اختلفت الآراء خلال الفترة الماضية، التى أحاطت بتقديم أعضاء الحزب الوطنى طلبات ترشحهم فى المجمع الانتخابى المؤهل لانتخابات البرلمان المصرى المقبلة، حول شخصية المرشح لشغل رئاسته، وربما كان أهم أسباب الجدل تقدم الدكتور مفيد شهاب بأوراق ترشحه عن إحدى دوائر الإسكندرية وملابسات قطع بعض أوراق الدعاية الخاصة به، وترجيح دوائر ضلوع الدكتور سرور فى إثارة ملف عدم قضاء الدكتور شهاب الخدمة العسكرية. طبعا أفسدت كل تلك السيناريوهات مسارعة الدكتورين سرور وشهاب لنفى الروايات كلها والتأكيد على العلاقات الودية التى تربط الرجلين بعضهما البعض فأجهضت محاولات النميمة التى سعت للوقيعة. أظن – وليس كل الظن إثماً بالضرورة - أن مجمعات النميمة التى توسعت فى الشارع المصرى حول سيناريوهات الحكم أو الترشح لشغل منصب الرئاسة العظمى لمصر أو رئاسة البرلمان تخرج من داخل رحم الحزب الوطنى الحاكم ومن صميم أروقته. لكن الذى يهمنى فى هذا الخصوص أن أؤكد على معنى خصوصية الشخصيتين موضوع الشائعات الدكتورين سرور وشهاب وقيمتهما السياسية والتاريخية، وأنا هنا أنسلخ عن قناعاتى وانتماءاتى فى حدود قيمة الرجلين من الناحيتين المهنية والأكاديمية، ومدى انعكاس وجود أيهما فى هذا الموقع الحساس الذى يعنى بإدارة وصون إيقاع الحركة والحوار داخل البرلمان المصرى فى اتزان وتوازن. فالعبد الفقير كاتب هذه السطور من جيل تلقى فنون القانون وعلومه على يد الدكتور أحمد فتحى سرور، بحسبانه إحدى العلامات البارزة فى تاريخ فقهاء القانون وسدنته، وتعد كتبه مرجعاً مهماً لكل دارسى القانون فى جميع المستويات التعليمية المختلفة، وأيضا للمشرعين فى المجالس التشريعية والنيابية فى العالم العربى، فالتمييز واجب بين الدكتور سرور عضو الحزب الوطنى، الذى لم يكن له دور نشط قبل تقلده وزارة التعليم عام 86، ثم رئاسة مجلس الشعب منذ عام 1990، وبينه كرئيس منذ ذلك التاريخ، فلم يعرف عن الرجل أنه واحد من الذين يضعون سياسات الحزب الوطنى أو الحكم، بقدر ما اشتُهر بكونه أكاديمياً رصيناً، حتى وقت شغل موقع العمادة فى كلية الحقوق لم يُغلب انتماءاته، ولم يكن كغيره منافحا أو مناهضا للتيارات السياسية التى امتلأت بها الجامعة المصرية الأثيرة، جامعة القاهرة، وأذكر مشهداً حانياً له وهو يتفقد لجان الامتحانات وكنت أؤدى وقتها امتحاناً وقد قدمت من داخل السجن فى حراسة خاصة، فجاءنى وربت على كتفى، وقال بابتسامة حانية: «هم حابسينك ليه؟» وراجع ورقة إجابتى واطمأن ثم مضى. ظنى أيضا أن اختيار شخصية رئيس مجلس الشعب تخضع لاعتبارات خاصة ليس من بينها اشتغال صاحبها بالعمل السياسى من داخل مطبخ الحزب، بقدر مؤهلات الشخصية لخصوصية إدارة مجلس بحجم البرلمان المصرى، يحتاج أول ما يحتاج لاحترام النواب ورضاهم عن شخصه وتاريخه، هكذا كان رفعت المحجوب، رحمه الله، وهكذا ولم يزل أستاذنا الكبير أحمد فتحى سرور، متعه الله بالصحة. ولعل أهم أسباب شائعات رئاسة د. مفيد شهاب مجلس الشعب المقبل، كما أوضحنا، هو ترشحه عن دائرة محرم بك فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة، ويغرق الذين يعززون من هذا الفرض سبق تعيين شهاب فى مجلس الشورى وعلى مدى ست سنوات سابقة دون حاجة إلى ترشحه للبرلمان!! غير أن هؤلاء نسوا فى زحمة انفعالهم وحماستهم لهذا الرأى أن الدكتور رفعت المحجوب ترأس مجلس الشعب من مقاعد التعيين وليس الانتخاب، وأيضا الدكتور سرور نفسه فى أول رئاسته للبرلمان كانت من مقاعد التعيين قبل أن يترشح بعدها عن دائرة السيدة زينب. لكن الدكتور شهاب أيضاً من الشخصيات الأكاديمية المرموقة التى لها حضور فى قلوب المصريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية، فهو واحد من الكفاءات القانونية رفيعة المستوى، وربما تمثيله لمصر فى قضية التحكيم الخاصة بطابا، التى كسبتها مصر، عمق محبة المصريين له، ورغم اختلافه عن الدكتور سرور فى ممارسته العمل السياسى منذ وقت مبكر، فقد أدى دوراً مشهوداً فى تثقيف الشباب فى منظمة الشباب فى الحقبة الناصرية، واستمعنا منه ونحن فى مرحلة الصبا ترانيم الثورة والانتماء، لكنه جمع بين ممارسته العمل التثقيفى داخل النظام فى مرحلة الثورة وبين كونه أكاديمياً رصيناً ومنافحاً عن مصر بسلاح القانون. لعلى أحد الذين قدروا تأخر تكريم الدكتور شهاب طويلاً حتى تم اختياره وزيراً للشؤون القانونية، فهو واحد من جيل العمالقة لم يأخذ مكانه الملائم والطبيعى فى وقت مناسب، لكنه أثبت بالدليل دأبه وصبره وقدرته على العطاء أياً كان مكانه. لم ألتق يوما الدكتور شهاب، لكنى اتصلت به هاتفياً فى أزمة نادى الزمالك التى تم وقف الانتخابات فيها بعد حكم قضائى بناء على طعن صديقى مرتضى منصور، وجدت هاتفه مغلقاً وسجلت له بصوتى عبارة موجزة، وجدت الرجل يهاتفنى بعدها وتحدثنا حول أزمة النادى العريق وسبل حلها، فوجدته متواضعاً بسيطاً مريحاً، لا شك سيعد مكسباً فى كل الأحوال التى يشغل فيها رئاسة مجلس الشعب أو منصباً سواه يدور فى فلك ما يمكن أن يجنيه المصريون منه قبل الحزب الوطنى. نحن فى حاجة أكيدة إلى احترام رموزنا الوطنية ولو اختلفنا معها أو حولها بعيداً عن الانتماءات أو الحزازات السياسية أو الفكرية.