رمز اليسار العالمى .. تشى إرنستو جيفارا فجرت ثورة 25 يناير السؤال الكبير ومفاده: هل أعلن اليسار المصرى إفلاسه أم أن صحوة اليسار الجديد ستعيده إلى الصورة مجددا بعد أن سقط منها على مدى عقود طويلة؟؟
تساؤل مرير بكل تأكيد، لا يفوقه مرارة سوى محاولة الإجابة عليه .. فى ظل استسلام رموز التيار الاشتراكى طويلا لفكرة انتظار "جودو" المخلص .. الذى لم يأت أبدا.. وعندما اندلعت الثورة فى مصر مجددا، بدا هؤلاء الرموز وهم يحاولون اللهاث خلف الشباب – معظمهم من الليبراليين - الذين نجحوا فى قلب المائدة على القوى التقليدية على الساحة السياسية فى مصر .. فكانت النتيجة أن انكشف الجميع. والمؤكد أن اليسار المصرى قد استيقظ أخيرا بعد سبات عميق، عاش فيه طويلا على أحلام الزعامة والانتصارات الجماهيرية التى تحققت فى زمن "جمال عبد الناصر" .. وفى ظل هذا الانفصال عن الواقع وجدت العديد من القيادات اليسارية نفسها وقد تم إقصاؤها من المشهد السياسى، فانزوى الكثيرون منهم فى طى النسيان ولجأ بعضهم إلى الالتصاق بجدار التنظير من بعيد، فيما رضخ آخرون للواقع الصعب فعقدوا صفقات مشبوهة مع النظام الحاكم كان أبرز ملامحها مشاركة أحزاب اليسار - دونما استثناء - فى مسرحية العرائس المتحركة التى كانت تلهى الناس وتضفى المصداقية على عملية السطو السياسى التى كان بطلها الأول والأوحد هو الحزب الحاكم تحت الشعار "الوطنى" الشهير: من أجلك أنت، وقد تأكدت هذه الصفقات عندما رضى البعض مثل حزب التجمع بمقعد وحيد فى مجلس الشورى لصالح زعيمه المستهلك تاريخيا، "د. رفعت السعيد" .. فى مقابل المشاركة فى شرعنة الانتخابات المزورة العام الماضى. ولكن عندما قامت ثورة 25 يناير، شهدت ساحة اليسار ما يشبه الانقلاب الداخلى على القيادات (المتحفية) التى لا تزال تحاول العض بالنواجذ على مواقع السلطة فى الأحزاب الاشتراكية، فانتفض شباب حزب التجمع معلنين الاعتصام الذى استمر لأيام للضغط على د. رفعت السعيد وحاشيته، للتنازل عن مواقعهم لصالح شباب الحزب الأقرب للثوريين الجدد والأكثر توحدا مع أهداف الثورة التى كان على رأسها المطالبة بالعدالة الاجتماعية التى تعد حلقة الوصل الرئيسية بين فكر ثورة يناير وبين أجندة اليسار المصرى والعالمى. ولا شك أن صحوة اليسار التى جاءت كرد فعل على الثورة المصرية، لم تشمل مصر وحدها، بل شهدت ميادين العالم - وتشهد - إرهاصات ثورية جادة تبدت جليا فى التظاهرات والاعتصامات التى قادتها قوى اليسار الجديد فى مئات من مدن العالم تحت شعار "OCCUPY"، حيث دعت شعوب العالم إلى احتلال مدنها التى اغتصبتها القوى الصهيو - أميريكية وأصحاب الشركات متعددة الجنسيات المتهربين من دفع ضرائبهم، تاركين هذه المهمة لمواطنى الطبقة الوسطى.. وذلك كما تؤكد الإحصاءات ليس فى مصر وحدها ولكن فى معظم دول العالم شرقه وغربه. إلا أنه ومن ناحية أخرى فقد فشلت الحركات الأحزاب اليسارية التى تكونت بعد الثورة فى حشد ثقة المواطنين فيها، على الرغم من أن المصريين لا يزالون يحنون لشعارات مثل "الاشتراكية" و"العدالة الاجتماعية" و"الفقراء أولا"" .. حيث وبدلا من أن تتوحد تلك القوى مثل حزب "التحالف الشعبى الاشتراكى" وحزب "العمال الديمقراطى" - تكونا بعد الثورة .. و"تيار التجديد الاشتراكى" الذى تكون قبيل الثوره فيما اعتبر أكبر دليل على خروج اليسار الجديد من عباءة اليسار التقليدى، فإن معظم هذه القوى انخرطت فى تكتلات ذات أغراض انتخابية براجماتية بحتة، وحيث سرعان ما تسربت عوامل التحلل لتلك الكيانات القائمة على تحالفات لا يجمع بين المشاركين فيها حد أدنى من التوافق فى أجنداتهم السياسية. والمتابع للمشهد الحالى يكتشف أن أعضاء الحركات والائتلافات التى تقود سفينة الثورة المصرية فى بحر متلاطم الأمواج هم إما من المستقلين أو منتمين لتيارات متعددة ومتشابكة، بما فيهم اليساريين – جنبا إلى جنب والليبراليين ورذاذ بعض القوى الإسلامية (المشاركة على استحياء) وهؤلاء يحاولون طوال الوقت التضحية بأهدافهم الاستراتيجية مقابل إعلاء الأهداف التكتيكية والمتعلقة بتحقيق أهداف الثورة فى مواجهة قوى الثورة المضادة التى تقودها فلول النظام البائد، على خلفية ضجيج إعلامى تابع لذات النظام وبموافقة ضمنية سواء من جانب المجلس العسكرى القابض على السلطة فى البلاد، أو من الإدارة الأميريكية التى تريد أن تعوض خسارتها سريعا بعد أن فقدت كنزها الاستراتيجى المخلوع. مما يترك اليسار مجددا فى مواجهة مع المستقبل الذى تتشكل ملامحه على مدار اللحظة، فإما أن يعود بنضاله المأمول إلى واجهة الساحة المشهد السياسى فى مصر وإما يعود يتنازل عما حققه من مكاسب متواضعة (لكنها تبقى مكاسب على أى حال) ويعود إلى كرسيه القديم بجوار مدفأة الذكريات ... ويبقى السؤال: هل يعود اليسار أم يبقى فى انتظار جودو؟؟