كثر اللغط فى العديد من المواضيع الخاصة بفترة عملي من السبعينات إلى نهاية التسعينيات، وأصر العديد من الأصدقاء والزملاء على ضرورة أن أكتب حول تلك الفترة لتوضيح العديد من الأمور. وبعد إصرار هؤلاء الرفاق الأفاضل بدأت في كتابة هذه السلسلة "من الذاكرة" والتي أبدؤها بهذه الحلقة بعنوان "النشأة وبداية العمل". ولدت بشارع قصر حمد بمدينة بنغازي في التاسع من شهر رمضان المبارك، الموافق 27 يوليو 1947 لأسرة ميسورة الحال، حيث كان والدي" قويدر مرسى سكته" من كبار تجار السلع التموينية في الخمسينيات والستينيات بسوق الجريد بمدينة بنغازي. أتممت دراستي الابتدائية في مدرسة "الأمير" بشارع "قصر حمد" ثم مدرسة "بنغازي الثانوية"، وبعدها تحصلت على شهادة الليسانس في "الدراسات الفلسفية والاجتماعية من كلية الاداب بالجامعة الليبية بنغازى. وكان لي شرف التتلمذ على يد نخبة من الأساتذة والعلماء الكبار مثل الفيلسوف الدكتور عبدالرحمن بدوي والدكتور محمد علي العريان والدكتور علي عيسى والدكتور توفيق رشدي، وهم من كبار علماء الاجتماع والفلسفة والمنطق في العالم العربي . وبعد الانتهاء من الدراسة الجامعيه توجهت إلى القاهرة على نفقتي الخاصة لدراسة الماجستير، وهناك كان لي أيضا شرف التتلمذ على يد الأستاذ الدكتور أحمد الخشاب والأستاذ الدكتور محمد على الجوهري، والأستاذ الدكتور مصطفى الخشاب، حيث اهتممت بدراسة نظرية التكامل في مناهج البحث الاجتماعي. (((وفي الفترة من عام 2000 إلى 2005، عندما انتخبت مديرًا عامًّا لمنظمة العمل العربية بالقاهرة، استفدت من برنامج لنيل الدكتوراة (عن بعد) من قبل جامعة "شيفلد" الأمريكية بالتعاون مع مدرسة العلوم الاجتماعية بجامعة "ويلس" البريطانية، فأتممت البحث في مجال تنمية الموارد البشرية، حيث نشرت مقتطفات منه فى كتاب قدمه لي الدكتور عصمت عبد المجيد، أمين عام الجامعة الأسبق.))) وبعد عودتي إلى بنغازي تقدمت للعمل في شركة الخليج العربي للاستكشاف، هكذا كان اسمها فى ذلك الوقت، وعينت فيها بتاريخ 18\7\1973 في وظيفة مساعد بإدارة التدريب والتطوير بالشركة، وفي عام 1975 أوفدت من قبل الشركة لدورة تقوية في اللغة الإنجليزية ثم دورة للحصول على دبلوم تنمية الإدارة العليا بكلية "جرانفيلد" بمنطقة "بيدفورد" في بريطانيا . وعقب عودتي تم ترقيتي إلى وظيفة، رئيس العلاقات الصناعية بالشركة، وهو القسم المسئول عن علاقات العمل وتنفيذ النظم واللوائح والتحقيق مع المخالفين ومراقبة تنفيذ لوائح الجزاءات وتمثيل الشركة في القضايا العمالية أمام مكتب العمل. هذا الموقع مكنني من الإلمام بكافة المشاكل بالشركة، وكذلك المتجاوزين فيها للنظم واللوائح، وفي بعض الأحيان التحقيق معهم، وبالتالي كانت لديّ معلومات كاملة عن كل شيء في هذا الجانب المهم. وفى تلك الفترة مع وجودي بالشركة كان لي نشاطان مهمان، أولهما في مجال تخصصي حيث اشتركت في تأسيس رابطة "العاملين بالخدمة الاجتماعية" على مستوى ليبيا، وما زالت نسخة القانون الأساسى القديمة مكتوب فيها عنوان الرابطة "منزل إبراهيم قويدر" شارع البزار. وبعد التاسيس عقد أول اجتماع رسمي لها على مستوى ليبيا، الذي اخترت فيه رئيسًا للجمعية العمومية والأستاذ مصطفى أبوشعالة رئيسًا لمجلس الإدارة. وكذلك تم اختياري كرئيس للجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي لاتحاد الإخصائيين الاجتماعيين العرب الذي عقد في بنغازي، بحضور كل تنظيمات الإخصائيين الاجتماعيين في الدول العربية. وكانت الوفود ترغب في أن أكون أول أمين عام للاتحاد العربى للإخصائيين الاجتماعيين؛ ولكنني فضلت بصفة شخصية أن يكون الأستاذ "بالقاسم الرابطي"، هو من نرشحه لهذا المنصب والذي تم اختياره بدعم منا. إلى جانب ذلك أيضًا كنت عضوًا منذ 1964في النادى الأهلي الرياضي الثقافي الاجتماعي ببنغازي، وانتخبت أمينا عامًّا له في عام 1975. جدير بالاهتمام