«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاطف عبدالغنى يكتب أسرار واعترافات البهائيين (5): حكاية الباب والبهاء من الألف للياء!
نشر في مصر الجديدة يوم 06 - 09 - 2009


"يا صغير السن
يا رطب البدن
يا قريب العهد
من شرب اللبن"
كنت أظن إلى وقت قريب أن هذا الكلام المنظوم شكلاً هو من قبيل الشعر "الحلمنتيشى" الذى يخترعه العامة، وسبب ظنى هذا أن الذى تلاه علَّى أول مرة شخص لا يعرف مصدره، أما وقد عرفت فيما بعد مصدره فاسمحوا لى أن أخبركم به.
قائل هذا الكلام هو السيد كاظم الرشتى، الأستاذ والمعلم الأول للميرزا على محمد الذى عرف بلقب "الباب" وعرفت العقيدة التى دعا إليها ب (البابية) تلك العقيدة التى أسست للبهائية وربط بين المؤسسين للعقيدتين روابط عديدة سوف نوضحها- حالا- لكن قبل أن نوضحها نحيلكم مرة أخرى لقراءة (يا صغير السن) ونسأل: إذا كان هذا الكلام صادراً عن المعلم، فماذا عساه يكون حال التلميذ؟.. هذا التلميذ الذى أصبح فيما بعد زعيماً دينياً لطائفة، وقال عن نفسه إن معجزته هى قوته البيانية!!
ونحن لن نناقش السيد الباب فى معجزته تلك قبل أن نحكى أولاً قصته وقصة سلفه بهاء الله، والتى هى قصة البهائية التى نثبتها للتاريخ أو للبحث عن الحقيقة التاريخية تلك التى أنتجت هذا الهذيان المنظم والخبل المقدس!
فى عصور الظلم والفتنة والقهر والجهل يبحث الناس -دائماً وخاصة الضعفاء- عن مخلص يرفع عنهم هذا الظلم، ويعيد إليهم حقوقهم المغتصبة وإنسانيتهم المنتهكة، هذه الفكرة التى ورثتها الإنسانية عن أساطير الفرس البابليين، وشاعت فى اليهود أيام سبيهم فى بابل بالعراق (القرن السادس قبل الميلاد) عقيدة المسيح المخلص الذى سوف يردهم إلى فلسطين، فيقيمون هيكلهم ويعيدون مملكة داود وسليمان بحد السيف، وينتقمون من أعدائهم.. إلىآخر هذه الأفكار، فلما ساعدهم ملك فارس الوثنى (قورش) فى العودة الجزئية إلى فلسطين، اعتبروه بنص كتابهم المقدس هو المسيح المخلص ثم عادوا وقالوا إنهم مازالوا ينتظرون هذا المسيح الذى سوف يأتى من نسل داود (عليه السلام)، وأما المسيحيون فينتظرون أن يأتى الرب المسيح فى آخر الأيام على السحاب فيختطف الأبرار، بينما تؤمن عقائد منحرفة من المسيحية مثل شهود يهوه بعودة المسيح إلى الأرض ليحكمها ألف عام يسلسل فيها الشيطان، ويؤمن بعض المسلمين بظهور المهدى فى آخر الأيام ليحارب الشر المتمثل فى المسيخ الدجال، وينضم إليه المسيح عيسى بن مريم فى هذه المعركة، وهذا المهدى رجل من أهل بيت النبوة، سوف يؤيد بالدين ويملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ومن بين تلك المعتقدات وفى الأحوال التى أشرنا إليها سابقا فى إيران خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر، ولد بمدينة شيراز جنوب إيران (على محمد رضا)، وعندما بلغ (على) مبلغ الصبيان ألحقه أبوه بمدرسة تتبع دعاة الشيخية من الشيعة الذين ينتسبون للشيخ أحمد الأحسائى، وقيل إن هذه المدرسة كانت تسمى "قهوة الأنبياء والأولياء" فتعلم فيها قليلا ثم انقطع ليعمل بالتجارة حتى بلغ السابعة عشرة من العمر، فعاد للاتصال بمشايخ الشيعة الكبار، واشتغل بدراسة كتب الصوفية والرياضة الروحانية، وخاصة كتب الحروفيين (الذين يشتغلون بعلم الحرف) وممارسة الأعمال الباطنية المتعبة، مثل الجلوس لساعات طويلة فى وضع معين دون حركة أو الوقوف تحت أشعة شمس الظهيرة، عارى الجسد بالساعات الطويلة، إلى آخر هذه الرياضات التى قيل إنها أثرت على صحته الجسمانية والنفسية، وزاد من تأثره هذا وفاة ابنه البكر، فأرسله خاله إلى العلاج فى النجف وكربلاء بالعراق، ويبدو أنه أخذ يتردد على شيراز والعراق، وهما معقلان من معاقل الشيعة، ولما بلغ (على) الرابعة والعشرين من العمر بدأ يرتاد مجلس