يقول المفكر الأرجنتيني الشهير خوان خوسيه سيبريلي في كتابه "أساطير صنعتها السذاجة والفضائح: كوميديانات وشهداء" الصادر حديثا والحاصل على جائزة أفضل كتاب بحثي عن مؤسسة "لا كاسا دي أمريكا" بأسبانيا في مقدمة كتابه: "أنا أنقد الأساطير، أعتقد أن المجتمع الديمقراطي الذي يؤمن بالمساواة والذي يشعر فيه أفراده بالحرية لا يصح أن يعيشوا فيه تحت وطأة الأسطورة". وفي هذا الكتاب وفقا للمترجم أحمد عبد اللطيف بصحيفة "أخبار الأدب" الإسبوعية المصرية يحلل سيبريلي أسباب شهرة جيفارا وثلاث شخصيات أخرى: مارادونا، لاعب الكرة الشهير، و جارديل، الموسيقي الأسطورة، والممثلة والسياسية إيفيتا برون. وبموضوعية تحدث الكاتب عن هذه الأسطورة التي تحيط بكل منهم علي حدة، وإن كان تركيزه الأكبر ينصب على جيفارا علي وجه التحديد، ويليله دييجو مارادونا. يقول المؤلف: "كان جيفارا أكثر من مغامر، كان قائدا محبا لذاته، مرفوضا من السياسة التي رفعته بعد ذلك لدرجة الأسطورة النقية بعد موته". "كان جيفارا سياسيا ساذجا" هذا ما يراه سيبريلي، ويضيف "لا أريد بذلك أن أسبه، وإنما هو وصف موضوعي لسلوك معين"، مشيرا إلى عدم حذاقته السياسية كمحارب. لقد راجع المؤلف وثائق تاريخية ومقابلات شخصية وتقارير صحفية وندوات ومذكرات جيفارا نفسه ليتوصل في النهاية لترجمة موجزة بعيدة تماما عن الصورة الأسطورية الشعبية لجيفارا، والآن يؤكد علي أن جيفارا "كان مغامرا وقديسا وبطلا، لكنه لم يكن رجل سياسة" . يذكر سيبريلي - وفقا لنفس المصدر - أن من أهم المحطات في حياة جيفارا التقائه بفيدل كاسترو في المكسيك في الثامن من يوليو عام 1955، فلو لم يتعرف على هذا الرجل لرحل إلى باريس في منحة لدراسة الطب، وهو ما كان يود أن يفعله. وبعد ذلك جاءت الثورة واصطحبتها الجرائم، "فبعد انتصار الثورة الكوبية كان جيفارا المكلف بالإعدام الجماعي رميا بالنار، بعد أن تم اصدار أحكام متعسفة بدون أي سند قانوني من قبل محاكم الثورة المقيمة حينذاك في قلعة لاكابانيا. ووصل عدد الموتى لمائة أربعة وسبعين قتيلا، ولم يكونوا كلهم من أتباع باتيستا، بل كان منهم فلاحون". وبعد جولاته بأفريقيا وبوليفيا، ظهرت أسطورته للوجود بعد وفاته. "مات الرجل الذي وضع الصعوبات السياسية في طريق كاسترو، وصارت كاريزمته أكثر جذبا، وظهر شبحه المناضل ليخدم مصالح كاسترو نفسه، الذي أقام له صورة لامعة خلدت البطل الشهيد، واستمرت هذه الصورة حتى الآن". ويضيف سيبريلي "علينا أن نضيف لهذا التمجيد بشكل قطعي الصورة التي التقطها المصور الكوبي ألبيرتو كوردا في عام 1960، وفيها كان الشبان يرتدون تي شيرتات تحمل صورة جيفارا بدون معرفة من هذا، وهو ما يدل علي عدم الرضى الذي يحاولون ملأه بصورة هذه الآلهة المجسدة". إذن فقد كان جيفارا، طبقا لسيبريلي، قليل الخبرة في علم السياسة "حيث يعتمد عمل السياسة على البطء والتأني والصبر، وهو عمل يستغرق أياما وسنوات ويستلزم جهدا ومثابرة ومواظبة، بالإضافة لحاجته للتسامح والتفاهم والتفاوض ومعرفة الانسحاب وعقد الاتحادات". ويري المفكر الأرجنتيني أن هذا هو الفرق بين السياسة والمغامرة، التي تميز بها جيفارا." كان كاسترو يتمتع بهذه الصفات، بينما جيفارا، علي العكس تماما، كان يعتقد أن كل تفاهم يعد خيانة لمفهوم الثورة". يؤكد المؤلف بعد ذلك أن الفكر الجيفاري كان مناهضا تماما للفكر الماركسي، والاشتراكية الكلاسيكية فالجيفارية تؤمن بالجماعة في مواجهة الحزب، والصراع بين الدول الغنية والفقيرة بدلا من صراع الطبقات، والديكتاتورية السياسية بدلا من الديمقراطية الاجتماعية، والمركزية بدلا من الرئيس الكاريزما وتعبئة الجمهور، والطبقة الفلاحة بدلا من الطبقة العاملة، كما يعتقد بالشيوعية في الدول الفقيرة أكثر منها في الدول المتقدمة. في "كوميديانات وشهداء" يوجه سيبريلي سهامه للشخصيات الأسطورية، وهكذا يتحدث عن أسطورة مارادونا التي صنعتها الفضيحة والفساد. وأسطورة جارديل، الفنان الاستثنائي في تاريخ الموسيقى الشعبية، لكنه يثير الغبار حول شخصيته الأسطورية التي ولدت بعد وفاته. أما ايفيتا برون، فأسطورتها جاءت ممن أسموها "نصيرة المساكين".