منحت جامعة الأزهر في مدينة غزه، يوم الخميس 20/6/2013، شهادة الماجستير للباحث كمال على أحمد أبو شاويش، وسط تصفيق وامتلاء قاعة المؤتمرات، عن رسالته بعنوان "ثورة 25 يناير في مصر: أسبابها وتداعياتها وانعكاساتها المتوقعة على القضية الفلسطينية". وقد تشكلت لجنة المناقشة والحكم من الأساتذة الدكتور إبراهيم أبراش رئيساً للجنة ومشرفاً والدكتور رياض العيلة مشرفاً ثانياً والدكتور عبد الناصر سرور مناقشاً خارجياً والدكتور أسامة أبو نحل مناقشا داخلياً. استعرض الباحث كمال أبو شاويش فصول ومحاور الدراسة بشكل قوي وواثق، من خلال جهد ميداني قام به عبر إجرائه لقاءات ومقابلات علمية على الساحة المصرية، مع نخبة كبيرة من قيادات الأحزاب والتجمعات السياسية المصرية على اختلافاتها الفكرية والأيديولوجية، إضافة إلى لقاءات مع النخب الفكرية والأكاديمية، وأساتذة الجامعات، وقيادات سابقة في الجيش المصري.
وصفق له الحضور على استعراضه لخطة البحث وأهدافه والإجابات على أسئلة الدراسة بشكل قوي، وتحليل عميق، وإبداء الرأي في مختلف المواضيع والقضايا والجزئيات، وقد أثنى على ذلك الأساتذة المناقشين له، واعتبروا رسالته العلمية بمثابة رسالة ترقى لتكون رسالة دكتوراه. وقد كان الباحث خلال المناقشة واثقاً من نفسه وقدراته، وأجاب على كل التساؤلات التي وجهت إليه، وشرح ودافع عن رأيه وما كتبه في الدراسة بقوه وثقه بالنفس.
وتبحث هذه الدراسة في أسباب وتداعيات ثورة 25 يناير وانعكاساتها المتوقعة على القضية الفلسطينية، وهي تحاول الإجابة على السؤال الرئيسي: كيف ستتجه القيادة المصرية الجديدة في تعاملها مع الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطيني؟. وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية هي، أن القضية الفلسطينية -من وجهة النظر المصرية- هي قضية قومية وعلى رأس أولويات الأمن القومي العربي والمصري تحديداً، وعليه فإن سياسة مصر تجاه الملف الفلسطيني لن تشهد تحولات جذرية/راديكالية وإن تغيرت القيادات المصرية. مع الأخذ بالحسبان تأثير الرأي العام الضاغط لجهة تبني مواقف أقل تسامحاً تجاه ممارسات إسرائيل العدوانية على الشعب الفلسطيني.
واستعرض أبو شاويش الأسباب التي أدت لاندلاع ثورة 25 يناير، والتغيرات السياسية الجارية على الساحة المصرية، وما أفرزته من نتائج وتداعيات بسبب عملية التدافع السياسي خلال المرحلة الانتقالية. وحاولت الدراسة رصد وتحليل التحولات الثورية والأيديولوجية داخل نخبة صنع قرار في مصر، وتأثير الرأي العام والبيئة الداخلية والخارجية، بخاصة في ظل الانقسام السياسي والتراجع الاقتصادي الذي تشهده مصر، وانعكاسات ذلك على السياسة الخارجية المصرية تجاه العلاقة بإسرائيل والقضية الفلسطينية.
وأكدت الدراسة على أن التحولات الثورية في مصر ستزيد من قوة الرأي العام الضاغط على القيادة السياسية، لجهة تبني مواقف أكثر جرأة في السياسية الخارجية، وأقلّ تسامحاً تجاه ممارسات إسرائيل العدوانية على الشعب الفلسطيني. كما أن التحولات الداخلية في بنية النظام السياسي في مصر ستقود بالضرورة إلى تحولات هامة في مُدخلات ومُخرجات السياسة الخارجية وممارسة العلاقات الدولية، وبالتالي ستؤدي إلى استعادة مصر لدورها الإقليمي، وقيادة مشروع نهضوي عربي، حتى وإن طالت المرحلة الانتقالية وتعثرت.
