حوالي الساعة السادسة صباحاً، وصل أوّل أعضاء الكنيسة إلى منزل لوري جونسون في مدينة كولورادو، ولاية أريزونا الأميركيّة، وما إن قاربت الساعة السابعة صباحاً حتّى تضاعف الحشد بكميّاتٍ غريبةٍ ملأت ساحات المنزل والحديقة ومواقف السيّارات، آلاف الرجال والأولاد ببدلاتهم الرسميّة، والنساء بفساتينهن الطويلة والقديمة المتشابهة، اجتمعوا للمشاركة في حفل تأبين فونيتا جيسوب، العجوز ذات الثمانية وستّين عاماً، والتي كانت ممدّدةً في نعشها وإلى يمينها زوجها ميريل، ويسارها بقيّة زوجات الزوج وهنّ يظهرن عظيم الاحترام، بالتأكيد ففونيتا هي الزوجة الأولى. مدينة كولورادو، لا تعتبر مدينة عاديّة بالنسبة لفونيتا وأولئك الذين يؤمنون بإيمانها، فبالإضافة إلى مجتمع هيلدايل في ولاية أوتاوا، تعدّ كولورادو مهد كنيسة يسوع المسيح الأصوليّة لقديسي اليوم الآخر، المتفرّعة عن المورمونيين والتي تبيح للرجال تعدّد الزوجات من دون حدّ. والجدير بالذكر أن هذه المجموعة التي اتخذت من إحدى مزارع المدينة موطناً لها، كانت قد انشقّت عن ديانة المورمون في عشرينات أو ثلاثينات القرن الفائت، عندما حاولت هذه الأخيرة فرض أحاديّة الزواج عليها. لم يستطع أهل المنزل إخفاء التوتّر الذي كان يسود مراسم التأبين، حيث يعلم الجميع أن العلاقة بين ميريل وفونيتا لم تكن على ما يرام، وقد حدث ذلك عندما هربت زوجة ميريل الرابعة، كارولين جيسوب، من المنزل آخذةً معها أولادها الثمانية، ونجحت في إصدار كتابٍ حلّ في أهم مراتب البيع عالميّاً. تحدّث كتاب الزوجة الرابعة عن التعاسة التي كانت تعيشها فونيتا وهجرانها لزوجها والتزامها غرفتها طوال ساعات النهار والخروج ليلاً فقط لقضاء واجبات المنزل من طبخٍ وغسيل ملابس وما إلى ذلك. جو جيسوب، هو أخ ميريل، عمره 88 عاماً، ويسكن ضمن مرتفعات منطقة هيلدايل، يطلّ منزله على منازل مجتمع الكنيسة في مدينة كولورادو، ويصرّ على تسميتها القديمة الخور القصير، ويقول إنّه عندما انتقل إلى هذه المنطقة في طفولته لم يكن فيها سوى أربعة منازل، وكانت تلك البداية. جو عضوٌ مهم في الكنيسة، فهو أبٌ لستة وأربعين ولداً وبنتاً، وجدٌّ لمائتين وتسعة وثلاثين حفيداً، يعتبر أن انتقال أسرته إلى «الخور القصير» هو أهمّ ما قاموا به في حياتهم للحفاظ على مبدأ تعدّد الزوجات، وعلى الرغم من الصعاب التي واجهوها، إلا أنّهم قاموا بعملٍ جيّد. حيث انّ أولادهم يعيشون في مجتمعاتٍ «غير فاسدة»، حسب قولهم، بعيداً عن الوجبات السريعة المضرّة والقنوات التلفزيونيّة، والضغوط الاجتماعيّة المختلفة. وعلى نقيض ذلك، يرى النقّاد أن مجتمع تلك الكنيسة ليس إلا حديقة معزولة لثلّةٍ من الناس يدينون بولائهم لرجلٍ واحدٍ فقط، هو «وارن جيفز»، الذي كان يسوّق لنفسه بأنّه «السلطة الدينيّة العليا» وله دائماً الكلمة الفصل. على الرغم من انشقاق أتباع هذه الكنيسة عن الطائفة المورمونيّة، إلا أنّ الالتزام بتعاليمها لم يكن يوماً موضع نقاش، فكلّ الأملاك في المجتمع مملوكةً ومدارةٌ من قبل الكنيسة، كما يحاول السكّان الوصول تحقيق الاكتفاء الذاتي بأكبر قدرٍ ممكن، وذلك عبر زراعة مساحاتٍ واسعة من الخضروات أو الفواكه، ويعمل الجميع، حتّى الأطفال منهم على جني الثمار في فترة الحصاد.
فضلاً عن ذلك، يمتلك أعضاء الكنيسة، أعمالاً في المنطقة ذاتها تتراوح بين الفنادق والمعامل الصغيرة، ويتميّزون فعلاً بحبّ التطوّع، فقد قامت مجموعة منهم العام الفائت ببناء منزلٍ من أربع غرف في يومٍ واحد. وتنعكس هذه الروح أيضاً داخل منازل أتباع الكنيسة، حيث تسكن كلّ زوجةٍ في جناحها الخاص، وتكون مسؤولةً عن الأمور الأساسيّة لأولادها إلى جانب واجبٍ أساسي عامٍ في المنزل، كالطبخ، أو الحياكة أو تعليم الأطفال، خصوصاً وأن معظم الأطفال يتلقّون تعليمهم منزليّاً. بدأت فكرة هذا الانشقاق كلّه في أربعينات القرن التاسع عشر، عندما بدأ جوزيف سميث، المؤسّس، فكرة تعدّد الزوجات، وقامت عليه الكنيسة بأكملها عندما تسرّبت شائعات عن اتّخاذه أكثر من زوجة، لكن بعيد اغتيال سميث من قبل أحد المناهضين، قام أتباعه بعقد مؤتمرٍ في أوتاوا ليعلنوا فيه عن أحقيّة الرجل بتعدّد الزوجات لأن ذلك يزيد من إيمانه وتعلّقه بديانته. وبعد ذلك، في عام 1890 تقريباً، تمّ إقرار قانونٍ فيدرالي يجرّم تعدّدية الزوجات، وانصاع المورمونيون له، في حين أصرّ من نطلق عليهم الآن اسم أتباع كنيسة يسوع المسيح الأصوليّة لقديسي اليوم الآخر، على أن سبب هذا القرار سياسيٌّ، وهم لن ينفّذوه، وعليه قام أحد الناشطين من الكنيسة بتزوّج 55 امرأة، وإنجاب 58 ابناً وابنة خلال سنتين فقط. على الرغم من الرفض العالمي الذي يلاقيه مجتمع تلك الكنيسة، إلا أن أتباعها لا يزالون يدافعون عن «شرعيّة» اعتقادهم، ومنهم «فيرا بلاك»، العجوز التسعينيّة التي أُّخذ أولادها منها العام 1956. ولم يُعادوا إليها حتّى وقّعت على تعهّدٍ يؤكّد الرضوخ للقانون الفيدرالي المحرِّم لتعدّد الزوجات، وترقد فيرا اليوم على فراش الموت، وتتحدّث قائلةً: «جعلوني أوقّع على التعهّد من دون قناعة فقط لأستعيد أولادي، وقمت بذلك وعيناي مغمضتان وقلبي مسكونٌ بقناعاتٍ أخرى».