يعيش لبنان مشكلة اجتماعية كبرى منذ بداية القرن تتمثل في غياب قانوني لتنظيم أحوال قطاع واسع من الأسر التي لم ترغب في الزواج المذهبي واضطرت باستمرار إلى الذهاب خارج الأراضي اللبنانية للزواج.
في عام 1910 أجرت صحيفة البرق التي كان يرأس تحريرها الشاعر الأخطل الصغير استفتاءا حول الزواج المدني بين أبناء كل الطوائف وجاءت معظم الإجابات بالموافقة عليه وعلى الزواج المختلط. وقال الفيلسوف اللبناني أمين الريحاني : " أن الزواج بين الطائفتين (الإسلامية والمسيحية) من أهم شروط صلاحنا و تقدمنا". والزواج المدني هو عقد زواج رابط بين زوجين موثق العهد بشاهدين في مقر رسمي مختص حكومي , هذه الوثيقة تضمن حقوق كلا الزوجين بالعدل والمساواة في حالة الطلاق , الزواج المدني لايعترف بالمهر للمرأة لانة يعتبر المهر مهانة وقبول المرأة به كانها تبيع نفسها مقابل دخول الرجل بها , حيث تعدى المهر هذة الرمزية إلى التعقيد والمغالاة في المهور والتي أثقلت الأزواج , وغالب المهور المغالاة تذهب إلى اباء المتزوجات . ويعود مشروع الزواج المدني في لبنان إلى سنة 1951 حيث نوقش في البرلمان ثم رفض، وفي سنة 1960 بدأت جمعيّات علمانيّة تطالب به من جديد عبر التظاهر. وعاد ليطرح في البرلمان من جديد سنة 1975 من قبل الحزب الديمقراطي.
وأثار القانون جدلا كبيرًا عندما طرحه الرئيس إلياس الهراوي في 1998 ، وبرغم موافقة 22 وزيرا على المشروع من ضمنهم الوزراء الشيعة، ورفض ثمانية فقط، لم تؤخذ هذه التوقيعات على محمل الجد، وحينها بدا للرأي العام أن رئيس الحكومة رفيق الحريري آنذاك هو المعارض الوحيد للمشروع بحجة أن الظرف غير موات.
انطلاقا من هذا الوضع نظمت جمعية "شمل" أول أمس الخميس تظاهرة حاشدة بعنوان "زواج مع وقف التنفيذ"، شارك فيها النائبان غسان مخيبر وشانت جانجيان والقيادي في التيار الوطني الحر نقولا صحناوي وجمعيات أهلية ومدنية مؤيدة ومطالبة بوضع قانون للزواج المدني الاختياري.
وقامت نساء لبنانيات ترتدين ملابس العرس البيضاء ورجال يرتدون البزات في حفل زفاف وهمي في الشارع الرئيسي بوسط بيروت، وألقى نشطاء في مجال الحقوق المدنية حبات الأرز على "الأزواج" الذين كانوا يرقصون على أنغام الأغاني الشعبية وهم في طريقهم إلى البرلمان لتقديم التماس لتقنين الزواج المدني. وحملوا لافتات كتب عليها "عرس مع وقف التنفيذ".
صفقات زواج
ونظرا لوجود نحو 18 طائفة دينية في لبنان يخضع البلد لنظام طائفي معقد لتقاسم السلطة تشكل بعد الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990 ، وتخضع قوانين الأحوال الشخصية مثل تلك المتعلقة بالزواج والإرث لسلطة المحاكم الخاصة بكل طائفة.
ويسبب هذا الوضع معضلة لكثير من الشبان والفتيات من الديانات المختلفة الذين يرغبون في الزواج دون التحول إلى ديانة شركائهم وهو ما يدفع الكثيرين للسفر إلى قبرص في رحلة بالطائرة تستغرق 30 دقيقة فقط لإجراء مراسم زواج مدني ثم العودة إلى لبنان لتسجيله. وقد بلغ الأمر حد أن وكالات السفر تروج لقضاء عطلات "صفقة زواج" في قبرص.
ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن ديانا عساف المتحدثة باسم الاحتفالية "كما ترون فإننا نرتدي بزات وفساتين عرس لمطالبة الحكومة بقانون أحوال مدنية جديد.. قانون اختياري".
من جهته وعد النائب مخيبر بالسعي لوضع اقتراح قانون للزواج المدني الاختياري مدعوما من تكتل "التغيير والاصلاح"، وبذل الجهود لانجازه على صعيد المجلس النيابي.
وقال: "أنا شخصيا أؤيد هذا التحرك وأؤكد أن الكثيرين من زملائي النواب سيؤيدون مطلبكم، وآمل أن نتعاون معكم لنضع اقتراحا يتضمن المعايير العلمية القابلة للتنفيذ والتطبيق والإقناع، على أن ارفعه إلى المجلس النيابي بشكل رسمي وفي وقت قريب إن شاء الله، وفي نفس الوقت تكملون تحرككم الهادف تمهيدا لإقرار هذا الاقتراح والتصويت عليه، ليسلك طريقه إلى التنفيذ كزواج مدني اختياري ضمن قانون الأحوال الشخصية".
وأكد مخيبر انه من المؤيدين لهذا القانون وسبق أن صوت إلى جانبه عندما طرح في فترات سابقة، لأن من حق الناس أن تختار الزواج المدني أو أي زواج ترتأيه، لا أن يضطر الشباب إلى السفر إلى قبرص وتكبد المشقات والمصاريف لتحقيق هذا الهدف". معلقا " يجب أن يترك للناس حرية الاختيار".
دمار للعائلة!
ويرى غالبية المعارضين للزواج المدني في لبنان أنه يمثل دمارًا للعائلة لأنه يسهّل الطلاق، ولذلك كان أهم تعديل في المشروع هو جعله اختياريا وليس إلزاميّا كما في الخارج. وجاء في بنود قانون الزواج المدني: - عدم اقتران أحد الطرفين بزواج سابق ويجب الإبلاغ عن الرغبة في الزواج قبل 15 يومًا من إبرام عقد الزواج المدني. - يجب على الأزواج الانتظار ثلاثة سنين قبل أن يقدموا طلبًا للطلاق. - يقبل الطلاق في حال الخيانة. ويلغى الزواج في حال الخطأ في الشخص والغش والإكراه. وقد قوبل مشروع الزواج المدني الاختياري في لبنان برفض كبير من المسلمين والمسيحيين على السواء. ويقدم الزواج المدني حلولا للعديد من المشاكل في لبنان أهمها، مشاكل الإرث، فإذا كان الزوجين من طائفتين مختلفتين وبحال موت أحد الطرفين لا يستطيع الآخر أن يرثه. كذلك فإن عددًا كبيرًا من اللبنانيين يعمدون إلى تغيير دينهم أو طائفتهم للتخلص من زيجاتهم. وتعتبر السلطة الدينية من أهم دعائم بنية الحكم في لبنان. ففي هذا البلد الذي مزقته الحرب الأهلية حتى عام 1990 نجد أن تقسيم السلطة بالعدل أهم من إقرار السلام، وهذا ما يعتقده قادة الطوائف الدينية. وقد استطاعوا حتى الآن أن يقفوا حيال قيام دولة علمانية. وفي هذا يرون أن الزواج المدني لابد وأن يظل في مفهوم الناس على أنه من المحرمات.