إمام الشيخية فى زمانه (كاظم الرشتى) ويدرس أفكاره وآراءه الشيخية، وفى تلك المجالس تعرف عليه شخص اسمه (عيسى النكرانى) ولم يكن عيسى هذا إلا الجاسوس الروسى (كنيازى دلكورجى) الذى وجد فى شخصية (على محمد رضا) الصيد السهل لإقناعه بادعاء المهدوية.. ويبدو أنه نجح أيضا ليس فقط فى إقناع محمد بهذا الأمر، ولكن فى إقناع من حوله أيضا حتى أن الشيخ (كاظم الرشتى) أخبر محمد على بأنه الموعود أوالمهدى المنتظر والباب الموصل إلى الحقيقة الإلهية، لكن الأخير انتظر حتى وفاة الرشتى، وفى ليلة الخميس 5 جمادى الأولى 1260ه الموافق 23 مارس 1844م أعلن محمد على رضا أنه الباب الموصل إلى الحقيقة الإلهية حسب عقيدة الشيعة الشيخية، وأنه رسول كموسى وعيسى ومحمدعليهم السلام.. بل أفضل منهم جميعا (استغفر الله)، فآمن به تلاميذ الرشتى وعلماء الشيخية فاختار منهم ثمانية عشر مبشرا لدعوته سماهم (حروف حى) ولما كان هو التاسع عشر لهم نستطيع أن نكتشف جانبا من تقديس هذا العدد فى نسق هذه العقيدة، على الرغم من غياب أى دلالة إيمانية حقيقية له.
فى العام التالى لإعلان الباب دعوته تلك قبضت عليه الحكومة الإيرانية وسجنته وأرغمته على إعلان توبته، فوقف على منبر مسجد الوكيل وأعلنها، أو تظاهر بذلك، وعلى أثر ذلك أعلن أتباعه (البابيون) الجهاد المسلح، ودخلوا ضد الحكومة الإيرانية فيما يشبه الحرب أو الصراع المسلح يناصرهم الدبلوماسيون الأجانب فى إيران خاصة الروس والإنجليز لأسباب تتعلق بمصالحهم السياسية، ومرة أخرى تقبض الحكومة الإيرانية على الباب وتودعه السجن ثم تجمع له سبعين عالما يناقشونه فيما يدعو إليه، فلما حدثت هذه المناقشة أعلن العلماء مروقه عن الإسلام وكفره وأفتوا بوجوب قتله، لكن أعوانه استطاعوا أن يهربوه من محبسه ويخفوه فى أحد القصور الإيرانية (قصر خورشيد) بينما بدأ أتباعه فى تنظيم حملة للدفاع عنه، وكان أبرز هؤلاء المنظمين رجلين وامرأة، أما الرجلان فهما الميرزا يحيى على صبح الأزل وهو الرجل الثانى فى البابية، وشقيقه حسين على النورى المازندانى، وأما المرأة فهى أم سلمى الملقبة ب (قرة العين) و(صاحبة الشعر الذهبى) حفيدة الملا (محمد صالح القزوينى) أحد علماء الشيعة ومدرسها الذى درست على يديه العلوم وأخذت الشيخيةعن عمها الملا (على الشيخى) والتى رافقت الباب فى الدراسة عند كاظم الرشتى، وفوق كل هذا كانت امرأة باهرة الجمال، جذابة متحررة فى علاقاتها إلى درجة الفجور، خطيبة مفوهة.. وواحدة بكل هذه الصفات كانت مؤهلة لأن تلعب دورا خطيرا فى حياة الباب والبابية، والبهائية، فقد قيل إنها كانت مهندسة أفكار (على محمد) وأحد زعماء حملة الدفاع عنه ، تلك الحملة التى نظمت مؤتمرا فى بادية (بدشت) بإيران فى شهر رجب 1264ه ،هذا المؤتمر الذى دعا فيه زعماء البابية العوام إلى الخروج فى مظاهرات احتجاج على اعتقال الباب، وأعلنوا أيضا نسخ الشريعة الإسلامية بشريعة البيان، هذا الكتاب الذى ألفه الباب أثناء اختفائه فى قصر خورشيد، وبعد هذا المؤتمر هاجت الحكومة الإيرانية، وفتشت عن الباب حتى قبضت عليه، فلجأ مرة أخرى للتظاهر بالتوبة وبراءته مما نسب إليه وأقسم بألا يخرج من بيته أو يتصل بأعوانه، وهو الأمر الذى لم يرض أعوانه وأتباعه فظلوا يتصلون به، فقبضت عليه الحكومة الإيرانية للمرة الأخيرة وحكمت عليه هو واثنين من أعوانه بالإعدام رميا بالرصاص أمام العامة، وتم تنفيذ الحكم على الرغم من الوساطات الروسية والبريطانية تلك التى لم تنجح فى الصفح عن الباب، وعلى الرغم من إعلان الباب نفسه التراجع عن أفكاره لكن خطر دعوته والاضطرابات التى أثارها وسفكه لدماء المخالفين له والمنكرين دعوته كل هذا شجع الحكومة الإيرانية والأسرة الإيرانية الحاكمة على تنفيذ الحكم، والذى تم بالفعل سنة 1849م.