ومن خلال دراسة وتحليل بعض المواقف والأحداث التي رصدت، خلال السنة الأولى من حكم الرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، خلصت الدراسة لجملة من النتائج تتلخص في: أنه على الرغم من النزعة الثورية، وتأثير الرأي العام، وبالرغم من صعود قيادة جديدة للحكم ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين، ذات الخلفية العقائدية المعادية للمشروع الصهيوني، إلا أن توجهات السياسة المصرية تجاه إسرائيل لم تتغير عما كانت عليه في ظل النظام السابق. وفي حين أن القيادة المصرية الصاعدة ليس لديها رؤية جديدة أو خيال سياسي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية، فقد شكلت القواسم الحزبية المشتركة بين الاخوان المسلمين في مصر وحركة حماس في فلسطين، انحيازاً أيديولوجياً لجهة حركة حماس على حساب منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا ما انعكس بالسلب من خلال المقاربات المصرية للتعامل مع قطاع غزة، بخاصة في ظل حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، مما يهدد وحدة القضية الفلسطينية.
ولذلك حذر أبو شاويش من استمرار حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي يمثل مدخلاً لبعض القوى الإقليمية، قد تحاول من خلاله لعب أدواراً في عملية التسوية قد تكون على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، بما يخدم مصالحها مع أمريكا والغرب، في ظل غياب إجماع عربي وتوافق فلسطيني داخلي. وتختتم الدراسة بمجموعة من التوصيات تصلح كبرنامج عمل وطني، خلال مرحلة التحول وإعادة التشكيل التي تعيشها مصر ومعها المنطقة العربية.
وأوصى القيادات السياسية والحزبية الفلسطينية أن تبدأ جدول أعمالها الوطني بمجموعة من الإجراءات العاجلة، أهمها: 1) إنهاء الوضع الشاذ الذي أفرزته حالة الانقسام الفلسطيني، والذهاب فوراً إلى حوار وطني خالص، وهنا يؤكد الباحث على أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه منظمة التحرير ورئاسة السلطة في الدعوة لهذا الحوار واحتضانه، بما يضمن التوصل لتشكيل حكومة وحدة وطنية. 2) والاتفاق على برنامج تنفيذي يعيد توحيد المؤسسات السياسية والإدارية في شطري الوطن. 3) وصياغة استراتيجية شاملة للتحرر الوطني تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة. 4) والتأكيد على أهمية دور الشباب الفلسطيني كرأس حربة في استدامة النضال الوطني. 5) وتعزيز حالة التواصل بين أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. 6) توصي الدراسة بعدم التعامل مع سكان قطاع غزة باعتبارهم فائض بشري، وعدم الاستمرار في سياسة إدارة الظهر لقطاع غزة وهموم سكانه.
وأما على المستوى العربي فيرى الباحث أن ربيع مصر والعرب سائر إلى حال سبيله إن لم يدخل الفلسطينيون على الخط، لذلك توصي الدراسة بالعمل على تعظيم حضور القضية الفلسطينية على جدول أعمال الثورات العربية، وفي القلب منها الثورة المصرية، من خلال مجموعة من الإجراءات، أهمها: 1) العمل على استثمار الحالة الوجدانية لدى الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية، وتوظيفها لتصبح قوة ضاغطة على الحكام العرب لتبني مواقف سياسية أكثر صرامة تجاه إسرائيل. 2) الدفع بشعوب الربيع العربي وإشراكها في معركة التحرر الوطني، من خلال تبني استراتيجية قومية لمحاصرة إسرائيل وعزلها عبر حملات المقاطعة، وملاحقتها في أروقة القضاء الدولي. 3) وتعزيز علاقات الشراكة مع الأحزاب العربية الفاعلة والمهتمة بالقضية الفلسطينية. 4) وتوصي الدراسة الفصائل الفلسطينية بالتزام سياسة الحياد تجاه التيارات والأحزاب السياسية الفعالة على الساحة المصرية والعربية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، والتعامل بحصافة ولباقة سياسية، وعدم الزج بالقضية الفلسطينية في السجالات الحزبية والانتخابية داخل البلدان العربية.
ويختتم الباحث رسالته بالقول: إن المستقبل الفلسطيني لم يُكتب بعد، ولا يملك أحد أن يكتبه نيابةً عن الفلسطينيين أنفسهم، أو بمعزل عنهم، والمستقبل الذي يسعى إليه الفلسطينيون ليس مستقبلاً واحداً لا فكاك منه، بل في الواقع له عدة أوجه، وعدة خيارات، تعتمد على عزمهم على أن يصلوا إلى ما يودون أن يكونوا عليه؛ فالتاريخ الفلسطيني لن يرحم أحداً من هذا الجيل إن لم ينهضوا جميعاً من سباتهم، رافضين الاستكانة للقدر، ولافظين لكل أفكار الإذعان .. إن بداية الطريق لكل إصلاح، وتغيير للواقع، وتنمية للمستقبل تبدأ بتغيير الإنسان، وفقاً للقانون الإلهي ﴿إنَّ اللّه لا يُغيِّرُ مَا بِقومٍ حَتى يُغيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم﴾.