حول استراتيجية التفاوض الفلسطينية د. عبد المجيد سويلم لم أسمع ان المستويات السياسية الرسمية قامت في يوم من الأيام بمراجعة جدية لاستراتيجية التفاوض الفلسطينية منذ مباحثات اوسلو وحتى يومنا هذا، وما سمعته وسمعه كل المهتمين والمراقبين هو انه كان يجري في مراحل معينة وفي لحظات معينة من هذه المراحل استبدال هذا الشخص بذاك او ربما اتجاه في الفريق باتجاه آخر، ولم أسمع كذلك ان هذا الاستبدال قد تم في ضوء دراسة التجربة او تقييم الانجازات والاخفاقات ولم يتسن لي واعتقد انه لم تتسن لغيري من المهتمين معرفة الاهداف والدوافع التي كانت تقف وراء هذه الاستبدالات مع أن التقديرات كانت في حينه تتراوح بين الاستجابة المباشرة لطلبات خارجية وبين درجة الانضباطية والكفاءة بالنسبة لصاحب القرار الرسمي الفلسطيني، ولكن وفي كل الاحوال لم تخضع العملية إلى أية مراجعة او تقييم شامل أو إلى استخلاصات مدروسة من واقع التجربة ومن واقع النتائج. لقد مررنا حتى الآن بأكثر من خمسة عشر محطة تفاوضية رئيسية وبأكثر من 90 محطة تفاوضية فرعية برعاية دولية او بتشجيع اقليمي، ونذكر على سبيل المثال مفاوضات تشرين الاول 1991 في مدريد، ثم 13 ايلول 1993(اتفاقية اوسلو)، ومفاوضات 1995 في واشنطن، ثم واي ريفر 1998، ثم شرم الشيخ 1999، ثم كامب ديفيد 2001، ثم طابا، ثم عدنا إلى المفاوضات التي فرضت علينا أثناء حصار الرئيس الراحل ثم دخلنا في مفاوضات خارطة الطريق ثم تعايشنا مع مفاوضات القمة التي تتكرر بمعدل مرة واحدة أو مرتين في الشهر الواحد. نعم لقد مررنا حتى الآن بعشرات التجارب التفاوضية ومن المفترض أن الطواقم الفلسطينية أصبحت لديها الآن خبرة لم يكتسبها أي فريق مفاوض في العالم وذلك بالنظر إلى حجم المشكلات وطول الفترة الزمنية وبالنظر الى النتائج المأساوية التي تمخضت حتى الآن عن هذه التجارب التفاوضية، فهل هذا كله (أي الخبرة الطويلة في المفاوضات) لم يسمح لنا بعد باجراء أي مراجعة لاستراتيجيتنا التفاوضية وهل يعكس هذا الامعان في عدم خوض تجربة المراجعة والتقييم تزكية لنتائج المفاوضات أم لكفاءة المفاوضين؟؟ لماذا علينا ان نذهب إلى مؤتمر الخريف دون ان نجري مثل هذه المراجعة والتقييم؟؟ وما الذي يمنع ذلك اصلاً طالما اننا نثق بفريق التفاوض وطالما اننا نثق باستراتيجية التفاوض وطالما ان تجربتنا غنية ومريرة وطالما ان فريقنا المفاوض قد اكتسب على مدى زمني طويل جداً خبرة كافية!!؟ واذا كنّا ندرك الاهداف والاستهدافات الاسرائيلية من المفاوضات وخصوصاً السعي الدؤوب والحثيث والدائم لتغيير قواعد المفاوضات من الشرعية الدولية إلى شرعيات جديدة تحت مسميات مختلفة، فكيف نفسّر خروج المفاوضات عن مسار الشرعية الدولية في وثيقة أبو علاء بيريس، ثم نسيبة ايالون، ثم وثيقة جنيف، وكيف نفسّر قبولنا بخارطة الطريق بالرغم من تحفظ اسرائيل على مضمونها الرئيسي من خلال الاربعة عشر بنداً الشهيرة، والتي وافقت عليها الولاياتالمتحدة ضمناً عندما اعلنت انها (اي الولاياتالمتحدة) ستأخذ التحفظات الاسرائيلية بعين الاعتبار عندما تطرح الخارطة المذكورة للتطبيق العملي؟؟؟ الا تستحق هذه التجربة على سبيل المثال مراجعة وتقييماً لقواعد وضوابط الاستراتيجية التفاوضية الفلسطينية؟؟ ثم اذا كنا ندرك ان احد اهم الاستهدافات الاسرائيلية، من المفاوضات الوصول إلى تسليم فلسطيني مسبق بالأمن الاسرائيلي فماذا عن الأمن الفلسطيني، الا يعود الضعف في اطروحتنا حول هذه المسألة بالذات إلى كوننا قد قبلنا عملياً وسلمنا مسبقاً وواقعياً بأن أمن الاحتلال هو المقصود الرئيسي بالأمن الاسرائيلي؟ وكيف يمكن ان يكون أمن الاحتلال جزءاً من الأمن الاسرائيلي الاّ اذا كانت الاراضي التي يسيطر عليها هذا الاحتلال هي اراضٍ متنازع عليها وليس مسلماً بكونها اراضي محتلة!!؟ الا يكبل هذا المفهوم كامل المنظومة التفاوضية الفلسطينية ويحولها إلى استراتيجية تبريرية اكثر من كونها استراتيجية عملية وفعالة وحقيقية!!؟ ثم أليست سياسة اسرائيل بالنسبة للمستوطنات والجدار والطرق الالتفافية والحواجز وغيرها وغيرها تهدف بصورة واضحة ومحددة لتقطيع الأوصال ومنع قيام الدولة الفلسطينية ثم أليست سياسة العزل للقدس وسياسة الفصل بين المناطق والاقاليم تهدف إلى خلق كيانات مبعثرة يتخللها الاحتلال والاستيطان ويضعها دائماً تحت "رحمته" المباشرة!!؟ الجواب معروف والاهداف واضحة بل ومعلنة فمن أين تنطلق استراتيجيتنا التفاوضية؟ هل عن كون هذه السياسات سياسات قابلة للتقنين والتخفيف أم من كونها سياسات معادية لكل تطلعاتنا واهدافنا الوطنية؟ وبالتالي هل سنحقق اهدافنا عبر التفاوض على درجة تأثيرها علينا أم نتفاوض على كونها سياسات تنسف اية امكانية للتفاوض في ظل وجودها وبقائها؟؟ وبعبارة أخرى هل سنتفاوض على استقلال مشروط أم على احتلال مقنن؟؟ الفارق بين الحالتين كبير وجوهري، وافهم ان استقلالنا سيكون مشروطاً، وافهم ان الشروط ستكون مؤقتة، وافهم ان الشروط مهما كانت ظالمة الا انها زائلة مع توطد العملية الاستقلالية، أما الاحتلال المقنن فهو النفي المباشر لأي استقلال وهو شرعنة للاحتلال بغض النظر عن درجة التقنين. وأخشى ما أخشاه ان الاستراتيجية التفاوضية الفلسطينية لم تعرف دائماً الفرق الجوهري بين المسألتين، كما أخشى ان المفاوض الفلسطيني ربما اعتبر ان المسألتين هما وجهان لعملة واحدة وان الفارق بينهما هو فارق هش وربم انه شكلي ليس الاّ. ليست هذه الاّ مجرد ومضات حول مسألة المفاوضات بمناسبة الاعلان عن اسماء فريقنا المفاوض وبمناسبة حضور هذا الفريق أو اغلبيته اللقاء الذي جمع يوم امس، رئيس الوزراء الاسرائيلي مع الرئيس أبو مازن. ما نريده من فريقنا المفاوض هو المراجعة والتقييم، ما نطمح اليه هو تحديد الأسس والمبادئ والمنطلقات وما نسعى اليه هو إدراك الاستهدافات الاسرائيلية والاميركية من المفاوضات الجارية والقادمة ومن محطة مؤتمر الخريف ليس بهدف الظهور بمظهر المتطرف أو المخرب أو السلبي وانما بهدف تحويل الاستراتيجية التفاوضية إلى أداة فعالة من أدوات الكفاح الوطني، وليس عبئاً على هذا الكفاح وبهدف تحويل الاندفاع الوطني من عملية عشوائية إلى عمل سياسي منظم يحدث اختراقات دائمة في جدار الاستراتيجية الاسرائيلية ويمنعها من التقدم واحراز النتائج التي نصبو اليها. صحيح ان المفاوضات لا تحدث من الواقع نفس درجة ما يحدثه الواقع في المفاوضات الاّ أن دور المفاوضات مع ذلك يعتبر دوراً مهماً على كل حال، والمفاوض المحنك هو الذي يعوض عن النقص الحاد في التوازن الفعلي على الارض بالمفاوضات الجادة والمدروسة والتي تستند إلى الدعم الوطني والالتفاف الشعبي، والمراجعة واعادة التقييم هي الطريق الاقصر للحصول على هذا الدعم والالتفاف. عن صحيفة الايام الفلسطينية 4/10/2007