اسمحوا لى أن أقطع سلسلة شهادات الشباب على أن نواصلها سويا غدا.. والسبب ستعرفونه فى السطور التالية: يروى فى أثر الأولين أن رجلا فقيرا ذهب إلى قصر السلطان وطلب من الحراس إبلاغه بأنه ينتظره فى داره لأمر جلل، فلم حضر السطان وفى اليوم التالى كرر الرجل طلبه، وقال للحراس: إذا كان يعز على السلطان الحضور إلى دارى فليأت وزيره، فلم يحدث، فذهب فى اليوم الثالث وقال لهم: أخبروا السلطان أن سلطانه سيزول الليلة، وأنه لن يصحوا غدا وتاجه على رأسه! ارتعد السلطان من هول النبوءة واصطحب وزيره وحراسه وذهب إلى دار الرجل،وحين طرق الباب رد عليه من الداخل: من الطارق؟.. فقال: افتح أنا السلطان.. فأجابه: انصرف وعد مرة أخرى فقال: كيف تصرف السلطان من بابك؟.. فرد: معى الآن من هو أعز وأقوى من السلطان؟.. لم يجد الحاكم مفرا من العودة.. وحين طرق الباب من جديد قال له الرجل: اصرف وزيرك وحرسك أولا ، ففعل.. وحين فتح الباب وجد السلطان دارا معدمة وأطفالا يتضررون جوعا، فسأله بشغف وحرقة: كيف سأفقد سلطانى وتاجى؟.. فرد الرجل:هل خشيت على سلطانك وتاجك ولم تخش الله على أبنائى الذين يموتون جوعا.. والله لئن لم تفقد سلطانك فى الأرض ستفقده فى السماء.. أما أنا وأبنائى فقد رفعنا شكوانا إلى عزيز لا يضن وسلطان يأتى إلى عبده حين يدعوه! ارتجف السلطان وبكى خشية انتقام الله .. وسأله لماذا لم تذهب إلى بيت المال وتطلب عونا أو صدقة؟.. فأجابه: لقد وليناك علينا لتأتى لنا أنت ورجالك بالعون والصدقة.. فكيف تريدنا شحاذين على أبواب حاشيتك؟. تذكرت هذه القصة وأنا أتابع فاعليات مؤتمر الحزب الوطنى.. تحدثت كل القيادات وبعض الوزراء ورئيس الحكومة.. وبصرف النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع ما ورد فى الجلسات واللجان والخطب البليغة، فقد لقت انتباهى أن اللغة المشتركة بين الجميع تمثل خطابا "إنعاميا ومانحا" للشعب المصرى.. نحن فعلنا كذا وكذا.. نحن قدمنا كيت وكيت.. إنجازاتنا كثيرة ولكن المواطن لا يريد أن يعترف بالنعمة.. الإعلام لا يرى سوى نصف الكوب الفاضى.. الحكومة تنحاز إلى الفقراء والمعدمين.. ووسط أمواج الشعارات لم يسأل أحد نفسه: إذا كان الأمركذلك .. كيف يزداد الفقراء فى مصر؟.. طبقا لتقارير الأممالمتحدة واعتراف الحكومة المصرية ذاتها لماذا يتراجع التعليم وتتدهور الرعاية الصحية، وتنمو العشوائيات وتتصاعد البطالة والتضخم والعنوسة وهروب الشباب فى مراكب الموت؟.. فى ظنى أن هذه الأسئلة "تضايق" الحزب وحكومته.. أو الحكومة وحزبها.. وهى بصراحة أسئلة محرجة.. لذا دعونا نطرح سؤالين آخرين.. الأول: هل لاحظ أن انتبه أحد الوزراء أو القيادات بالحزب أن خطاب الرئيس مبارك يوم السبت الماضى فى المؤتمر شهد ظاهرة جديدة وخطيرة.. فبدلا من قصائد الإشادة بالرئيس التى اعتدناها منذ نصف قرن أو يزيد تعالت فى القاعة "الشكاوى الفئوية والمظالم المعيشية" مع إلحاح بتدخل الرئيس شخصيا لحلها.. بل وصل الأمر إلى مشاكل لا تحتاج لأكبر من رئيس حى.. هل سأل أحدهم نفسه: ماذا يعنى ذلك غير إخفاق الحكومة والحزب فى مواجهة المشاكل الحقيقية للناس؟.. لماذا نلجأ للرئيس إلا إذا كان الكيل فاض، ووضعنا أيدينا فى "شق الحكومة"؟.. حكومتنا- للأسف- لا تعرف ان أى حكومة فى العالم مهمتها الأولى الوصول بالخدمات والرعاية والعدالة والمساواة لجميع المواطنين.. حتى لو كانوا فى بطن الجبل وليس دفع المواطن إلى الوقوف على باب وزارة بواسطة وتوصية وتزكية للحصول على حقه فى العلاج أو التعليم أو حياة الحد الأدنى.. حكومتنا لا تعرف- للأسف- أن احتقان الشارع منها سببه أنها تعامله باعتباره (متسول) وليس صاحب حق.. حكومتنا لا ترى نفسها خادمة للشعب لذا فهى لا تعرف ولا تريد أن تعترف بأن واجبها يفرض عليها أن تحمل اللقمة النظيفة وفرصة العمل والمياه الصحية لأقصى نجع فى الصعيد قبل المعادى والزمالك ومنتجعات القطامية و6 أكتوبر. حكومتنا أنجزت فى بعض الملفات الاقتصادية، فحققت معدلات نمو ملحوظة، ولكنها تضرب كفا على كف لماذا لا يصل هذا النمو للمواطنين؟.. حكومتنا لا تعرف أن النجاح الحقيقى أن يشعر المواطن بهذا التحسن الاقتصادى فى جيبه ومطبخه وفى عيون أبنائه.. حكومتنا لا تعرف أننا شعب يفضل تحمل الحياة القاسية والمريرة عن "الشحاتة" والتسول على أبوابها؟. هل عرفتهم لماذا طلب الرجل الفقير من السلطان أن يأتيه إلى داره؟.