المتأمل لأقوال وأفعال وردود أفعال أهل حماس يرى أنهم يتصرفون وكأنهم يملكون الحقيقة المطلقة التي تعلو فوق النقد والمناقشة. فعندما تظن حماس أنها فوق المحاسبة من قبل الأطراف الحقيقية المعنية بمعضلة القضية الفلسطينية وتعلن عبر متحدثيها أنها غير مسئولة عما يجرى بقطاع غزة، فهنا يجب أن نقول لها بمليء الفم أنتم لستم كأهل بدر كي تصنعوا ما تشاءون.
فأهل بدر الكبرى هم أهل السبق، وبهم نصر الله الحق، إذ كانوا أهل صدق وتجرد وإخلاص، ولذلك نصرهم الله وهم قلة، وأعلى شأنهم في الناس حتى قيام الساعة، بل إن النبي محمد عليه الصلاة والسلام قال في حقهم حديثاً ذا خصوصية مطلقة قال { إن الله قد أطلع إلى أهل بدر فقال لهم يا أهل بدر افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم }.
أما أنتم يا أهل حماس فمن تظنون أنفسهم، هل توهمتم أنكم أهل بدر، هل توهمتم أنكم من الصفوة التي تتحدث عن الله ورسوله في شأن قضية هي الأعقد في تاريخ البشر..أقول بمنتهى الحيادية: أنتم من أدخل القضية برمتها في قفص غزة حين علا في صدوركم صوت (الأنا).
أقول أنكم كنتم الأعلى صوتاً حين ضربتم على وتر الفرقة فتقوقعتم في أرض غزة، وظننتم حينئذ أنكم حققتم نصراً مبيناً، ولا أدرى على من جاء نصركم يا سادة، فإن ما تصرحون به في وسائل الإعلام شيئاً، وما يراه الناس على أرض الواقع على النقيض الصارخ مما تقولون.
لقد قذفتم بشعب غزة وأنتم تدرون أو لا تدرون في آتون من الهموم حينما تمسكتم بأوهام السلطة التي هي أوهن من بيت العنكبوت، فلا تحاولوا أن تلقوا بتداعيات أفعالكم على غيركم، كما لا تحاولوا أن تصدروا مشاكلكم إلى غيركم، فقد نفدت كل المبررات، وانتهت كل الأعذار، بعدما بان لكل عين ناظرة أنكم تريدون حالة مستمرة من القلق لتتحركوا فيها.
إن كل الجهود المخلصة_ التي حاولتم أن تجردوها دائماً من تلك الصفة_ لن تؤتى أُكلها ما لم تتوفر نية لم الشمل لديكم ولدى غيركم من الأطراف الفلسطينية، وسوف تبقى القضية برمتها كريشة معلقة في الهواء تتقاذفها موجات الريح أنى شاءت ما لم تستفيقوا من هذه الغفوة التي طال أمدها، إذ أنه من المعروف بداهة أن ما لا يقدر أن يساعد نفسه ويصحح أخطاءه ويقوم مساره فلن يستطيع الغير بطبيعة الحال أن يفعل له ذلك.
ولذلك فإني أتصور أن أولى الخطوات التي يجب أن تُتخذ في هذا الإطار هي وقفة متأنية وموضوعية مع النفس لمواجهتها بما ارتكبت من أخطاء أو خطايا، وأظنكم يا أهل حماس قد أخطأتم خطأً كبيراً حينما استغللتم موقفكم النضالي استغلالاً سياسياً فصورتم للناس أنكم قادرون على تحقيق أحلامهم في حياة آمنة وكريمة ومستقرة مثلما استطعتم تحقيق طموحهم بمقاومة الاحتلال على الأرض.
ولذلك راهن الناس عليكم وفى أذهانهم صمودكم في ميدان المقاومة مقترناً بالخطاب السياسي المشوق الذي لا تنقصه الفصاحة والإثارة وحسن البيان والذي عزف على أوتار المشاعر والعواطف برسم صورة لحياة مثالية سوف يأتي ميلادها على يدي حماس إذا ما وصلوا إلى منطقة صنع القرار ، فوثق الناس بكم وهم يعتقدون أن الفاصل بين الأحلام وتحقيقها هو وصولكم إلى الحكم..فماذا صنعتم؟!!.
لقد بقيت أحلام الفلسطينيين أسيرة صدورهم وخيالهم، واتضح جلياً البون الشاسع بين لغة الحال ولغة المقال، حيث تبخرت الوعود البراقة عند أول احتكاك على أرض الواقع، بل زادت المعاناة وزادت الضغوط وزاد الحصار، وزججتم وأنتم تعلمون أو لا تعلمون بالمواطن الفلسطيني في آتون من المشاكل اليومية التي لا ذنب له فيها سوى أنه اختار ودفع ثمن هذا الاختيار.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المضمار: هل كنتم تتوقعون مثل هذه العراقيل اليومية ورغم ذلك آثرتم العند وترجلتم بمحض إرادتكم إلى فخ السلطة؟!، إن كان هذا الاحتمال صحيحاً، فقد أخطأتم خطأً جسيماً في حق المواطن البسيط حين تاجرتم معه بالأوهام وجعلتم منه مطية طائعة تصلون بها إلى أهدافكم السياسية.
وإن كان الاحتمال الآخر، وهو أنكم لم تتوقعوا مثل هذا الكم من المشاكل فهذا عيب آخر يعطى الدلالة على تدنى مستوى الرؤية عند قادتكم الذين تعجلوا في خوض اللعبة السياسية وهم لم يعلموا بعد أصول إدارتها.
ثم كانت الخطيئة الكبرى حين توقفت لغة الحوار وتكلمت فوهات البنادق عند أول منعطف مصطنع، فانسقتم إلى فخ الاقتتال مع فتح بصورة تدعو للحسرة والأسف، وهنا عرف المشاهد أن فوهات بنادقكم عمياء لا تفرق بين عدو أو صديق، ومهما تكن المبررات التي تُساق هنا أو هناك فإنها مرفوضة شكلاً وموضوعاً لأنها مبررات استباحت الدم والسطو والتدمير، وأمعنت في نسف كل قواعد الوحدة الوطنية، وأعلت بلا حياء كل نعرات القبلية والعصبية برفع أعلام وإسقاط أخرى.
وربما يقفز سؤال مهم إلى العقل في هذا السياق يجب أن تواجهوا به أنفسكم وهو: ما هي المكاسب العملية التي أحرزتموها عندما استوليتم على قطاع غزة؟، إن الصورة لا تكذب ولا تتجمل..مزيد من المعاناة للمواطن، ومزيد من الحصار، ومزيد من الجوع والعطش ونقص في الخدمات، وهى الضغوط الشعبية التي ستدفعكم للتفاوض مع من كنتم ترفضون التفاوض معهم بالأمس القريب، بل كنتم تتهمون الآخرين بالعمالة والخيانة إذا ما تفاوضوا مع ذات الطرف !!.
كل هذه أخطاء جسيمة ارتكبتموها وأنتم تدافعون على منصب سياسي ، حتى وإن أعلنتم أنكم تدافعون عن صالح الوطن، وأظن أنه من الحكمة والعقل أن تعترفون بذلك إذا كنتم ترغبون في تصفية الأجواء وتهدئة النفوس وصولاً إلى حوار وطني يكون نواة لوحدة وطنية تجمع كل الأطياف في رحابها. وأخيراً أقول: أنصتوا إلى صوت الحكمة الصادر من أرض الكنانة..مصر .