إذا جاز لنا تعريف الجاهل بأنه الشخص الذي تكون المعرفة أمامه وفي متناول يده ويغض النظر عنها، وإذا كان الجهل اصطلاحًا يعني أن تعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه، فسيصبح لفظ "جاهل" هو اللقب المناسب للمتعلمين الجدد. آلاف من الخرجين تلفظ بهم الجامعات المصرية إلى الشارع سنويًا لا يفقهون شيئًا عن كيفية استخدام التقنيات الحديثة عاجزين تمامًا عن التفكير العلمي وعن تعلم الجديد وغير قادرين على الابتكار أو الإبداع، ولكن هل أعرض هؤلاء الخريجين عن المعرفة بمحض إرادتهم أم أنهم ضحية نظام تعليم فاشل يعتمد على القولبة الفكرية وعلى عقلية القطيع؟ ومن المسئول عن هذا المرض العضال الذي تفشى مخلفًا وراءه قدرًا لا بأس به من فيروسات الغباء التي باتت السمة المميزة لجيلنا المعاصر؟ يقضى الطلاب سنوات الجامعة ينتقلون فيها من سنة إلى أخرى بقوة الدفع دون أن يتعلموا شيئًا على الإطلاق. فالجميع يتلقى تعليمًا ضعيفًا يعتمد أساسًا على نظام الحفظ والتسميع ومنطق الكتاب الواحد حيث تعد الامتحانات هي السبيل الوحيد لتحديد مستوى الطلاب، فلا وجود لتقييم المهارات أو الأنشطة الاجتماعية أو القدرة على الفهم والتحليل والتنظيم. ومن ثم يتحول الطلاب إلى "ببغاوات" يرددون ما يحفظون عن ظهر قلب دون أن يعطوا أنفسهم الفرصة لاستخدام عقلوهم حرصًا منهم على تحصيل أعلى الدرجات والتي لا تدل بالضرورة على ارتفاع ملكات التفكير. بالإضافة إلى الجمود الذي تعاني منه المناهج الجامعية والتي لا تتماشى في كثير من الأحيان مع الحاضر التقني الذي نعيشه الآن والتي تجعل من المتعلم جاهلاً بحقيقة الواقع العملي ومتطلباته فيجد نفسه بحاجة إلى دورات لإعادة تأهيله لأن كل ما تعلمه أثناء سنوات الجامعة بعيدًا كل البعد عن الواقع. على الجانب الآخر، يتعامل معظم الطلاب مع الشهادة باعتبارها نهاية المطاف دون الاهتمام بتطوير القابليات والإمكانيات العلمية، والكثير منهم لا تستهويه الكتب الثقافية حيث تسود حالة من عدم الانسجام بين الطلاب وبين الكتاب غير المدرسي مما يزيد من التدهور الفكري وتراجع حصيلة المتعلمين من الثقافة والمعارف الأساسية مثل الأدب والفن والتاريخ والسياسة. سواء كانت المشكلة في نظام التعليم أو في المتعلمين أنفسهم فإننا نواجه مشكلة خطيرة، فما المستقبل المرجو لأمة يسودها الجهلاء وأنصاف المتعلمين؟ في مجتمع يسوده الجهل من السهل جدًا أن نجد الطبيب الجاهل الذي درس علوم الطب ولم يحصل فيها أي معرفة وهو يتعامل مع المرضى على أنهم فئران تجارب أو تجده يتعامل مع المهنة على أنها تجارة مربحة، فالكثير من الطلاب يتناحرون على الالتحاق بكلية الطب ليس لخدمة البشرية ولكن لضمان الوظيفة والوضع الاجتماعي. والحاكم الجاهل الذي يجهل كيف يتصرف وكيف يدبر والذي يقود شعبه إلى حافة الهلاك. والمهندس الجاهل الذي يفتقر إلى المهارات الأساسية للتعامل مع الآلات والمخترعات الحديثة. والمعلم الجاهل الذي يخرج أجيالاً مشوهة نفسيًا تهوى ثقافة الصمت التي تجعل صاحبها يؤمر فيطيع دون منافشة. وبذلك، نجد أن الجميع يجهلون طبيعة وظائفهم والمهام المطلوبة منهم أو يجدون أنفسهم غير قادرين على الإبداع أو التطوير في مجالات تخصصاتهم. وكما يقال فإن أقل الناس قيمة أقلهم علمًا، فما أضعف الإنسان إذا لم يستطع أن يرفع من قيمة نفسه.