وفى ميدان عام أطلق وابل من الرصاص على جسد الباب فجعله كالخرقة الممزقة، ولم يبق موضع لم يطله الرصاص إلا وجهه، فلما غادرت الفرقة المنفذة للحكم حمل أتباع الباب جثمانه ليدفنوه فهربوه سرا إلى الآستانة ثم فيما بعد إلى عكا ليدفن هناك فى مقبرة يحج إليها البهائيون إلى الآن.
كان الباب قد أوصى أن يخلفه فى زعامة الطائفة ساعده الأيمن أحد الحروف الثمانية عشر (حروف حى) الميرزا يحيى الملقب من قبل الباب ب (صبح الأزل) لكن بغياب الباب بدأ فصل آخر من الصراع الدامى فى قصة البابية والبهائية، صراع على السلطة الدينية وصراع على الزعامة والنفوذ، وهى صراعات تغوى من يطمع فيها بارتكاب أكبر الحماقات وربما أفظع الجرائم.
وجانب من هذا الصراع كان قد بدأ بالفعل أثناء حياة الباب أو قبل إعدامه بشهور قليلة، حتى التقى حسين على المازندنى الأخ الشقيق ل (يحيى صبح الأزل) بقرة العين باهرة الجمال واجتمعا فى صحراء أو بادية بدشت لنصرة الباب وأعجب حسين على المازندنى بقرة العين ويبدو أنها بادلته هذا الإِعجاب فى جو اختلط فيه النساء بالرجال أتباع الباب فارتكبت الفواحش وسادت أجواء الخليعة، ومنذ هذا التاريخ بدأ صراع خفى بين الأخين الشقيقين "يحيى" ونائبه "حسين" على زعامة البابية وكان الأخوان وثالثهما قرة العين قد اتفقوا على اغتيال شاه إيران ناصر الدين القاجاورى، وعندما فشلت محاولة الاغتيال، هرب حسين على إلى السفارة الروسية التى استطاعت أن تحصل له على ضمانات بعدم إعدامه بينما تدخلت بريطانيا وساهمت فى الاكتفاء بعقوبة نفى الأخوين إلى بغداد.
أما قرة العين فقد قبض عليها وحكم عليها بالإِعدام حرقاً، لكنها ماتت مخنوقة فى محبسها قبل تنفيذ الحكم فيها، وذلك سنة 1852م.
وظل "حسين على" يتحين الفرصة لتكوين كيان خاص به مثل كيان الباب، فبدأ بتجميع الأتباع حوله بعد أن أصبح نائبا لأخيه فى رئاسة البابيين، لكن السلطات الإيرانية بدورها كانت قد طلبت من دولة الخلافة العثمانية طرد البابيين إلى منطقة نائية على الحدود الإيرانية بسبب خطورتهم وما يثيرونه من شغب وتصدير للاضطرابات الدموية، فاستجابت السلطات العثمانية وأبعدتهم إلى استانبول سنة 1863م، ثم نقلتهم مرة أخرى إلى أدرنة بتركيا وفيها تعرف "حسين على" بيهود سالونيك ودخل فى علاقات معهم، وفيما بعد أطلق هو وأتباعه على سالونيك : أرض السر .. فهل كان سبب إطلاق هذا الاسم هو أن حسين على فى هذه البقعة الجغرافية كان قد بدأ بتكوين معتقده الخاص به وبأتباعه الذى عرف بالبهائية ؟
هناك رواية أخرى تقول : إن إعلان البهائية حدث أثناء نفى أتباع الباب فى استانبول وبدأت خطة إعلان البهائية، واستقلال "حسين على" بالزعامة قبل ذلك حين أقنع "يحيى صبح الأزل" الاحتجاب عن الناس بحجة أن ذاته مقدسة لا تغيب عن الأحباب وإن كانوا لا يرونها.
