في حياة الأمم أحداث ووقائع تاريخية هي بمثابة منعطفات ونقاط تحول هي أحداث فارقة لما قبلها مهما يتغير وجه التاريخ ومسارات الحياة يطلقون عليها في علم السياسة مصطلح "نقاط التحول" لأنها لا تحمل فقط التغيير بل هي تحول تام وكامل قد يكون محل دهشة وقد تعجز أدوات التحليل ومناهج البحث العلمية عن تفسير أسباب ذلك التحول فهم يصدون ذلك الواقع ولكنهم قد لا يجدون تفسيراي له وهناك العديد من المواقف والأحداث التاريخية من تلك النوعية وكانت معظمها معارك فاصلة قد غيرت وجه التاريخ والحياة بين الشعوب علي سطح الكرة الأرضية.. لقد وصل العرب إلي أبواب أوروبا ولكنهم فجأة وبدون مقدمات قد انسحبوا من الأندلس حتي الآن لا توجد اسباب وتفسيرات واضحة لذلك.. الحروب الصليبية التي انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي وكيف تم توقيف الغزو الأوروبي الذي اجتاح الشرق معركة غير متكافئة بالكلية قوات أوروبا كلها في مواجهة الجيش العربي وفي تلك الرقعة الصغيرة التي تجمعت فيها هذه الجيوش قد دحرها صلاح الدين ولم تعد مرة أخري ماذا لو كانت قد تمكنت هذه الجيوش من الاستيلاء علي الشرق من المؤكد ان الوضع سيكون مختلفاي ولكان هناك وجه آخر للحياة في منطقة الشرق الأوسط.. حتي الآن مازال المؤرخون والباحثون يقفون مبهوتين بما حدث في معركة عين جالوت في ذلك المكان علي يد ذلك القائد المملوك قطز توقف ذلك الزحف التتاري الذي اجتاح كل الشعوب التي في طريقه حتي الدولة العباسية ذاتها ولكن في هذه الرقعة الصغيرة وتلك الموقعة قد انقطع دابر المغول إلي الأبد وقد أسكت صوتهم ماذا لو كان الغزو التتري لم يتوقف عند عين جالوت؟ من التأكيد كان لابد وأن يكون هناك وضع آخر بالتأكيد سلبي ومع ذلك فإن هذه المعارك الفارقة التي تشبه المعجزات وهي كذلك بالفعل منها بالتأكيد معركة اكتوبر وهي تندرج تحت هذه القائمة من المعارك انها الحرب المستحيلة كما قيل عنها وانها لا يمكن أن تحدث وان عبور قناة السويس ذلك المانع المائي الطبيعي والذي أقيم عليه مانع آخر صناعي هو خط بارليف الذي قيل عنها وقتها انه أقوي خط وأقوي مانع في التاريخ وانه يستحيل عبوره كما انه كان مزوداي بتحصينات يصعب علي القنابل والمتفجرات اختراقها وقيل وقتها ان تدمير ذلك الخط يحتاج إلي قنبلة نووية.. لقد زود الاسرائيليون مياه القناة بأنابيب النابالم التي من شأنها أن تحيل مياه القناة إلي جحيم في ثوان معدودات إذا ما فكر المصريون في عبورها والأمر لا يقتصر عند ذلك الحد بل ماذا عن المعدات والأسلحة بكلا الطرفين لقد كان لدي اسرائيل ترسانة متطورة من السلاح هي ترسانة الولاياتالمتحدة ولم يكن لدي مصر سوي تلك الأسلحة القديمة التي كان يعود تاريخ معظمها الي الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي لم تقدم فيه روسيا تلك الأسلحة سواء بالنوعية أو الكمية التي تمكنها من شن أي هجوم علي اسرائيل ولكنها قد عمدت في أن تكون فقط في موقع الدفاع وليس الهجوم.. كل ذلك كان كفيلا بأن يميت أمة وللأبد ولكن ما حدث في 1973 كان فوق التصور وقد قيل عنه في اسرائيل وقتها انه الزلزال وقد شكلت هذه الحرب خبرة مريرة داخل الوجدان الاسرائيلي وقد اهتزت قلوب الاسرائيليين وارتعدت فرائصهم وهو ما جعلهم يفكرون ألف مرة قبل مهاجمة مصر أو الشروع في أي أعمال عنف.. لقد كان لحرب اكتوبر العديد من المحصلات الهامة علي كافة الأصعدة وكانت بمثابة انقلاب ليس فقط في مسيرة الصراع العربي الاسرائيلي ولكن بالنسبة للعلاقات الدولية والنظام الدولي وبالنسبة للجانب العربي فقد كانت حرب اكتوبر نقطة تحول كبيرة حيث مكنت العرب من استعادة كرامتهم ومكانتهم والثقة في أنفسهم بعد الشعور بالاحباط والمرارة الذي خلفته نكسة 5 يونيو وكما قال الرئيس السادات انها تعتبر أول انتصار عربي منذ 50 عاما وقد كان لذلك الانتصار أثر كبير قد أدي إلي تلاحم القوي العربية بشكل لم تعهده من قبل من نتائجها تحطيم اسطورة القوة الاسرائيلية وقدرتها علي المواجهة وقد كان ذلك هو أحد الأسباب وراء حرب "1973" فهي حرب ثأرية في المقام الأول وقد كانت دليلا علي قدرة الأداء القتالي السوري المصري وبغض النظر عن مسرحية الثغرة فهي قد كانت انتصارا عربيا حقيقيا لا يرقي إليه الشك فعلي الرغم من مفاجأتها لاسرائيل إلا ان الرئيس السادات قد كان يعلن مرات كثيرة انه قد يلجأ إلي الحرب إذ اقتضت الضرورة ذلك.. وقد اثبتت في ذات الوقت قدرة العرب علي التنسيق والتحرك الاقليمي "الحظر البترولي" والذي دفع الولاياتالمتحدة إلي التدخل ولكن ماذا عن تأثير هذه الحرب علي اسرائيل هناك العديد من الأقاويل المأثورة ولكن قد نكتفي هنا بما قال به أحد مؤسسي حزب الموكيد والذي كان له مقعد في الكنيست ويدعي "ماييربل" حيث كتب يقول في عام 1967 تمكنا من تحقيق نصر عسكري خاطف أرخص كثيرا من النصر الذي تحقق للعرب في اكتوبر 1973 حيث حاربنا في إطار عمق جغرافي من مواقعنا دون أن يتوفر لدينا أي قدر من حرية التحرك السياسي.. ولقد كانت هذه الحرب ذات أبعاد عميقة حيث أكدت ان استمرار التأييد الأمريكي لإسرائيل يعتبر أحد عوامل التفكك داخل حلف الأطلنطي خاصة في ضوء رفض دول أوروبا أن تجعل من أراضيها جسرا لدعم الامدادات الأمريكية وكانت بمثابة أزمة عميقة هددت الانفراج الدولي وأثبتت ان منطقة الشرق الأوسط تعد أكثر المناطق احتمالا لحدوث مواجهة بين الدولتين العظميين وقتذاك.. لقد قال "سفران" مؤرخ سياسي حيث قال في مقال نشر بجريدة الفورن انيرز في يناير 1974: لقد أجبر العرب اسرائيل علي خوض معركة معد ومرتب لها من قبل نتيجة شجاعتهم التي لا يرقي إليها الشك.