مازلنا نتذكر جيدا ذلك الخطاب المؤثر الذى ألقاه أوباما فى القاهرة حول الملف الفلسطيني. وما زلنا نتذكر تلك التعهدات والوعود التى أطلقها الرئيس الأميركى نفسه لدى الدخول فى السباق الرئاسى ونيته "البدء بمرحلة جديدة تنهى عهدا طويلا فاشلا من حقبة الرئيس بوش فى التعامل مع الملف الفلسطيني".قال الرئيس أوباما فى خطاب القاهرة ، "لن تدير الولاياتالمتحدة ظهرها للشعب الفلسطيني. نحترم حق الشعب الفلسطينى بالعيش الرغيد فى دولة مستقلة. الاستقرار فى الشرق الأوسط لا يعنى الفلسطينيين وحدهم.. بقدر ما يعنى الإسرائيليين والأميركيين والعالم كله. ومن أجل هذا أعدكم أن اتصدى شخصيا لهذا الملف بحكمة وبما يحقق للفلسطينيين ذلك الهدف".لقد مرت أربعة شهور طويلة على هذا التصريح وباتت الآمال بتحقيق تغير ملحوظ فى الشرق الأوسط أقل من ضعيفة. التصريحات المتوالية لكبار المسؤولين الإسرائيليين جاءت بنتائج محبطة بالفعل حول جدية الجانب الأميركى الذى عجز حتى الساعة فى إقناع تل أبيب بوقف عمليات الاستيطان المستمرة. الأمل بتغير السياسة الإسرائيلية بدأ بالتضاؤل كما هى أيضا قدرة أوباما على التصدى لهذا الملف المعقد.الوضع فى الشرق الأوسط يقترب كثيرا من كونه مجرد لعبة لممارسة الضغوط من قبل كل الأطراف: الفلسطينية والإسرائيلية والأميركية لكن دون نتيجة إيجابية ، وباتت نقاط الخلاف أكثر بكثير من نقاط الاتفاق. وحتى مع وجود السياسيين المحنكين وكبار المبعوثين الأميركيين ، لم يغير ذلك سوى فى إطلاق المزيد من وعود المماطلة.يبدو أننا ، تماما مثل أوباما ، لم نتعلم جيدا من دروس الماضى القريب الذى يخبرنا بوضوح أن السلام لا يتحقق بالوعود. السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن أن يكون اجتماعا هنا وزيارة بروتوكولية هناك دون فائدة عملية تذكر. ونتحدث فى هذه الحالة عن عمليات الإستيطان التى نسفت حتى الساعة كل الجهود.تزداد الأوضاع تعقيدا كل يوم ، لأن الجانبين ، الفلسطينى والإسرائيلى يعانيان من الانقسام الداخلى ويملكان من الحقد والخوف المتبادل ما يكفى لنشوب حروب أطول وأكثر دموية.منذ عام 1993 ، لم تسفر كل التدخلات الدولية عن أى تقدم يذكر. وكل المحاولات تصب فى تحويل هذا الصراع إلى مفاوضات طويلة غير متناسقة. وكل المعاهدات والمبادرات فشلت بشكل واضح فى فرض مضمون السلام.لم نألف من قبل ما صرنا نعرفه اليوم ب"العقم السياسي" إلا من خلال الملف الأهم فى الشرق الأوسط ، والذى وقفت أمامه كل المحاولات الدولية عاجزة أمام جدية الطرفين فى تحقيق السلام. ولم تسفر كل التغييرات التى طرأت على المشهدين السياسيين: الإسرائيلى والفلسطينى عن نتيجة تذكر سوى إهدار المزيد من الوقت والفرص.أين الوعود الأميركية والدولية ، الأوروبية خصوصا ، التى اعتبرت الملف الفلسطينى - الإسرائيلى بمثابة "أولولية قصوى فى ملف السياسات الخارجية ، والقضية الأهم لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط عموما"؟ المنطقة باتت بحاجة ماسة لتنفيذ تلك الوعود أكثر من أى وقت.وهنا يجب أن يعرف الجميع أن السكوت على تمزيق حلم الدولة الفلسطينية يعتبر جريمة لا يمكن السكوت عنها. معاناة مستمرة فى القدس وحصار ومأساة أخرى منسية فى غزة التى ضاعت بين وعود إعادة الإعمار الدولية. والمشكلة تكمن فى أن إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية لا تقدمان أيضا ما من شأنه أن يوقف تآكل حلم السلام فى الشرق الأوسط.