وبهذه الحيلة استطاع "حسين" أن يوثق صلته بالأتباع ويضعف ارتباطهم بأخيه، وفى نفس الوقت قرب إليه نفراً من الأتباع المخلصين وتخلص من الشخصيات الكبيرة التى يخشى منافستها على الزعامة، وهناك رواية ثالثة، لكن كل الروايات تفضى إلى أن "حسين على" طمع فى البابية مبكرا جدا وقبل موت الباب نفسه، أما بخصوص إعلان البهائية فنحن نطمئن إلى الرواية التى تقول: إنه حدث فى استانبول قبل مغادرتها إلى أدرنة، حيث أقام "حسين على" فى حديقة نجيب باشا خارج المدينة والتى تعرف بحديقة الرضوان، بعد أن أقام البهاء اثنى عشر يوما أعلن بعدها أنه الموعود الذى أخبر عنه الباب وسماه ب (من يظهره الله) وعرفت تلك الأيام الاثنى عشر ببيعة الرضوان، ويعد البهائيون هذا اليوم عيدا فيحتفلون به كل عام ويستمر الاحتفال لمدة اثنى عشر يوما هى الزمن الذى قضاه البهاء فى التحضير للإعلان الذى حدث فى نطاق ضيق وسرية حتى لا يصل للأخ "يحيى صبح الأزل"!
وبعد أربعة أشهر من هذا الإعلان نقل الأتباع جميعا والإخوان إلى أدرنة بتركيا ومكثوا فيها ما يقرب من أربع سنوات ونصف السنة قام "البهاء حسين على" خلالها بنشر دعوته بين عامة الناس، فالتف حوله عدد من الأتباع سموا بالبهائيين، على حين بقيت مجموعة أخرى تتبع أخاه (صبح الأزل) تم تمييزهم ب (اِلأزليين) فلما شاع أمر البهائية كان لابد من أن يقع الخلاف بين الأخوين، هذا الخلاف الذى استفحل إلى درجة الكيد ونسج المؤامرات حتى وصلت إلى محاولة كل منهما التخلص من الآخر بدس السم له.
ومرة أخرى حينما أدركت الدولة العثمانية خطرا جديدا من الأخوين وأتباعهما قررت نفيهما فنفت "يحيى صبح الأزل" إلى قبرص وظل بها وخلف وراءه كتابا سماه (المستيقظ) الذى نسخ به الكتاب الذى ألفه الباب وسماه البيان وأوصى - قبل موته - ما تبقى من أتباعه أن يختاروا أبنه ، أميرا لهم لكن أبن بحى صبح الأزل تنصر فانفض الأتباع من حوله.
أما "البهاء حسين" فقد تم نفيه إلى عكا، فنزل بها سنة 1868م واستقبل بحفاوة من اليهود الموجودين فى فلسطين فأغدقوا عليه الأموال وأحاطوه بالرعاية والأمن، وسهلوا له الحركة، على الرغم من صدور فرمانات الباب العالى بتحديد إقامته وعدم اختلاطه بالناس وهكذا أصبحت عكا مقرا دائما للبهائية والبهاء الذى استقر له الأمر وأخرج كتابه الأقدس وشرع فيه ووضع الألواح (النصوص) التى تشرح تلك الشريعة، والتى نسخ بها شريعة البيان التى كان قد سبق ووضعها الباب والتى كان الباب وأتباعه قد قالوا إنها نسخت شريعة الفرقان (القرآن).
وعاش البهاء يحيط نفسه- فيما تبقى له من حياته - بهالة الجلال المصطنع ورفاهية تقترب من رفاهية الملوك والأمراء حتى مات فى فلسطين يوم 28مايو سنة 1892، وفى موته تحكى روايتان الأولى تقول: إنه مات مقتولاً بين نفر ممن تبقى من أتباع أخيه "يحيى صبح الأزل" (الأزليين) والرواية الثانية تقول إنه أصيب بالجنون فى آخر أيامه وحجبه ابنه عبد البهاء عن الناس وتحدث بلسانه حتى مات، أما المتواتر عن موته فهو أنه مات بالحمى، وفى كل الأحوال فقد مات البهاء وخلف وراءه ميراثا من عقيدة منحرفة بنى عليها أخلافه أسطورة البهائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.