ما إن رحل الطاغية حتى بدأ أول انشقاق فى صفوف الثوار, حيث بدا فريق الطليعة، وهو ما عرف فيما بعد باسم "ائتلاف الثورة"، منفصلاً تماماً، إن لم يكن غائباً، عن جملة جماهير الثورة التى جاء ت من كل صوب. "ائتلاف الثورة" كان يمثل مجموع الحركات المنظمة التى تشكلت قبل ثورة يناير، واشتركت فى تبنيها دعوة الجماهير عبر الفيس بوك، وتتكون من شباب 6 أبريل, وحركة كفاية, وكلنا خالد سعيد، والجمعية الوطنية للتغيير، والجبهة الديمقراطية، وشباب الإخوان، وبعض من شباب الأحزاب والثوريين الاشتراكيين. أما الفريق الآخر فكان يمثل مجموع القوى الشبابية والشعبية التى لبت الدعوة إلى الميدان، طاب لى أن أطلق عليه اسم "شباب الألفة"، حيث تأسس تعارفهم الأول على نوع آخر من التواصل، هو تلاقى الوجه بالوجه، شأن كل العلاقات الأكثر حميمية التى نعرفها فى مجتمعاتنا البسيطة.. "شباب الألفة" كان معيارهم الوحيد للوطنية هو الحضور والثبات بالميدان، ورفض الحوار لحين تنفيذ مطالب الثورة.. ولأنهم كانوا أكثر تواصلاً مع القاعدة الشعبية بالميدان، وأكثر تمثيلاً لها، فإنهم نجحوا فى الاستمرار بالثورة برغم انصراف جموع كثيرة من الشعب إثر رحيل "مبارك". أما الانشقاق الثانى فى صفوف الائتلاف، فحدث عندما ارتضى الإخوان الدخول فى الحوار وناشدوا الجماهير فض الاعتصام. ولأن شباب الائتلاف لم يقدر حجم وقوة القاعدة العريضة من جموع شباب مصر وشعبها، فإنه ما لبث أن وقع فى شرك الحوار، عندما سارع شباب الإخوان باقتراح مجلس لأمناء الثورة، وانتخبوا له وجوهاً معروفة بانتمائها إلى فكر الإخوان، متذرعين بأنهم كانوا أكثر الناس تواجداً بالميدان، فى حين، وفى تقديرى الخاص، كان تواجدهم فى المقام الأول من أجل تكريس العزلة بين جمهور الثورة وشباب الائتلاف، وتحديداً شباب الأحزاب أو كل من لديه انتماء واضح تجاه أيديولوجية ما، طارحين أنفسهم كبديل واحد فى التواصل مع جماهير الثورة، أو هذا ما سعوا إليه بطرق مختلفة، منها تشويه المفاهيم وتشويه الرموز التى شاركت فى حركات التغيير منذ البداية، فلن أنسى سلوك صفوت حجازى وهو يدور على جمهور البسطاء حاملاً صورة البرادعى فى لقاء مع مجموعة من الأجانب قائلاً "انظروا ها هو عندما كان يبيع العراق للأمريكان". ربما ارتضى شباب الائتلاف الدخول فى مناورات الإخوان حرصاً على عدم انشقاق الصف، كما كانوا حريصين دائماً فى سابق عهدهم, أو اعتقاداً خاطئاً منهم بأن الإخوان قوة لا يجب التضحية بها فى الوقت الحالى، فى حين كان من المفروض أن يلتفتوا لذلك الطوفان من البشر الذى أتاهم من كل فج عميق لأنه هو الذى كان وقود الثورة وروحها الوثابة, وفيما يبدو أن محنة الحوار التى مر بها شباب الائتلاف لم تكن بالأمر اليسير, وربما اضطروا له حتى لا تدور المفاوضات فى الخفاء, وسرعان ما تشكلت لجنة تحمل اسماً معجزاً، وهى "اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة"، تحمل ذات الوجوه، وباسمها احتكروا المنصة الرئيسية بالميدان، وأصبح محظوراً على شباب الثورة استخدامها. وسط كل هذا ظل "شباب الألفة" يحرسون الميدان، ليس لديهم أى علم بما يدور على موائد الساسة وشباب الائتلاف والإخوان والمجلس العسكرى, وما زاد من غيظهم أنهم رأوا وجوهاً تتحدث فى الفضائيات باسمهم وهم لا يعرفونها، وعلى حد قولهم لم يروها فى الميدان, وزاد الأمر شبهة لديهم عندما وجدوا "الائتلاف" يعلق مظاهراته مع الإخوان، ويعلن عن نزوله متى أراد الإخوان، حتى أدى بهم الأمر إلى تسميته "التفاف شباب الثورة" بدلاً من ائتلاف, وفيما يبدو أن محنة الحوار لم تكن بالأمر الهين، حيث أسفرت فى النهاية عن الانشقاق الثالث فى صفوف شباب الائتلاف، حين اختلفوا حول إقصاء شباب الإخوان بعد الموقف المعارض للحركة تجاه التعديلات الدستورية، والذى فضح نوايا الإخوان، فانفصلت بعض مجموعات من 6 أبريل التى لم ترضَ عن مبدأ الإقصاء. وفى الوقت الذى كان يعانى فيه شباب الائتلاف الفرقة والتشرذم, كانت جموع شباب الألفة تأخذ طريقها إلى التنظيم, وأصبحت أكثر وعياً بأهدافها, وبرغم ضعف الإمكانيات وعدم وصول الإعلام إلى جملتهم, إلا أنهم شرعوا فى تشكيل حركاتهم التى بدأت فى أيامهم الأولى بالميدان.. حركات تحمل مسميات تدل على التعارف الأول، أو أهم المعارك والمهام التى مارسوها بالميدان، مثل "عيادة كنتاكى", و"حرس الثورة", و"رابطة فنون الثورة", و"أبطال أول طلعت حرب", و"25 يناير"، و"برلمان التحرير"، وهو الاسم الذى استولى عليه عمر أديب دون مراعاة لحقوق الملكية الفكرية، فهى حركة سعت إليها ناشطة تدعى سهام الوكيل. وحين زادت المحنة مع أساليب الثورة المضادة بدأ "شباب الألفة" تشكيل لجان تصاعدت أسماءها مع حدة الأزمة، من لجان "حماية الثورة" إلى لجان "الدفاع عن الثورة"، وصولاً إلى لجان "إنقاذ الثورة", وانتشرت هذه اللجان فى النجوع والمحليات. "شباب الألفة" أصحاب تعارف الوجه بالوجه أصبح لديهم مواقعهم على الفيس بوك، وكنت عندما أتابع جهدهم الشاق عبر حلم من العمل الجبهوى أشعر كمن نجح فى جمع بعض من اللبن المسكوب بدلاً من البكاء عليه, وهو الأمر الذى كان أولى أن يفعله شباب الائتلاف و6 أبريل، بوصفهم طلائع الثورة والحركات الأكثر تنظيماً. يعلن "شباب الألفة" الآن عن جمعة الغضب الثانى لاستكمال مسيرة الثورة، فهل سيلبى "ائتلاف شباب الثورة" الدعوة كما لبى "شباب الألفة" دعوتهم إلى جمعة الغضب الأولى ؟ أم ستفوتهم الفرصة الأخيرة فى الالتحام بجماهير الثورة، واستعادة مكانتهم التى كادوا يفقدوها ؟ حكاية الثورة بين "شباب الألفة" و"شباب الائتلاف"، ومؤامرات الالتفاف لم تنته بعد، فالثورة فى خطر، وهى بالنسبة لهم مستمرة حتى النصر. ................... هيام طه 0193967061