"إن التناقض الظاهري هو مصدر انفعال المفكر فالمفكر بلا تناقض أشبه بعاشق بلا شعور،يصبح مجرد شيء عادي لا يعتد به، وأعظم أنواع التناقض الفكري جميعا هو محاولة اكتشاف ما لا يستطيع الفكر أن يفكر فيه" سورين كير كيجار قد يختلط التدخل بمعناه السياسي بذات المصطلح بمعناه القانوني الدولي وأحيانا يشكلان وجهين لمصطلح واحد، ومع ذلك فإن هناك تباينا واضحا من حيث المعنى والمفهوم إذ ينصرف المفهوم السياسي للتدخل إلى البحث في الدوافع والغايات والظروف، ومن ثم فالأدوات والوسائل التي تستخدمها الدول للتدخل في شئون الدول الأخرى بغض النظر عن التبريرات، ولاسيما جانب استخدام القوة أو الوسائل السياسية أو الاقتصادية لتحقيق أغراض معينة تتصل بمصالحها وطموحاتها، وهي في جميع الأحوال "ليست مشروعة"، وتبعا لذلك يجري تعريف التدخل بأنه الضغط الذي تمارسه دولة على دولة أخرى لإجبارها على القيام بفعل أو الامتناع عن فعل أو بأن تتدخل فوق أراضيها مباشرة لتنفيذ ذلك عن طريق استخدام القوة المسلحة أو اللجوء للمساعدة من داخل الدولة نفسها من خلال مؤيدي هذا النظام أو من خلال مأجورين لها في الدولة الأخرى. إن التدخل بمفهومه السياسي بعيد عن أي ضوابط قانونية أو أخلاقية لأن محركه الأساسي المصلحة والأطماع مهما كانت النوايا المعلنة خيرية ورشيدة . تسارع الفلسطينيون في قطاع غزة في التذمر واتهام جمهورية مصر بأن الجدار الفولاذي المزمع إنشاؤه على الحدود بين غزة ومصر ضد مصالح الشعب الفلسطيني وبأنها تسعى لزيادة الحصار وتعميقه. هذه الاتهامات هي ما تعودت عليه الجماهير العربية عموما والفلسطينيون خصوصا، وذلك إثر حملة التضليل الإعلامي ومحاولة غسل الدماغ من قبل حركة حماس وبعض الفصائل المستفيدة. لقد تعودنا في العالم العربي على تحليل الأحداث السياسية في المنطقة والعالم منذ زمن على الرؤية المؤامراتية لكل حدث يتلبسه الغموض والضبابية، تحليل عاطفي لا يستند على أي رؤية أو وعي سياسي. إن ما يجب فهمه اليوم هو ضرورة التسلح بالوعي السياسي الناضج والمسئول، فالجدار المصري ليس لزيادة الحصار وليس ضد مصالح الشعب وإنما العكس هو الصحيح، إلا أن هذه الرؤية تكاد تستعصي على الفهم لكنني سأحاول جاهدا أن أكشف جزءا من هذه الحقيقة من خلال طرح هذا السؤال الهام. ما الذي تريده حركة حماس من الحدود على مصر؟ وماذا يعني مخططها في فتح الحدود ؟ ليس لهذا إلا تفسيرا واحدا برأيي فحماس تسعى جاهدة لتحويل الارتباط الاقتصادي بمصر أي أن: تصبح إمدادات الكهرباء والطاقة والمواد الغذائية من خلال معبر رفح، وهذا يعني تخفيف الضغط على إسرائيل وإعفائها مما يجب عليها فعله كدولة احتلال. الجزء الآخر والذي كُشف عنه مع بداية حكم حماس في قطاع غزة ألا وهو "الهدنة طويلة الأمد مع الاحتلال" فحماس ستقف حارسا أمينا على الحدود وستمنع كل من يقترب كما تبث ذلك بالتجربة المشاهدة والحية، وكما اعترف بذلك الكيان الصهيوني من أن إسرائيل تعيش في عصر أمني ذهبي بفضل حركة حماس. هذا السيناريو سيجعل من القضية الفلسطينية هباءا منثورا، وسُينْجِح هذا السيناريو المشروع الصهيوني من إقامة حدود جديدة لقطاع غزة حتى سيناء أو "بير العبد" والذي كان مطروحا منذ سنوات ورفضته حركة التحرير فتح. أما المتباكين على الأنفاق فعليهم أن يعرفوا أيضا أنها أنفاق موت لا أنفاق حياة، فقد قتل فيها حتى الآن أكثر من 300 فلسطيني فضلا عن أن المستفيد الحقيقي منها هم مجموعة من التجار اللصوص والمحتكرين الذين تفرض عليهم حماس ضرائب باهظة لدفع رواتب الميلشيات العسكرية التابعة لها. وختاما: إن الذين ينتظرون منا في الخارج أن نكون أفواههم وقلوبهم النابضة في الحرية والديمقراطية لِنُعلِمَ العالم الدولي أجمعه عن قصص معاناتهم ونضالهم المشرف ضد الاحتلال الإسرائيلي المستبد. والذين يتعاطفون معنا عليهم أن يوجهوا كل هذا التعاطف الرائع والمثمر في الاتجاه الصحيح ضد الاحتلال الإسرائيلي لإجباره على إنهاء الحصار. ولنفتح لهم ولشعبنا الأبواب نحو الحرية والكرامة الإنسانية، فهل يوجد اليوم من سامع عاقل وقارئ حكيم. كاتب وباحث فلسطيني [email protected]