الحائرون في أمر دبلوماسية السفيرة الأمريكية عاطف الغمري منذ لحظة وصول مرجريت سكوبي إلى القاهرة سفيرة لبلدها أمريكا، وهي تثير حيرة البعض، لتعدد مرات خروجها من السفارة إلى الشارع، وتنوع الذين تلتقي بهم من مسؤولين ومواطنين. وربما تكون الحيرة قد بدأت منذ جولات السفير الذي سبقها ريتشاردوني، وجولاته المثيرة ومنها زيارته طنطا في مناسبة مولد السيد البدوي، والملاحظ كثرة التساؤلات الحائرة لدى البعض عن جولات السفراء الأمريكيين، وهو ما يدفع إلى إعادة التذكير بأشياء توضح أن ما يجري ليس سلوكاً اختيارياً من السفير، كل حسب ما يراه وما يتفق مع شخصيته، لكنه تحول أساسي عن الدبلوماسية القديمة بشكل وممارسات جديدة، وضعتها لهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، بعد سنة من توليها منصبها. صحيح أن السفراء السابقين لم يكونوا متشابهين، فلكل منهم طريقه، لكن في حدود الالتزام بأهداف سياسة حكومتهم الخارجية، وكان بعضهم يميل بحكم ثقافته واطلاعه المسبق على المنطقة وتاريخها، ومعرفته بلغتها، إلى الخروج إلى الشارع، والاختلاط بالمجتمع، لكن لم يكن ذلك القاعدة بل الاستثناء. مثلاً فرانك ويزنر الذي كان سفيرا في القاهرة في الثمانينات ويجيد العربية، كان معتادا على النزول إلى أحياء القاهرة والتحدث مع الناس. وكان ريتشارد باركر الذي كان دبلوماسياً في القاهرة في الستينات يقضي سهراته في مقاهي الحسين، والتجول في الأحياء الشعبية، حتى ان بعض ما اكتسبه من عادات ظلت معه بعد عودته إلى واشنطن، واعتزاله العمل الدبلوماسي.. وأذكر أنني حضرت له ندوة كان يتحدث فيها في نادي الصحافة القومي في واشنطن، وكان يتحدث عن رحلة وشيكة لوزيرة الخارجية مادلين أولبرايت إلى الشرق الأوسط، فقال عبارة الست أولبرايت.. هكذا بلفظ الست باللغة العربية، مع أن جمهور الحاضرين كانوا في غالبيتهم أمريكيين. والتحول الذي تسير عليه سكوبي ملتزمة بخطوطه المحددة لها، أعلنته كوندوليزا رايس يوم 18 يناير/ كانون الثاني ،2006 في محاضرة لها بجامعة جورج تاون، ووصفت فيها التحول في أسلوب عمل الدبلوماسي الأمريكي بأنه جزء من استراتيجية جديدة، وإضافة مهام جديدة للدبلوماسية، تتجاوز ما استقر عليه العرف والتقاليد، في إدارة علاقتهم المباشرة بالسلطات في الدول المعتمدين فيها. ومن بين هذه المهام الجديدة: تعامل الدبلوماسي مع الشعوب في الخارج وإدارة برامج داخلية، والاتصال المباشر بالمواطنين، ومساعدة المواطنين في هذه الدول، على دعم حكم القانون، ومشروعات الأعمال، وإصلاح التعليم، وتحسين الصحة، والمساعدة على تحول الدول النامية إلى الديمقراطية، وتأمين الحرية للشعوب، ومكافحة الإرهاب. وحتى رايس نفسها لم تكن تبتدع مفهوماً جديداً للدبلوماسية، بل هي استلهمت هذا التحول، من استراتيجية الأمن القومي الجديدة، التي أعلنها البيت الأبيض في 20 سبتمبر/ أيلول ،2002 وعرفت باسم مبدأ بوش، وهي التي ربطت أمنها القومي بأوضاع داخلية في دول المنطقة، وعهدت إلى السياسة الخارجية بأداء مهمة حماية الأمن القومي في التعامل مع هذه الأوضاع. وهنا ينبغي عدم الإفراط في التوقعات بافتراض أن التحول الذي لحق بالدبلوماسية يمكن أن يتغير كله بعد رحيل بوش عن البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني ،2009 لأن المناخ السياسي بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول أوجد مفاهيم جديدة ستظل تشكل بعض جوانب السياسة الخارجية ودبلوماسيتها لسنوات مقبلة. فقد استقر لدى النخبة وكذلك الرأي العام، أن أمنهم القومي، قد أصبح يتأثر بأوضاع داخلية يسمونها غياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان، وهذا الربط لا يزال قائماً وسيستمر، وصارت متطلباتهم للاتصال بالداخل وبالمجتمع، جزءا من إدارة الدبلوماسية ودورها. ولعلنا نذكر أن السفيرة سكوبي، من قبل مجيئها إلى القاهرة، لتسلم مهام منصبها، كانت قد أثارت ردود فعل سلبية بسبب ما تحدثت به في جلسة استماع بالكونجرس، عن أوضاع داخل مصر، أما بعد وصولها إلى القاهرة، فقد ألبست لغتها ثوب الدبلوماسية التقليدية، وراحت تخفف من عباراتها التي أثارت ردود الفعل هذه، بل إنها أزاحتها تماماً عن لغتها. لكن الحقيقة أنها في واشنطن كانت تتحدث إلى أعضاء الكونجرس الذين يحكمهم منطق فهمهم للأمن القومي لبلادهم، فتحدثت لهم بلغتهم، لكنها قد تسلمت عملها هنا فهي تدرك أنها لا بد أن تقول ما يحسن أداءها لعملها، ويدعم علاقات البلدين، لكن في النهاية وحين تخرج إلى الشارع وتلتقي بنوعيات مختلفة من المواطنين، فهي تمشي على الخطوط المحددة لها، والتي تحولت بها وظيفة السفير، والتي وضعتها كوندوليزا رايس قبل سنتين ونصف السنة. عندئذ لا يكون في ممارسة السيدة سكوبي لعملها، ما يدعو للحيرة، فهي تطبق معايير جديدة لعمل الدبلوماسي الأمريكي، ولا تبادر بشيء من عندها، فهذه هي دبلوماسية أمريكا في شكلها الجديد. عن صحيفة الخليج الاماراتية 6/8/2008