منذ تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، بين إسرائيل وحركة حماس، في منتصف أكتوبر/تشرين أول الماضي، والتي تم بموجبها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" مقابل 1027 أسير فلسطيني، فقد تكاثر الحديث عن أن جهات فلسطينية مختلفة، وخاصةً الجماعة الفلسطينية المسلحة، التي أسرت "شاليط" قبل ست سنوات، أواخر يونيو/حزيران 2006، والتي تمثلت في "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري التابع لحركة "حماس" و"ألوية الناصر صلاح الدين" التابع للجان المقاومة الشعبية، و"جيش الإسلام"، كانت تعهدت باستمرارها، على ذات النهج الذي سلكته في عملية أسر "شاليط" وتوعدت بأسر المزيد من الإسرائيليين، لتكرار مثل هذه الصفقات، لإرغام إسرائيل، على إطلاق سراح حوالي 6 آلاف فلسطيني، ما زالوا يقبعون في الزنازين والسجون الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى زيادة المخاوف الإسرائيلية، سواءً إزاء الصفقة، أو في المستقبل. وما زاد من تلك المخاوف، وبالرغم من تهديدات إسرائيل، باعتقال أو قتل الأسرى المحررين، في حال تجديد نشاطاتهم "العدائية" ضد إسرائيل، هو أن هدف الأسرى ذاته، ينطوي على الإصرار نحو خطف المزيد من الجنود الإسرائيليين، بالرغم من تجربتهم المريرة، التي عانوها داخل السجون، والتهديدات التي تلقوها مباشرةً من الاحتلال، بسبب عدم شعورهم بالرضا، إلى حين الإفراج عن الآلاف من زملائهم الأسرى الفلسطينيين، الذين لا يزالون محتجزين فى السجون الإسرائيلية، وتُركوا يواصلون المعاناة. وبالرغم أيضاً، من التهديدات الإسرائيلية الإضافية والمتواصلة، بإقدامها على شن حرب شاملة، في حالة خطف إسرائيليين، فإن تلك التهديدات بدت واهنة، ولم تحفل بها أية جهة فلسطينية، ولم تثنها عما أعلنت من نوايا بطولية بهذا الصدد. وكانت تكررت مثل هذه الدعوات، قولاً وعملاً، وبالرغم من صد أو إحباط العديد من تلك المحاولات، فلسطينياً وإسرائيلياً، فقد ظلت الدعوات قائمة وبلهجة أقوى، كان آخرها ما صدر من تعهدات واضحة، من قبل كتائب شهداء الأقصى والجهاد الإسلامي، ومن مختلف الجهات والقيادات الفلسطينية الأخرى، وخاصةً في الفترة الأخيرة، وفي ضوء حركة الإضراب الجديدة، التي ستنفذها الحركة الأسيرة، داخل السجون الإسرائيلية، بالتزامن مع "يوم الأسير الفلسطيني" بهدف تنفيذ مصلحة السجون الصهيونية، لجميع مطالب الأسرى الفلسطينيين، على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، وكان أبرزها ما تعهد به رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد "خالد مشعل" باختطاف المزيد من الجنود الإسرائيليين، للضغط على إسرائيل، لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، باعتبار أن اختطاف جنود إسرائيليين، هو الوسيلة الناجعة والوحيدة، لتأمين إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين المحتجزين فى السجون الإسرائيلية. وكانت أجمعت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، على أن الطريق الأقرب لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال، هو طريق المقاومة, باعتبار قضية الأسرى هي قضية المقاومة المركزية، وهي جزء من مشروع التحرير، وأولوية من الأولويات المطلقة للمقاومة". حيث أكدت كتائب "عز الدين القسام" أنها ستنتزع حرية الأسرى بحد السيف وقوة الحق، الذي لا يضيع مهما طال الزمان. وأكدت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي, بأن قضية الأسرى هي على رأس أولويات فصائل المقاومة الفلسطينية، التي كانت دعت بلسانٍ مشترك، إلى صفقة تبادل أخرى، تنهي معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، وتوحيد الصف الفلسطيني خلف قضية الأسرى، مشددين أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحريرهم وفك أسرهم نحو الحرية. ولا شك فإن تلك التوجهات وردود الفعل الفلسطينية، لم تكن لتأتي، إلاّ في ظل استمرارية الجرائم الإسرائيلية، ومداومة الاحتلال في احتجاز الأسرى، ومن ناحيةٍ أخرى التفنن في إذلالهم، وحرمانهم من أدني الحقوق، تبعاً للأعراف والقوانين الدولية، التي لم يأتِ من قبل الاحتلال غير التصعيد وتأزيم الأمور، حيث يصر على عدم الجنوح، إلى تلبية المتطلبات الفلسطينية، بالرغم من مرور عقدين من الدخول في العملية السلمية، وكانت إسرائيل في كل مرة، لا تفلح إلاّ بالمزيد من التحذيرات، والمزيد من الممارسات اللأخلاقية واللإنسانية، ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون لديها، وضد الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام. لا شك، ونتيجةً لتلك المناخات الجافة والبيئة المتوترة، التي خلقتها إسرائيل، كانت هي أيضاً تواجه مشكلات جمّة، وما تزال تعاني، من جراء درجات السخونة الزائدة، التي تداوم المكوث عليها، وبما تحمله من أعباء أمنية واقتصادية ونفسية، خشية وقوعها في شر أعمالها، وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "بيني غانتس" الذي يحمل الهم الأكبر، بخصوص هذه المسألة، يؤكد في كل مرة، على أن تظل إسرائيل على رجلٍ واحدة، ومفتحة العينين، ليس في داخل إسرائيل وحسب، بل حول العالم أيضاً، أو أن تحمي حدودها فقط، بل يجب عليها أن تعمل بكافة قواها، من أجل حماية اليهود اينما تواجدوا، ودعا الإسرائيليين إلى مضاعفة الحرص واليقظة، والنظر فيما حولهم، والالتفات إلى كل مكان، والكشف عن أماكن مهجورة وكهوف في الغابات، التي من شأنها توفير ملاجئ آمنة، لتنفيذ عمليات خطف إسرائيليين. حيث يتعرض اليهود للأذى – حسب قوله- سواء لكونهم يهود، أو لأهداف أخرى. وكان فشل جهاز الأمن الإسرائيلي العام، "الشين بيت" في متابعة أسرى محررين، كانوا سعوا إلى تجديد نشاطاتهم ضد إسرائيل لاختطاف إسرائيليين، بالرغم من تأكيد قادته من مواصلتهم مهمة، إحباط نوايا خطف، أو هجمات ضد أهداف إسرائيلية، والعمل على ردعها، بما في ذلك ضد المحررين في صفقة التبادل الأخيرة، لا سيما الذين اختاروا العودة إلى الأنشطة "العدائية". وعلى أية حال، فإن ما ينتج عن الفلسطينيين عموماً، من خطوات إيجابية نحو أنفسهم، ومن مؤازرةٍ أكبر نحو أسراهم، فإنها كفيلة بإنهاء هذا الملف وغيره من الملفات الأخرى، ليس على الصعيد الإسرائيلي وحسب، بل على الصعيد المحلي كذلك، ونحو مستقبلٍ زاهر، يمضي بهم بين الأمم. وحينها ستقع إسرائيل، فيما كانت تخاف منه وتخشاه.