تسجل مليكة مذكراتها في محنة السجن لعشرين عاماً إذ سجنها الملك "محمد الخامس".. مع أسرتها كلها! بعد إعدام الأب إثر محاولة انقلاب فاشل، مازالت تفاصيله لُغْزا حتي الآن!!، إذ كان أو فقير هو الساعد اليمنى للملك للبطش بكل معارضيه، ولم يشفع لها كونها كانت تعيش في القصر الملكي.. وترعرعت مع بناته.. بكل ما يعينيه ذلك من ترف.. وقوة.. ونفوذ، وفق تقليد عربي شبه قبلي .. قروسطي، يقضي بإعدام الخصم.. ومَحْو أسرته كلها (!) وهو تقليد قديم. وقد اختار الملك سجن الأسرة.. وإخفاؤها تماماً يعني انتقالاً هائلاً من نمط الحياة الملكي، إلى حياة سجناء لا حول لهم ولا قوة، لكن مليكة تَتَفتَّق عن "قوة خاصة" تمكّنها من مقاومة هائلة.. وصمود نادر.. حتي تُمكّنها من هروب درامي شبه معجز، مع أُخْوه أصغر منها، ثم اتصالها بالرأي العام.. عبر الإذاعة والصحافة الفرنسية.. التي أكرهت الملك علي تحريرهم الكامل، ويحتشد الكتاب بكم كبير من التفاصيل، تفاصيل الحياة في المجتمع المخملي "مع بنات الملك الذي تبنَّاها كنوع من تكريم أبيها.. حتي تفاصيل معاناة السجن الكئيبة.. ورفضها العميق لنفسية السجين أو "الضحية" التي تُعاقب لجريمة لا يد لها فيها" وانتصار جذوة تكوين حُرّ.. مفعم بكبرياء نادر لا يمكن هزيمته، ولأن تلك المحنة التي لم تقتلها رغم إضعاف الجسد وإنهاكه بكل طريقة ممكنة بل صنعت منها إنساناً آخر.. ذا هوية جديدة..، جعلتها أقوي.. وأقدر علي مواجهة الحياة، وتصف ذلك بكلماتها:"ولدت مع الأَلَمْ ولادة جديدة، واحتجت إلي وقت لأنسي نفسي.. مليكة السابقة، ابنة الجنرال البكر، ابنة النفوذ.. والماضي، اكتسبت هويتي الخاصة، وهذا لا يقدر بثمن" ص 96. وتمكنها.. تلك "الهوية" التي اكتسبتها.. من الوصول إلي "حقيقة" مدهشة: "كان مصيري يرسم مسبقاً: زواج موسر في العشرين من العمر، وحياة ترف وملل، ومضاجعات.. وخيانات زوجية.. وكبت، وحرمان، وعدم اكتفاء.. مع غرق في الكحول.. أو المخدرات، مصير مماثل لمصير نساء شابات عميدات من المجتمع المخملي المغربي، اللواتي عرفتهن.. وجميعهن في غاية التعاسة!! علي الأقل أن السجن قد جنبني هذا الانحطاط" ص 96 وقارئ تلك المذكرات الموجعة.. أيا ما كانت ثقافته.. وجنسيته.. لا يملك إلا الدهشة والذهول، إذ يتعرف علي عالمين شديدي التناقض والتعقيد، العالم الملكي.. عالم الثراء والنفوذ الذي يشبه قصص ألف ليلة، ثم عالم المحنة المرعبة "عالم السجن والمهانة والإذلال والقتل البطيء".. وحالة متفردة تمثلها مليكة.. من صلابة المقاومة والتحمل لشخصية.. تكمن قوتها كلها في "إيمانها بحريتها".. التي لم تنجح المحنة بكل قسوتها من النيل منها، إن ذلك الكتاب الآسر.. يشكل إضافة عميقة.. وجدانياً وذهنيا.. ولا يترك للقارئ المأخوذ، لحظة للتنفس، من البداية.. إلي النهاية، ويفتح العين علي عوالم "النظم العربية" القروسطية الحاكمة.. وأسرارها بما هو أبلغ من مئات الأبحاث والدراسات المعروفة. ** منشور بصحيفة "البديل" المصرية 26 ديسمبر 2008