل رسالة أيضا للأطراف المعنية، خاصة إيران وسوريا، بأن وجودها مازال قوياً في لبنان.
وكيف لا تكون واشنطن، بما تملكه من قوي، أكبر مؤثر في بلد مثل لبنان، أصبح كحجر المغناطيس، الذي يتميز عن أقرانه من الأحجار الأخرى بإمكانية استقطاب كل شيء، وإن أمكن حتى الهواء.
أكد فيلتمان خلال زيارته للبنان دعم الإدارة الأميركية للمحكمة الدولية الخاصة بمعاقبة الضالعين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مشددا على أن «المحكمة قائمة، ويجب ان تستمر بعملها، وهي لن تتوقف». كما أكد على استمرار تقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني.
حاولت كل من السعودية وسوريا الدخول على الخط، في محاولة لكليهما الإبقاء على حجم نفوذه في لبنان، فقد كانت النقطة الأساسية التي بحثها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض مع الرئيس السوري بشار الاسد هي كيفية تحجيم الخلافات في لبنان بين رئيس الحكومة سعد الحريري والمعارضة وفي مقدمتها حزب الله، حول المحكمة الدولية.
تشير زيارة نجاد لبيروت وما تبعها من زيارات داخلية وخارجية إلى أن الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في لبنان أصبحت محكومة بمعادلة مركبة أطرافها إيران والسعودية وسوريا.
فضلاً عن الدور الذي تقوم به الولاياتالمتحدة، التي تدرك تماماً الوقت المناسب، الذي يمكنها أن تعيد صياغة نتيجة المعادلة السابقة، بما يتوافق مع مصالحها وحليفتها إسرائيل في المنطقة.
اللافت في الحراك السياسي الذي شهده لبنان أخيرا غياب مصر أحد أهم الأقطاب العربية، وما يسمى بدول "الاعتدال العربي"، ربما لذلك أسباب تتعلق بتراجع دور مصر الريادي في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة.
في النهاية تبقى مصالح كل طرف من أطراف المعادلة اللبنانية هى المحرك الرئيس لها، بينما يبقى لبنان هو الخاسر الأكبر، فكل تلك الزيارات لن تزيد الرفقاء اللبنانيين إلا تكريسا للانقسام الحاصل بينهم.