لماذا الاقتراب الروسي من الشرق الأوسط؟ د. محمد بن هويدن تحاول روسيا جاهدة العودة إلى الشرق الأوسط ولعب دور أساسي في شؤون المنطقة من خلال زيارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كل من مصر وإسرائيل في عام 2005 والسعودية وقطر والأردن في فبراير من عام 2007 ومن ثم الإمارات في هذا الشهر.
تحركات بوتين هذه لم تكن عادية على الإطلاق بل جاءت مع موجة الاختلافات السياسية بينها وبين الولاياتالمتحدة حول قضايا مختلفة لاسيما أبرزها التوسع العسكري الأميركي لمناطق من المفترض أن تعتبر مناطق نفوذ روسية كمنطقة دول شرق أوروبا ومنطقة آسيا الوسطى والهند والسعي الأميركي للهيمنة والانفراد بشؤون العالم.
فالولاياتالمتحدة نجحت في التقرب إلى تلك المناطق من خلال الناتو والعمل على إقامة مشروع الدرع الصاروخي ومن خلال التعاون النووي ومن خلال استخدام القوة العسكرية.
فما كان أمام بوتين إلا أن يواجه واشنطن بذات السياسة ويحاول أن يتقرب إلى الدول الحليفة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يفسر لنا زياراته إلى الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، محاولاً استثمار توجه بعض الدول العربية شرقا من أجل التقليل من اعتمادها على الولاياتالمتحدة بشكل خاص والغرب بشكل عام.
لم تكن روسيا صاحبة سياسة واضحة وقوية في منطقة الشرق الأوسط في فترة الخمس سنوات الأولى من استقلالها؛ إلا أنها بدأت بعد ذلك في الاهتمام بالمنطقة ولكن بشكل لا يخالف النهج الأميركي لاسيما بعد تضرر الولاياتالمتحدة من جراء ضربة الحادي عشر من سبتمبر ورغبة روسيا في الحصول على الدعم الأميركي من أجل مواجهة تمرد الشيشان.
لكن الأمر اختلف بشكل واضح بعد قيام الولاياتالمتحدة باجتياح العراق عام 2003. فقد بدأت روسيا بالبروز في المنطقة كصاحبة دور سياسي، حيث بدأت تشعر بأنها لا تود فقدان دول الشرق الأوسط لصالح الولاياتالمتحدة وخاصة في ظل التعاون النووي لروسيا مع إيران التي تنظر إليه الدول الشرق أوسطية بعين الشك من أن يؤدي هذا التعاون إلى امتلاك إيران السلاح النووي.
فمن أجل تخفيف تلك المخاوف من ذلك التعاون النووي الروسي مع إيران أقدم الرئيس بوتين على زيارة دول الشرق الأوسط بهدف طمأنتها على مستوى تعاون روسيا مع إيران. ولتحقيق ذلك الهدف أقدم الرئيس بوتين أثناء زيارته للسعودية على الإعلان عن نية بلاده تقديم المساعدة للدول الخليجية في الحصول على برنامج نووي سلمي.
صحيح أن الرئيس الروسي يحاول إدخال روسيا على خط المنافسة مع دول أخرى في مجال الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط - لاسيما بعد أن أعلنت دول الخليج العربية وكذلك الأردن رغبتها في دخول هذا المجال- من أجل تحقيق الربح المادي، إلا أن الرغبة في تقديم العون الروسي لدول المنطقة في هذا المجال كان أيضا من أجل تقوية العلاقة مع روسيا وإبعاد الدول الخليجية عن هاجس التخوف عن نوايا التعاون النووي الروسي- الإيراني.
ولم تتوقف الدعوة الروسية إلى الاقتراب إلى العالم العربي من خلال رغبتها في تقديم الدعم في المجال النووي بل إنها أعلنت استعدادها بيع دول المنطقة مجموعة من الأسلحة الروسية المتطورة، والمساعدة في نقل تكنولوجيتها إلى دول المنطقة.
هذا بالطبع يأتي في سياق ثلاثة عوامل أساسية: الأول، الرغبة الروسية في أن تكون شريكا عسكريا مع دول المنطقة لكي لا تترك المنطقة في بوتقة السيطرة الأميركية فقط، ثانيا، الرغبة في التقليل من الهواجس الشرق أوسطية من استمرار تقديم روسيا لأسلحة متطور إلى إيران؛ وثالثا، الرغبة في جني العملة الصعبة من منطقة الخليج بالذات التي استطاعت في السنوات الأخيرة أن تحقق عوائد عالية من جراء ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية.
فزيارات بوتين لدول المنطقة لم تأت من دون أن يكون في جعبتها عروض عسكرية مغرية للدول الخليجية بالذات، ولعل ما يفسر لنا ذلك هو قيام الولاياتالمتحدة بعد زيارة بوتين للسعودية بفترة بتقديم برنامجها لتزويد دول المنطقة بما قيمته ثلاثة وستون مليار دولار من الأسلحة الأميركية تحصل من خلالها الدول الخليجية على ما قيمته عشرون مليار دولار أميركي من مجموع الصفقة، وهي التي يمكن اعتبارها أنها جاءت بدرجة ما من أجل إبعاد الدول العربية عن السلاح الروسي.
كما أن زيارات الرئيس الروسي إلى الدول العربية إنما جاءت إيمانا منه بأهمية مثل تلك الدول في التأثير على مجريات الأمور في المنطقة. فالسعودية اليوم ومعها الإمارات وقطر أصبحت تلعب دورا قياديا في شؤون العالم العربي وبطريقة أكبر عن ما كانت عليه في الماضي؛ والسعودية والإمارات هي أعضاء مع مصر والأردن في اللجنة العربية الرباعية لمتابعة موضوع الترويج للمبادرة العربية. وبالتالي من الطبيعي أن تسعى روسيا إلى التقرب إلى مثل هذه الدول.
ففي مجال التسوية في منطقة الشرق الأوسط أصبحت هذه الدول مبادرة ونشطة في دفع عملية التسوية وفقا للمبادرة العربية. وباعتبار أن روسيا عضو في الرباعية الدولية المضطلعة في النظر إلى قضية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإن الدور لمثل هذه الدول العربية أصبح حيوي ومهم من أجل تحقيق تقدم في هذا المجال، فروسيا تنظر برغبة نحو تأسيس نفوذ لها في المنطقة من خلال لعب دور فاعل في مسألة التسوية في المنطقة.
صحيح أن روسيا شأنها كشأن دول العالم الأخرى تهتم كثيرا بقضايا الاقتصاد والتجارة مع العالم الخارجي إلا أننا نرى أن زيارات الرئيس بوتين إلى المنطقة العربية لم تكن بدوافع اقتصادية قدر ما هي في الأساس تقودها دوافع سياسية من أجل تحقيق الأهداف الروسية السالفة الذكر في المنطقة والتي تعتبر عنوان المرحلة القادمة في السياسة الخارجية الروسية تجاه المنطقة. عن صحيفة البيان الاماراتية 16/9/2007