أن أذكر هنا رواية كانت السبب في دخولي لأول مرة إلى مقر الكتيبة الأمنيه بالبركة "كتيبة الفضيل بوعمر"، حيث إن فريق الأهلى لكرة القدم كان قد حصل في نهاية الدوري عام 1975 على 33 نقطة، وكان "الأهل" في طرابلسوالمدينة لكل منهما 31 نقطة، ولهم مباراة نهائية بطبيعة الحال إذا فاز أحدهما سيقابل فريقنا الأهلى لكرة القدم في النهائي. وإذا تعادل الفريقان فسيفوز الأهلي البنغازي بالكأس دون أي مباراة فاصلة. وكانت المباراة يوم 16\6\1975، وانتهت بتعادل الفريقين، وبالتالي فاز الأهلى بالبطولة، وبمجرد انتهاء المباراة التي تمت في طرابلس، خرجت بنغازي في مسيرة كبيرة أغلقت شارع جمال عبد الناصر حتى مقر النادى الأهلي. والمفاجأة أنه في اليوم التالي للاحتفال بالفوز تم الاتصال بي في مقر الشركة، وطُلب مني الحضور إلى الكتيبة في المساء، (ولم أكن أعلم أنه في ليلة الاحتفال أذاعت إذاعة الشرق الأوسط خبرًا عن أن مدينة بنغازي خرجت على بكرة أبيها للاحتفال بفوز ناديها- الأهلي- ببطولة ليبيا لكرة القدم، (ولم تخرج بنغازي للقذافى منذ أسبوع فى أعياد الأجلاء)، وكنت خائفًا من الذهاب وحدي فاستنجدت بكبار مشجعي الأهلى في ذلك الوقت الدكتور المهدي المطردي والحاج عقيلة بالعون. وتم توجيه اتهام لنا بإحداث الفوضى في المدينة ودافعنا بقدر الإمكان عن أنفسنا، وفي الختام قيل لنا: "الناس اللى طلعت نبوها تطلع لتأييد الثورة". وفى احتفال تسليم الكأس يطلب منا ذلك وقمنا بإجراء مباراة ودية بيننا وبين نادى الاتحاد الطرابلسي، وسلم لنا الخويلدى الحميدى الكأس، وخرجت الناس فارحة بالكأس والبطولة، وكان من الصعب تسخير مسيرة رياضية لغرض سياسي، وعموما كانت هذه أول مرة في حياتي يكون لي فيها لقاء مباشر مع قيادات بالدولة. وعودة لشركة الخليج العربي للاستكشاف حدثت مشكلة في نهاية عام 1977م بين مجلس إدارة الشركة وعضو النقابة المهندس عبد الكريم العبيدي، الذي كان مشرف حقل السرير النفطى، وتم فصله من قبل المجلس بإجراء تعسفي ضده، وإجراء الفصل يتطلب حسب النظام توقيعي على القرار، فرفضت، وهنا بدأت المشكلة وحاول المجلس بكل الطرق إقناعي بالتوقيع، وكان آخرها لقاء مع أحد مسئولي المجلس عرض علي وقتها وظيفة أعلى لو وافقت، وهنا توتر الموقف أكثر واعتبرتها إهانة . وفي خارج الشركة، في ذلك الوقت، كانت قد بدأت عمليات "اللجان الشعبية" في الشركات، وهنا اتصل بعض الزملاء العاملين بالشركة بالجهات المشرفة على ذلك، وفي البداية قالوا لهم: إن النفط مستثنى، ثم بعد ذلك فوجئت باتصال أحد الزملاء يخبرني بأن الموافقة تمت على تشكيل لجنة بالشركة، وطلبوا مني تحديد أسماء الأشخاص الذين لديهم ملفات عندي ولديهم تجاوزات؛ لكي لا يتم اختيارهم من قبل الموظفين، ولكنى اقترحت حلاً بديلاً، وهو أن تمنح لي الكلمة في اجتماعات الاختيار في بنغازي والسرير والحريقة، وكان لي ذلك. وكان أول اجتماع في مدينة بنغازى، وجهت حديثي- لعل البعض يتذكره- قائلا للعاملين: أنتم تعرفونني وتعرفون أنفسكم، أرجوكم من له ملف عندي لا يرشح نفسه؛ لأني ساضطر للحديث عن ملفه، وقلت أيضًا: لكى نكون منصفين اقترح أن توضع أسماء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة على السبورة، وفعلاً تمت الموافقة على اقتراحى ونجح أحد أعضاء المجلس، وهو الأستاذ على المحجوب في اللجنة الشعبية. المهم أنه بعد انتهاء اللجنة وبداية عملها أصبحت أمارس عملي السابق العادي، وكنت أنصح الزملاء الذين أشرفوا على العملية أن يتركوا اللجنة تعمل ولا يتدخلوا في شئونها، واستجابوا لذلك، وكانت لجنة مثالية من حيث الأشخاص والعمل، إلى أن كان عام 1979 ، حيث تم في بدايته الإعلان عن إنشاء "لجان شعبية بالبلديات" تكون لها صلاحيات "اللجنة الشعبية العامة" مجلس الوزراء. وهنا بدأت صفحة جديدة في حياتى العملية، نتطرق لها في الحلقة القادمة. وللحديث بقية [email protected]