تمثل الحرية حلم تسعى إليه جميع شعوب العالم، وتدفع المجتمعات في كثير من الأحيان ثمناً باهظاً لتحقيقها، وذلك على اعتبارها الركيزة الأساسية للوصول الى نظام حكم ديمقراطي يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات دون تمييز. من الضروري أن تكون الحرية مسئولة بحيث تكفل لكل شخص فعل ما يريد بشرط ألا يعتدي على حرية الغير وألا يخرج عن إطار الدين والعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع. الوصول الى الحرية غالبا ما يكون أسهل وأسرع مقارنة بتحقيق الديمقراطية التي من خلالها يحكم الشعب نفسه عن طريق اختيار أشخاص يتولوا زمام الأمور ويملك في نفس الوقت عزلهم إذ هم أساءوا استخدام السلطة التي منحها الشعب لهم. ومن المؤكد أن الحرية المسئولة تمهد لديمقراطية قوية وترسخها. بعد ثورة 25 يناير تبنت الأغلبية الحرية غير المسئولة فرأينا مظاهرات ومسيرات ترفع طلبات وشعارات فئوية مختلفة، يقابلها مظاهرات ومسيرات مضادة؛ ثم تنقلب إلى مشاجرات تنتهي بالاعتداء على أملاك عامة وخاصة وسقوط قتلى وجرحى دون أن يُعرف من المحرض ومن الفاعل، ومن هو المندس والمتظاهر السلمي والبلطجي، وفي النهاية يحصل الجميع على لقب شهيد. الحرية الغير مسئولة وانعدام الوعي السياسي والحس الوطني لدى الكثير أغرقت البلاد في بحر من الإضرابات العمالية بالهيئات والمؤسسات والشركات الحكومية، وقطع الطرق، وفوضى نتج عنها تحويل الأرصفة إلى "أكشاك" والميادين العامة والشوارع إلى أسواق مفتوحة بقوة وضع اليد. عاد الثائر الحقيقي من ثورته ليجد منزله قد اختفى وراء "كشك سجاير" يتم هدمه بعد ذلك من قبل "جماعة الأمر بالمعروف والنهي" عن المنكر بحجة أن "السجاير" حرام شرعا، ليبنوا مكانه "كشك" لبيع العطور و"السبح" وملابس للمنتقبات. هذه الممارسات والظواهر الناتجة عن الحرية غير المسئولة مع انعدام الوعي السياسي وغياب الحس الوطني لدى قطاع عريض من المجتمع، تجعلني غير متفائل بالوصول إلى دولة ديمقراطية حقيقية، والتي من أجلها انطلقت الثورة. المرحلة التي تمر بها مصر الآن هي مرحلة استثنائية لتحديد المصير بكل المقاييس وبإجماع كل القوى، وبالتالي يجب أن تُدار بطريقة غير تقليدية تُراعي فقط المصلحة العليا للبلاد، من خلال تطبيق القوانين المؤقتة والاستثنائية ابتداء من قانون الطوارئ انتهاءً بقانون العزل السياسي؛ لتطهير البلاد من رواسب النظام البائد تمهيداً للتحول الديمقراطي. أتمنى أن تتحول الحرية إلى مسارها الصحيح لتنتج لنا ديمقراطية حقيقية، وألا تبقى على وضعها الحالي مجرد فوضى ويجب أن نتذكر دائما كلمات المخلوع "إما أنا أو الفوضى" والخياران أحلاهما مر.