الملحمة في الشعر الاصطلاحي الادبي تطلق على قصائد اتسمت بالحديث عن الابطال . وتعتمد على الخيال الواسع وتصور بطولة المتحاربين وتتميز بالطول . وتحكي قصص الاحداث التاريخية . وهي تعتمد على قدرة الشاعر بأحتواء ملحمته وصفا دقيقا او سردا تاريخيا وخيالا واسعا على انجاز مثل هذه الاعمال الادبية . لقد عدّ ابو زيد القرشي صاحب كتاب ( جمهرة العرب ) سبعة من الشعراء عدّهم من شعراء الملاحم وهم ( الفرزدق وجرير والاخطل وعبيد الراعي وذو الرمه والكميت والطرملح ) وفي تلك العصور الاسلامية حصلت محاولات للمطولات كانت تدور اكثرها على الحروب التي حصلت ، مثل حروب العرب الاتدلسيين مع الاسبان والاحداث التي وقعت ايام الفتنة بين الامين والمأمون ونكبة البصرة على يد الزنج ونكبة بغداد على يد هولاكو وغيرها الكثير .... وكانت عدد ابيات هذه الملاحم والمطولات بين الاربعمئة بيت والخمسمئة . اما في العصر الحديث فقد صدحت قرائح الشعراء بأروع ما قيل ، وضرب لنا الشاعر عبد المسيح الانطاكي في علويته مثلا ناجحا على قدرة الشعر لأستيفاء هذا التراث . فكانت ملحمة لا ينقصها شئ سواء بطولها او تصويرها للوقائع والاحداث التاريخية ، فقد قاربت عدد ابياتها نحو ستة آلآف بيت ( 5995 ) . استخدم فيها بحرا واحدا وقافية قلما تكررت . ارخ فيها صدر الاسلام وقد فصّل فيها فضائل الامام علي ( عليه السلام ) وابرز بطولاته وكذلك حكمه واقواله وحياته الى يوم استشهاده على يد الشقي بن ملجم . وهي اطول قصيدة في لغة العرب على الاطلاق . وكان للشاعر اللبناني بولس سلامه ملحمة شعرية جميلة وهي ملحمة ( الغدير ) تتناول اهم النواحي للتاريخ الاسلامي وخاصة الهاشميين والعلويين منذ ولادة امير المؤمنيين الامام علي ( عليه السلام ) الى احداث كربلاء الدامية المأساوية . كانت لهذه الملحمة صدى واسع في العالم الاسلامي وهي من ثلاثة آلآف بيت . وتعد ارجوزة الشاعر احمد شوقي ( دولة العرب وعظماء الاسلام ) التي بلغت 1726 بيتا من الملاحم الشعرية الرائعة ابتدأها من ولادة السول العربي الاكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ) الى آخر الدولة الفاطمية وكتبها ايام نفيه في اسبانيا . وكذلك نظم الشاعر عامر محمد بحيري ملحمته ( امير الانبياء ) نشرت عام 1954 م تناول فيها حياة النبي الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم ) من مولده الشريف الى وفاته ، وتقع في الف ومئتين بيت وكانت على بحر الوافر ... والتزم في كل عشرة ابيات رويا واحدا . وكانت له ملحمة أخرى صور فيها الاحداث السياسية التي مرت بها مصر وتقع في الفين واربعمئة بيت على البحر الكامل وتعددت فيها القافية . اما شاغرنا الكبير الزهاوي فقد كانت له ملحمة شعرية عنوانها ( ثورة في الجحيم ) تناول فيها حياته بعد الموت وكيف يسأل في القبر ثم يصف اخذه الى الجحيم ووصف الصراط . وهناك مطولات وملاحم كثيرة منها قصيدة الرصافي في نكبة بغداد وقصيدة سامي البارودي في مدح الرسول الاعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) وكذلك قصيدة عبد الرزاق الهاشمي صوّر فيها بطولات وشجاعة الثوار في ثورة العشرين المباركة وللشاعر أيوب عباس ملحمة تناول احداث قيام الجمهورية العراقية وسقوط الملكية .... وملحمة ( الحرب المقدسة ) للشاعر محمود محمد صادق صوّر فيها حرب فلسطين وغيرها . ان صدور المطولات والملاحم جاءت بسبب الاحتلال الانكليزي لبلاد العرب وكذلك الدول الاستعمارية الاخرى لنشر دروسا في الوطنية والعزة القومية ونشر الوعي الاسلامي وأحياء لأمجاد الامة العربية وأذكاء الروح الثورية في نفوس الاجيال واستنهاض الهمم . فأين نحن من ذلك ايها الشعراء ... ايها المنادون بالحداثة وطمر الموروث التراثي الثر ؟ !! هيا شمروا عن سواعدكم وانشروا قصائدكم الملحمية لشحذ الهمم .... لنكون خير خلف لخير سلف. المصادر كتاب تاريخ الشعر العربي الحديث. ** العراق بغداد