هانى على الصباغ من حق الطفل أن يضحك ويمرح ويمزح ويلعب وهو حق طبيعي اتفق عليه العقلاء وأتت الشريعة الإسلامية بتأييده ، ففي الحديث ( مروا أبنائكم بالصلاة لسبع ) ، فبعد السبع بدأ التعليم والأمر والنهي ، ومن الناحية الاجتماعية يبدأ الطفل بعد هذه المرحلة بانتقاء أصدقائه وتتوسع دائرة علاقته الاجتماعية وينمو المحصول اللغوي للطفل بدرجة كبيرة عن طريق حب الاستطلاع والرغبة في اكتساب معلومات ومعارف جديدة . قال سفيان الثوري : لاعب أبنك سبعاً وأدبه سبعاً ثم اتركه للتجارب ، فينبغي لنا أن نترك أطفالنا يستمتعون ببراءة الطفولة وجمال الطبيعة ، وفي القرآن حكاية عن أبناء يعقوب عليه السلام .... قولهم لأبيهم (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) ثم قالوا (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) أترك طفلك يمزح ويلعب ويضحك ويتسابق ويتطلع بشرارة إلي ما وراء البحار ، ولا تثقل عليه بحفظ المتون ، وقراءة مقدمة أبن خلدون ، ومعارضة قصيدة أبن زيدون وشرح حاشية أبن القاسم علي موطأ مالك ، فقد وحدتُ آباءً بدأو يحفظون أطفالهم المتون ويعلمونهم اللغات الأجنبية في الثالثة والرابعة من أعمارهم ، فعاش الطفل في غم وهم ونكد ، فإذا لعب قال له أنسيت الآية (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) وإذا سأل أباه أن يشتري له لعبة انتهره قائلاً : وينشأ ناشئ الفتيان منا علي ما كان عوده أبوه فإذا أستأذنه أن يلعب مع الأطفال أنكر عليه وقال أين أنت من قولي الأول : إذا بلغ الفطام لنا وليد تخر له الجبابر ساجدينا بعض الآباء عذاباً وأصب وعقوبة من الله علي أطفالهم . تجدهم يمزحون ويمرحون فإذا دخل عليهم البيت سكتوا وقالوا جاء الوالد .... جاء الوالد ، فدخل عليهم كالموت . كان سيد البشرية ؟ رحيماً بالأطفال يمازحهم ويضاحكهم ويحملهم ، كان يصعد الحسن والحسين علي ظهره وهو ساجد وكان يأخذ الحسن والحسين في حضنه ويقبل هذا مرة وهذا مرة ويقول : ( هما ريحانتايا من الدنيا ) . فيقول له رجل : عندي عشرة أبناء ما قبلت واحد منهم ، فيقول له سيد الخلق ( وهل املك أن نزع الله الرحمة من قلبك ) إن الطفل بحاجة إلي متعة ذهنية ورياضية جسمية وفكرية ، تجعله مستعداً للحياة القادمة حياة العمل والإنتاج بعيداً عما يسمونه بقتل الوقت أو وأد الزمن ، فلماذا نستعجل الأيام ونحرمه حقه الطبيعي في اللعب والمزاح والبهجة ؟ إن الإعاقة الفكرية قد يكون سببها أمُاً طاغية أو أبٌ ظالم شرس يجلس مع أطفاله كأنه الحجاج بن يوسف فيقمع في نفوسهم البسمة ويكبت في أرواحهم الفرحة ، فيكبرون وفي قلوبهم مرض القهر النفسي والكبت الأسري فيبقى الواحد منهم غير سوي تشاهد علي وجهه سحابة سوداء من الكآبة والحزن الدفين من آثار الطفولة البائسة المحرومة ، حتى ولو كان معلماً أو مهندساً أو أستاذاً جامعياً ترجم هذا الحزن علي طلابه في حركاته وسكناته . إن بعض الآباء أسداً هصور علي أطفاله ، ضعيف في مواقف الحق ، أجعل أطفالك يتسابقون إلي فتح الباب إذا أقبلت ، وتحول أنت إلي طفل وديع بينهم فتنزل إلي مستواهم في الحديث ، قص عليهم نكات وداعبهم بلطائف وشاركهم لعبهم ، ولا يعني ملاطفة الأطفال ومداعبتهم إهمال الأدب ، بل سوف تغرس في قلوبهم الفضيلة بلطفك بهم فتهذبهم برفق وتربيهم بعفوية من دون أوامر عسكرية ، إن الطفل لا يعرف إلا أباه فهو يراه أشجع من عنتره وأكرم من حاتم وأحلم من الأحنف ، فمن أراد أن ينشأ أبنه صادقاً كريماً حليماً فيكن هو صادقاً كريماً حليماً ، فلنجعل الحب مكان السوط والرفق محل العنف واللطف مكان الكبت ، حينها نسعد بأبنائنا أسوياء يحملون رسالتهم في الحياة بجدارة ويصلون إلي كرسي الريادة باقتدار ، وإذا لم يلعب الطفل ويضحك في السنوات السبع الأول من حياته فمتى يضحك ؟ هلي يضحك يوم تقبل عليه الحياة بمتاعها وهمومها وأحزانها يوم يحمل مسئولية البيت والوظيفة والرزق والحقوق الاجتماعية والواجبات الشرعية ؟ حينها يصرخ القلب المفجوع بحنين: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب * باحث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر